نشر بتاريخ: 2019/02/23 ( آخر تحديث: 2019/02/23 الساعة: 09:30 )
عدلي صادق

إخترناك.. إخترناك فعلاً

نشر بتاريخ: 2019/02/23 (آخر تحديث: 2019/02/23 الساعة: 09:30)

لا تزال اسطوانة "اخترناك" التي يطلب عباس تشغيلها، بين الحين والآخر،  تراوح في موضع التندر، وفي جوانبها نوع استثنائي من السخرية الذاتية، عندما يردفها المساير أو المضطر، بالاستهزاء من نفسه، مع مضاعفة الدعاء لرب العزة، بأن يرفع غمة عباس عنه وعن سائر الفلسطينيين!

وإن كانت هذه الإسطوانة، لا تستحق  التعقيب أو التعليق، فإن ما يعكسه تكرارها من أعراض العطب النفسي الذي أوقعه عباس، بكرباجه المالي، في ذهنيات الحزانى من الموظفين؛ جدير بالتأسي والتنويه، ليس من حيث كونه، يدفع المحزونين الخائفين على لقمة خبزهم الى ممارسة الرياء والتريّض به، رُغماً عنهم وحسب؛ وإنما كذلك من حيث ما تنم عنه مثل هذه الرياضة من انزياح الوعي وانزياح السياسة، الى ما دون مستوى كليلة ودمنة!

فالرجل، الذي هو عباس في هذه الحكاية، بدأ يحكم ويتفرد منذ يناير 2005 وكان يومها قد جاوز السبعين. في تلك السنة الغبراء، وقع عليه اختيارنا نحن الحزانى، في لحظات أشد حزناً والتباساً. كنا وقتها، نشعر بمخاطر وجودية، بعد أن قتل العدو زعيم حركتنا الوطنية، ومهد للقتل باتهامه في شخصه، بأنه عقبة في وجه السلام وقد تحدث الجنرالات علناً عن وجوب غيابه أو تغييبه. يومها كان الخيار الذي أمامنا إما لا أحد ولا عودة الى حال اللا تشكل الكياني، أو الاستعانة بصاحب منهجية ما يسمى السلام، والمتفائل الأول بالتسوية، وكاره البندقية والمقاومة، وكاره أبي عمار نفسه، وكاره مؤسسي الثورة أصحاب ورفاق أبي عمار، أمواتاً وأحياءً. كان معظم الذين وافقوا على الاختيار، مترددين وحذرين، لكن الرجل، أي عباس، استعان بالأكاذيب في التعبير عن نفسه: فهو عاشق المؤسسات، وعاشق ونديم القانون والعدالة، وهو الذي تُردد شفتاه تلقائياً وبشكل لا إرادي الآية الكريمة من سورة قريش: الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف!

الأطرف أنه في وقت إقامته في غزة، استخدم لغة التمييز المناطقي الإيجابي نفاقاً لمجالسيه فيها ومنها. فالتمييز ذميم سواء كان إيجابياً أو سلبياً. فليست غزة أفضل ولا أعز من سواها. وقد سمع منه كاتب هذه السطور مرتين عبارة أنه مُغرم بغزة. كانت تلك عدة الخداع، وكان حقيقاً بمن سمعوها أن يحاذروا. وباختصار، ضحك الرجل على ذقون جميع الذين اختاروه!

كان ذلك في مستهل العام 2005  عندما تجاوز عباس سن السبعين. اليوم، بعد نحو أربع عشرة سنة من الاختيار يتحدث الحزانى عن اختيار آخر لشيء لا يفصحون عنه ولا يعلمونه، اللهم إلا إذا كانوا يختارونه لتنجير المزيد من الخوازيق. فالاختيار لن يكون للرئاسة، لأنه فيها مسبقاً. وبالتأكيد، ليس اختياراً لسيادته لكي يتخذ القرارات، فهو يتخذها فعلاً، بل هو من خلالها أشبع الفلسطينيين أطعاماً من جوع وتأمينا من خوف، وعزز كيانهم السياسي بالمؤسسات الرصينة، وكرّس العدالة والشفافية والمحبة والوحدتين الفتحاوية الوطنية. بل هو مخترع أذكى وأعمق أنواع مقاومة الأمريكيين والصهيونية، بتكرار التزامه أمن إسرائيل، وتكرار قطعه لأرزاق الحزانى، وتكرار إقصائه للقوى والفصائل وأصحاب الرأي، وتكرار إعلانه كراهية من يقاومون أو يعارضون أو يطالبون بأي نصاب قانوني.  فلماذا يختاره الحزانى من جديد، وهو المختار القابض على السلطة والممارس لما اختير له؟

عندما يتأمل المرء هذه الأعراض النفسية التي تطفو على سطح برامج التواصل، يحزن على حال البعض البائس، الذي إما يكابر ويكذب على نفسه، أو يساير ثم يهزأ من نفسه ويزجرها ويدعو رب العزة بأن يرفع الغمة.