بعد عيد الفطر "السعيد"
عدلي صادق
بعد عيد الفطر "السعيد"
خرج رئيس السلطة الفلسطينية الى جولة خارجية استباقاً لإعلان إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن مشروع التسوية الأميركي ـ الإسرائيلي الذي اسموه "صفقة القرن". وستكون محطات الرحلة في العواصم التي أعطت رأيها فيها وأعربت عن تمسكها بصيغة التسوية التي توافق عليها المجتمع الدولي، لكن ترامب تنكر لها ورفض محدداتها ومرجعياتها، مثلما تنكر وجاهر بمجافاته لتعاقدات دولية قائمة. وليس ثمة زيادة يمكن أن يزيدها عباس عندما يسافر مستزيداً. فقد قيل في تعليل الجولة، إن هدفها حث الدول المعترضة على السياق الأمريكي، على التكتل ومواجهة الصفقة مجتمعة ومتناسقة، على اعتبار أن هذه الدول ــ كما يظن عباس ــ في حاجة لأن يدلها على صيغة الإعتراض، ذلك علماً بأن الإتحاد الأوروبي أعلن قبل أسابيع، أنه بصدد إصدار بيان يحتوي على مبادئ الدول الـ 28 الأعضاء، حول السلام في الشرق الأوسط، في حال خلو “صفقة القرن” الأمريكية من "مبادئ الإتحاد بهذا الخصوص". أما على أرض الواقع فإن ما يجري، عبرت عنه السيدة فيدريكا موغيريني وزيرة خارجية الإتحاد الأوروبي بصراحة عندما قالت إن "حل الدولتين قد تلاشى، بل تقطّع إرباً"!
كان واضحاً من خلال الوصف الذي أطلقته السيدة موغيريني، أن الأمور جرت منذ مدة، في سياق تطبيقات الصفقة، بمفاعيل لاعبيْن اثنين متعاضدين، لا يستمعان لنداءات العالم، وهما الإحتلال الإسرائيلي والإدارة الأمريكية التي تشجعه وتزاود عليه في التطرف وفي إنكار مرجعيات التسوية. معنى ذلك أن ما يفتش عنه عباس ليس عند السيدة موغيريني، التي نَعت حل الدولتين وأعربت بكل أسف وشجن، أنه تقطع إرباً وتحول الى أشلاء. ومعنى ذلك أيضاً أن مهمة عباس إن افترضنا جدلاً أن ثمة مهمات قد تبقت له، تقتصرعلى إمعان النظر في أشلاء الحال الفلسطينية، لأن الشعوب المساندة لحركات تحررها الوطني، هي التي تفرض الوقائع وتضطر المستعمرين الى ابتلاع السنتهم والتراجع عن تصريحات ومشروعات وقرارات، وعن خطط وضعتها لكي تبقى في المستعمرات ولكي تستمر في سلب الحقوق الوطنية للشعوب!
السؤال المهم الآن: بعد أن سمعنا نبأ الصفقة وأبلغتنا موغيريني عن نتيجتها بصيغة الماضي وليس بصيغة المضارع: ما الذي حدث على الصعيد الفلسطيني خلال السنوات الماضية، لكي يتجرأ مستشار الرئيس الأمريكي وصهره جاريد كوشنير على أن يقول، كمن يزف البُشرى:"إن صفقة القرن، ستُعرض بعد عيد الفطر السعيد، وبعد تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة"؟!
كوشنير يركز على وصف العيد بــ "السعيد" وفي ذهنه أن البشرى ستجلب للشعب الفلفسطيني الحياة السعيدة، نقيض الموت والإحباط والبؤس والجوع والحصار وعذابات السفر والعلاج وإيلام ذوي القُربى الأشد مضاضةً. فالأمريكيون يراهنون على شقاء الفلسطينيين وقرفهم وعذاباتهم وعلى كل الآلام التي أسهم في صنعها مع العدو، طرفا الخصومة الفلسطينية، من المحنكين والربانيين الذين يحكمون!
لا مجال لمقاومة الصفقة بغير الكتلة الشعبية التي تقف شامخة فيراها العالم في كل يوم، موحدة، رافضة لتصفية القضية الوطنية، وأشد إصراراً على نيل الحقوق. وهذه الكتلة لن تتوافر بغير زوال كل أسباب الإحباط وانزواء قادة الأمر الواقع. فإن كانت قد تبقت مهمة، لعباس وحماس اللذين لا يُرجى منهما رشاد ولا ترجى استقامة، فهي حصراً البدء بالاعتذار للشعب الفلسطيني، ثم العمل على التمكين لإرادته وتفويض من يقودونه التزاماً بالمؤسسات الدستورية وبثوابت المشروع الوطني الذي تعففت عنه حماس وهزأت به وعيّرت الوطنيين، قبل أن يهبط سقفها الى ما دون حقيبة العمادي ومسافة صيد الأسماك!
بعد عيد الفطر "السعيد" نحن على موعد مع الإختبار العسير. الأمريكيون لن يأخذوا رأينا وإنما سيحاولون فرض مشروعهم.
وليعلم الجميع منذ الآن، أن الحال الراهنة، تفسح المجال واسعاً لما يريدون، وإن بقيت الحال كما هي، فإن الفلسطينيين سيكونون سعداء في دواخلهم ويشعرون بالرضا دون أن يصرحوا، وسيقف طرفا الخصومة الفلسطينية ببلاهة مشدوهين، ثم تنعقد ألسنتهم عندما يكتشفون أنهم المعادل الموضوعي للصفقة، بل إن الصفقة هم، طالما أنها استندت الى ما فعلوا وما يفعلون!