بيان المهزلة الثوري..من أنتم: سلطة أم دولة؟!
حسن عصفور
بيان المهزلة الثوري..من أنتم: سلطة أم دولة؟!
كتب حسن عصفور/ في ستينات القرن الماضي انتشرت في لبنان طرفة سياسية، هرع مدير مكتب رئيس الجمهورية اللبنانية اللواء فؤاد شهاب الى رئيسه صارخا، بأن كمال جنبلاط الشخصية البارزة، أصدر بيانا هدد بخلق "أزمة دستورية في البلاد"، وبحكمته قرأ الرئيس شهاب "البيان الناري"، وفجأة اصابته نوبة من الضحك وقال لمدير مكتبه، يا بني جنبلاط بيك يقرأ من تحت..عَين له فلانا مديرا لمدرسة بعقلين الابتدائية.
ويبدو أننا أمام ذات المشهد الهزلي بعد أن أصدر مركزي "المقاطعة" بيانا يحمل من السخرية السياسية الكثير، حيث جاء في البند 21: "يتولى السيد الرئيس محمود عباس وأعضاء اللجنة التنفيذية الاستمرار في تنفيذ قرارات المجلس الوطني والمجلس المركزي كافة، واتخاذ الخطوات العملية وفق الأولويات المناسبة وبما يعزز صمود شعبنا ويحافظ على مصالحه الوطنية العليا".
وبقراءة "البيان الثوري جدا" سنجده قد اختزل المشهد كاملا بهذه الفقرة، التي وضعت كل المصير للتنفيذ والمتابعة بيد عباس وفقا للأولويات المناسبة، وهنا بيت القصيد، من سيحدد تلك الأولويات، بل ما هي أصلا هذه الأولويات، وهل هناك تعريف لها واتفاق حولها.
ولنفكر سويا، لو ان سحب الإعتراف المتبادل يمثل أولوية سياسية فورية، فذلك كان يتطلب إعلان ذلك، دون أي إنتظار، خاصة وأن البيان "العنتري جدا" أعلن إنتهاء المرحلة الإنتقالية لإتفاق أوسلو التي استمرت 25 عاما بدلا من 5 سنوات، ما يفرض وجوبا تحديد شكل النظام السياسي القائم، من حيث أهو سلطة فلسطينية مستمرة الى حين، أم بدأت عملية مرحلة دولة فلسطين، تنفيذا للقرار الأممي 19 /67 لعام 2012، ما يؤدي بالضرورة الى إعلان المركزي أسس النظام الجديد، برلمانا وحكومة ورئيس لدولة تحت الاحتلال، خاصة وأن هناك لجان تم تشكيلها سابقا لإعلان ذلك، أي أنه لم يعد هناك أي مجال لإعادة البحث و"التنقيب".
الى جانب أن هذا القرار يتطلب إ تنظيم العمل وفقا لما سيكون من "مواجهة سياسية - أمنية كبرى" مع دولة الكيان وجيشها في أراضي الدولة الفلسطينية المحتلة، وهذا يتطلب وجود قيادة عليا لمتابعة "المعركة العامة" وأوامر محددة بذلك، ومن يقرأ البيان سيجد أن ذلك الأساسي غائب كليا.
الاكتفاء بالإشارة الوصفية لذلك، وتركها للرئيس ولجنته الخاصة "التنفيذية" يمثل حالة استخفاف بالوعي الوطني غير مسبوق.
وفيما يتعلق بوقف التنسيق الأمني، فهذا عملية متكاملة، لا تقتصر فقط على عدم تزويد المحتلين بكل ما يتعلق بحياة الفلسطيني اليومية كجزء من ثمن الحماية الخاصة لعباس، كما أعلن نتنياهو، بل يتطلب ذلك الاستعداد لمنع أي اعتداء على أراضي فلسطين والرد عليها، بما فيها استخدام القوة النارية، وأن تتوقف عملية الإبلاغ عن الحركة اليومية للمسؤولين السياسيين والأمنيين عند تنقلهم من منطقة الى أخرى، وتمزيق البطاقات الخاصة الممنوحة لهم من قبل الإدارة الأمنية، وذلك ينطبق على الرئيس ووزيره الأول والوزراء كافة، والانتهاء من استخدام أي امتيازات خاصة وفقا للاتفاق. مشهد اليوم من سلوك الحركة العامة لمسؤولي النظام القائم هو بداية الاختبار، ومنها يكون يكرم النظام أم يهان!
وبلا أي شك فإن الغاء اتفاق باريس الاقتصادي بكل ما به من مصائب، يتطلب خلق شبكة اقتصادية قادرة على تعويض الاعتماد على السوق الإسرائيلية، فهل هناك بديل معلوم، ام انه بديل سري، خاصة وأن القرار متخذ من زمن بعيد، وتم تشكيل لجان للبحث والدراسة والتنقيب ووضع الآليات لذلك منذ فترة، ما يعني أن البديل الوطني حاضرا، وستوجه ضربة قاصمة للسوق الإسرائيلية.
وفي شأن العقوبات على قطاع غزة، فالبيان عمليا أكد استمرارها، مع اللغة الإنشائية بالحرص على الأهل في قطاع غزة، فيما المصالحة باتت مسرحية مكررة، تؤكد أن الطلاق بات هو الخيار لهذه الفئة من الشعب الفلسطيني.
ولكن هناك مسألة ربما تكشف مدى هزالة من كتب البيان، حيث جاء في البند 20، "يحول المجلس المركزي الاقتراح بتشكيل محكمة منظمة التحرير الفلسطينية إلى رئيس المجلس الوطني واللجنة القانونية في المجلس لاتخاذ الإجراءات القانونية الواجبة الإتباع".
محكمة لمن ولما وما هي طبيعتها وأين حدودها وأي صلاحيات لها، وصلتها بدولة فلسطين المفترض انها بات قائمة من اليوم التالي للبيان.
بتدقيق سياسي يكشف هذا البند أن هؤلاء لا يعرفون من هم فعلا، وما هو النظام السياسي القائم، فقد كان مطلوبا منهم وضع كل ما يمكن أن يرضي الناس لغة ويرضي دولة الكيان عملا.
نحن أمام "مهزلة سياسية بلغة ثورية"، والى حين إجابتكم على السؤال المركزي، من أنتم: دولة أم سلطة، فما صدر ليس سوى بيان عكس ما جاء في "اتفاق عباس - أرغمان!
ملاحظة: بيان أمين عام الأمم المتحدة حول اغتيال الأطفال الثلاثة في دير البلح يكشف كم ان الفلسطيني لا يعني سوى حدثا عابرا..تخيلوا أنهم كانوا "أطفالا يهود" ماذا سيكون الرد فلسطينيا وعربيا وعالميا!
تنويه خاص: مركزي المقاطعة دعا الى "إنفاذ خطة العمل التي قدمتها اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية بخصوص المُقاومة الشعبية بشكل شمولي"، هيك جملة زلزلت الكيان رهبة ورعبا من الخطة السرية..يا عالم يا هو..المقاومة مش شروة!