نشر بتاريخ: 2022/02/22 ( آخر تحديث: 2022/02/22 الساعة: 19:48 )
د. إياد رابعة

الشباب الفلسطيني بين الأزمة والخيارات المتاحة

نشر بتاريخ: 2022/02/22 (آخر تحديث: 2022/02/22 الساعة: 19:48)

قبل الخوض في غمار هذا المقال المتواضع أستذكر مقولة الكاتب والمفكر غازي القصيبي عندما أشار بأن التحدي اليوم هو أن ننحاز إلى الحل لا إلى الأزمة، وأن نكون مع التنمية ضد التخلف، ومع التسامح ضد التعصب، ومع الحرية ضد التسلط، ومع التعليم ضد الجهل، لأن أزمتنا في نظره هي تخلف، جهل، قهر، قمع تعصب، في مناخ مرتبط بانعدام الحرية، والحل يكمن بالاستمرار فى ممارسة الديمقراطية والحرية والتنمية وتشجيع التعليم وإشاعة ثقافة التسامح، وبناء مجتمعات حرة معافاة.

وهنا يحضرني أن أتطرق إلى واقع أليم وحزين يعيشه المجتمع الفلسطيني كباقي بعض شعوب المنطقة إلا أن هناك خصوصية للمجتمع الفلسطيني تختلف عن شقيقاته العربية.

لم تصدمنِ تلك المؤشرات والبيانات التي تصدر بين الفينة والأخرى حول واقع قطاع غزة، وآخرها كان حول إرتفاع نسبة المواطنيين المدمنيين على المخدرات بكافة أشكالها وألوانها, ولا ارتفاع نسبة البطالة والفقر ، والطلاق، وتقديرات التي تشير أن قطاع غزة لا يصلح للعيش والحياة فيه.

 هنا لا أحبذ أن أنكأ الجراح بقدر ما أريد تشخيص الواقع برؤية نقدية لعل وعسى نلقى آذان صاغية منفتحة غير ملبدة.

فالمجتمع الفلسطيني عامة والشباب منه على وجه الخصوص في القطاع يواجه تحديات ومشكلات وأزمات جمة نتيجة لتعقد الحياة وسرعة إيقاعها، والمتغيرات الفاعلة فيه، مما نتج عنه افتقاد الأمن والتواصل مع الآخرين وتضاؤل فرص التعبير وتحقيق الذات ، وما يرتبط بذلك من شعور بالوحدة أو الخوف ، وعدم الإحساس بتكامل الشخصية، وشعور الفرد بأنه أصبح بلا موقف واضح ، وضحية ضغوط غامضة متصارعة يعيشها المجتمع ، ولا يجد لدى المجتمع حلا لتلك الحالة التى يعيشها مما يجعله يشعر بعدم القدرة على ضبط الأحداث والتحكم فيها ، وبالتالي يفقد الثقة فى نفسه وتترسخ لديه قيم السلبية والقلق والرفض ، وغالبا ما يحاول التعبير عن أزمته بأي شكل من الأشكال التي قد تكون فى مظاهر العنف والتمرد، أو التخريب، أو الانغلاق على الذات، والوقوع فريسة لمشاعر الذنب والانسحاب من الواقع أو الهجرة إلى الخارج أو المضي في رحلة البحث عن هوية.

فالحديث عن هذه المشكلات أو الضغوط التي تقع على الشباب الفلسطيني ليست وليدة الساعة بل ترجع لمراحل سابقة ، وهي ظواهر تظهر في كل عصر بثوب وبطبيعة معطيات هذا العصر ، وهي في نفس الوقت لا تنقطع عن الماضي ، وهو ما أكدته الدراسات التي أجريت في العديد من المجتمعات وبين مختلف الطبقات الاجتماعية، فمواجهة الشباب الفلسطيني لهذا الواقع المرير الحاصل متمثلا في عدم وجود سلطات ديمقراطية ووجود أنظمة بيروقراطية عاجزة عن أن تلبي طموحاتهم جعلته لا تبقيه خارجها فقط ، ولكنها تجعل دوره ينحصر في الخضوع لها والالتزام بقوانينها؛ مما يشعره بالعجز وعدم القدرة على تحقيق ذاته ، وفقدان الأمل، وإنعدام معنى الحياة، واللامعيارية (الخروج عن المألوف) والتشيئو، وهو الأمر الذي ترك أمام الشباب الفلسطيني ثلاثة آثار أو خيارات كالانسحاب من هذا الواقع ورفضه ،أو الخضوع إليه في الوقت الذي يعاني من النفور ، أو التمرد على هذا الواقع ومحاولة تغييره ولو كان ذلك بالقوة وهو ما يعجز الشباب في هذه الفترة عن القيام به؛ نظرا لأسباب وعوامل لا يتسع المجال للحديث عنها الآن.

وهنا نؤكد عندما يكون الإنسان عاجزا ، ويعي عجزه في علاقاته بالمجتمع ومؤسساته، يلجا إلى تقبل الوضع مضطراً لمعايشته ولكنه قد لا يقوى على تحمله فيبحث عن مخرج بسبل مختلفة فيلجأ إلى ثلات خيارات وهو ما أفصح عنها المفكر العربي حليم بركات في كتابه الموسوم الإغتراب في الثقافة العربية متاهات الإنسان بين الحلم والواقع، حيث حدد ثلاث خيارات أمام الإنسان لمواجهة هذا الواقع المأزوم وهي:

١- الانسحاب أو الهروب من الواقع على أن يجد سبيلا آخر يجنبه تحمل أوضاعه، فقد لا يتمكن الإنسان من الاستمرار في معايشة أزماته واغترابه في علاقاته بالمجتمع أو الدولة والمؤسسات التي ينتمي إليها أو يعمل ضمنها ، ويدرك أنه لا يقوى على تغيير الواقع أو الرضوخ له ، فيحاول الانسحاب باحثا عن فرص أخرى للخلاص من الوضع الذي يعانيه ، ويتجلى هذا الانسحاب في أشكال مختلفة ، فإذا كان الفرد أو الشاب ينتمي إلى حزب يترك الحزب، وإذا كان يعمل في مؤسسة يبحث عن مكان آخر للعمل ، وإذا كان طالبا في الجامعة والجامعة مستبدة أو غير مفيدة يذهب إلى جامعة أخرى ، وكذلك قد تشكل الهجرة له أفضل الحلول الممكنة، وهذا ما نلحظه عند كثير من الشباب .

2_ الرضوخ أو الخضوع للأمر الواقع والتكيف معه على الأقل ظاهريا، والنفور منه ضمنيا عندما يستحيل الهرب ، أو بسبب العجز واليأس ، وبالتالي يبدأ هذا المتأزم المغترب يتمسك بقيم الصبر، والتملق، والمجاملة ، والتحبب، والتسويغ ، والتنازل والمساومة.

3_ التمرد الفردي أو العمل الثوري ضمن حركات اجتماعية منظمة تسعى لتغيير الواقع، ومن الآثار السلوكية المحتملة للتحرر من عبء الأزمات والمشكلات والاغتراب الإندماج فى نشاطات تهدف إلى تغيير المجتمع بالإصلاح أو التمرد الثوري من خلال الاشتراك الحر فى حركات اجتماعية وأحزاب ثورية تعمل من أجل استبدال النظام السائد بنظام آخر يستند إلى نظرية إصلاحية أو ثورية منظمة .