نشر بتاريخ: 2018/01/03 ( آخر تحديث: 2018/01/03 الساعة: 10:51 )
أكرم عطا الله

قرارات إسرائيل تسقط تباعًا

نشر بتاريخ: 2018/01/03 (آخر تحديث: 2018/01/03 الساعة: 10:51)

الكوفية خلال الأسابيع الأخيرة تركز الهجوم الذي حذر منه الجميع عندما كانت إدارة الرئيس ترامب قيد التشكيل، فالأسماء حين كان يتم تعيينها كانت تشي بخطر داهم، تلك الإدارة ألقت بقنبلة ثقيلة على رؤوس الفلسطينيين بإعلانها القدس عاصمة لإسرائيل في سابقة لم يفعلها أي من ساكني البيت الأبيض سابقًا.

إسرائيل التي بذلت جهودًا هائلة منذ عام مع الإدارة الجديدة لدفعها باتجاه هذا الإعلان، بات واضحًا أن الأمور لديها مجهزة سلفًا وكانت تعرف مسبقًا ماذا ستفعل باعتبار الإعلان الأميركي صافرة انذار انطلاق مشاريع كانت معلقة لسنوات سابقة،  فسرعة الإجراءات الإسرائيلية تشي بمعرفة تامة لما أعلنه الرئيس مسبقًا، بل ربما أن الأمر كان يتم بالترتيب لكل شيء بشكل مشترك، وهذا التقدير تعززه طبيعة العلاقة التي وصلت حد التوأمة السياسية بين نتنياهو ومستشاري الرئيس الأميركي.

إسرائيل تبدو كأنها تسابق الزمن في المشاريع، وبسرعة تم إقرار مشروع ما سمي بالقدس الموحدة فجر أمس الثلاثاء، بالقراءتين الثانية والثالثة، والذي ينص على حظر تقسيم القدس حتى وإن كان ضمن تسوية سياسية مستقبلاً إلا بموافقة 80 عضو كنيست والمؤلف من مائة وعشرين عضوًا.. أي الثلثين، ومع الإنزياح الإسرائيلي في السنوات الأخيرة نحو اليمين بات واضحًا أن امكانية توفير نصف الكنيست لإلغاء هذا القانون تعتبر مهمة مستحيلة.

حزب الليكود وقبل قانون القدس بيومين، شهدت قاعة “أفينيو” قرب مطار اللد اجتماعًا لمركزه ضم ألف شخصية من أعضاء المركز صادقوا على ضم الضفة الغربية وتطبيق قوانين إسرائيل وسيادتها على جميع مناطق الاستيطان في الضفة الغربية، واللافت في اجتماع مركز الحزب الحاكم في إسرائيل كانت الكلمات التي ألقاها وزراء الحزب والتي تعكس منطق سياسة اليمين المتطرف الذي تعهد بتغيير اتفاقيات أوسلو منذ أن وقعها حزب العمل آنذاك.

نائبة وزير الخارجية تسيفي حوتبيلي قالت في كلمتها: “بعد القدس وهضبة الجولان حان الوقت للسيادة في يهودا والسامرة – يهودا والسامرة هي جزء لا يتجزأ من دولة إسرائيل”.. أما الوزير حاييم كاتس فقال: “إن مركز الليكود يصادق اليوم على تصويت تاريخي بفرض السيادة الإسرائيلية على يهودا والسامرة والقدس الكبرى، وأجزاء الدولة هذه هي جزء لا يتجزأ من أرض إسرائيل وستبقى هكذا إلى أبد الآبدين”.

الوزير للشئون الأمنية والإستراتيجية جلعاد آردان قال: “حقنا على أرض إسرائيل يبدأ في القدس، في الحرم الابراهيمي وفي شيلو، لن نطبق السيادة بحكم القوة وانما بالحق التاريخي والديني والتوراتي، سنفعل ذلك”. هنا ديماغوجيا شعبوية مرة أخرى تخلط السياسة بالأساطير بالقوة، وتتواضع في الحديث عن قوة السلاح الذي يفرض حقائق السياسة.. أما الحديث عن الحق التاريخي فهذا يحتاج الى نقاش آخر، ربما لأن علماء الآثار الإسرائيليين الذين قلبوا كل حجر في القدس بحثًا عن شيء يدل على وجود تاريخي هناك، فشلوا في ذلك وكانت اعترافاتهم مغايرة لقصة الحق التاريخي تمامًا وهذا سيكون تفصيلاً في مقال لاحق.

لكن هذه القرارات والتشريعات التي تتساقط تباعًا فإنها بمجملها تؤدي الى نتيجة واحدة بات يؤكدها الفكر السياسي في إسرائيل كيمين قومي وديني يحكم قبضته على السلطات الثلاث في الدولة العبرية، وهي نهاية اتفاق أوسلو الذي قسم الضفة الغربية الى ثلاث مناطق تمهيدًا للتفاوض، وها هي إسرائيل تضم المستوطنات فيها ومنطقة ج على الأقل، ما يعني إنهاء عملية التسوية، بل ويتفاخر قادة ووزراء الحزب الحاكم علنًا دون رد فعل حتى من أوروبا التي دعمت المفاوضات ووضعت الرباعية ذات مرة شروطًا على الفلسطينيين وخاصة حركة حماس بالالتزام بمقررات التسوية، ولكنها تصمت الآن لأن الأمر يتعلق بالفلسطينيين الضعفاء، لكن حين يتعلق بإسرائيل فالسكوت من ذهب.

لكن والأهم عندما تعلن إسرائيل استنفارها السياسي وهجومها بهذا الشكل الغاشم فإن في الأمر ما يستدعي استفسارًا مقابلاً في الجانب الفلسطيني، وهذا لم يحدث حتى اللحظة فردود الفعل الفلسطينية على اجراءات إسرائيل التشريعية تبدو باهتة أشبه بتوصيف سياسي على نمط “هذا انهاء لحل الدولتين” دون اتخاذ اجراءات تتناسب مع شراسة الهجوم الذي بات واضحًا أنه جزء من معركة سياسية تسعى إسرائيل لحسمها بسرعة شديدة.

الحقيقة أن القرارات الإسرائيلية تضع الفلسطينيين في مأزق أو بالأصح تعيد تظهير المأزق الفلسطيني الذي تضيق خياراته أكثر مع استمرار الحالة القائمة، فقبول الوضع كما هو عليه يعني القبول بسلطة تحت الاحتلال على نمط الحكم الذاتي لإدارة الفلسطينيين بعيدًا عن سيادة الأرض وغيرها، ورفض الوضع يعني الشروع في حل السلطة الوطنية، وفي هذا خيار مدعاة للتفكير ان كانت اسرائيل تريد ذلك أم لا بعد قرار ضم الضفة، والأخطر أن الفلسطينيين وقعوا منذ اتفاق أوسلو في كمين أنه تمت هندسة المجتمع الفلسطيني وفقًا لمنظومة الاتفاقيات مع اسرائيل، وبالتالي يصبح خيار حل السلطة أشبه بعملية جراحية معقدة غير مضمونة العواقب الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.

الأسوأ من محدودية الخيارات هو غياب الفكر الجمعي الفلسطيني وغياب الفكر السياسي الذي توكل اليه مهمة اجتراح الحلول عندما تختنق السياسة، لأن القطيعة بين حالة السياسة العشوائية ومراكز الفكر والمفكرين هي قطيعة تامة تاركة للسياسي أن يمارس تجربة الخطأ والصواب في معمل ينزف دمًا وأرضًا ، الهجوم الاسرائيلي سريع والسياسة الفلسطينية متثاقلة وتلك المعادلة هي الأخطر وطنيًا..!!!