صحافة الجوال تمطر الفضاء الأزرق بالكلمات والصور والفيديوهات التي تخطف القلوب قبل العقول
بقلم: شريف الهركلي
صحافة الجوال تمطر الفضاء الأزرق بالكلمات والصور والفيديوهات التي تخطف القلوب قبل العقول
الكوفية الصحافة مهنة المتاعب والمغامرات، عشقٌ يسكن قلوب ملايين الشباب، يحملون عرش صاحبة الجلالة على أقلامهم وهواتفهم، ويؤمنون أن الصحافة رسالة قبل أن تكون وظيفة، ووعيٌ قبل أن تكون شهادة.
هي هواية تتوّجها ملكة فكرية، قبل أن تتحوّل إلى مهنة تُمارس في الميدان.
لم يعد الانتماء إلى الصحافة حكرًا على الحاصلين على الشهادات الأكاديمية، فقد كسرت صحافة الجوال الحواجز، وانتشرت في فضاءات التواصل الاجتماعي، حيث الصوت رعد، والصورة وميض برق، والفيديو لحظة مكثّفة تخطف الأبصار وتصنع “ترندًا” قادمًا، يكون بطله في الغالب صحفيًا مجهولًا يعمل بصمت، ويصل صداه إلى العالم.
إن صناعة جيش من الصحفيين والمراسلين باتت اليوم ممكنة، بل وسهلة، إذا ما أُحسن التعامل معها بذكاء. فالرواية الفلسطينية بحاجة ماسّة إلى من يُنعشها، لا عبر الكاميرات الثقيلة وحدها، بل عبر الهواتف الصغيرة التي تسبق الحدث بخطوة.
التحدي الحقيقي لا يكمن في امتلاك الهاتف، بل في امتلاك الفكرة، والقدرة على الوصول إلى مفاتيح العقول قبل لوحات المفاتيح.
ويبقى السؤال المشروع:
هل لصحافة الجوال مكانة حقيقية داخل نقابات الصحفيين الموقّرة؟
أم أن الشروط المعقّدة، والروتين الثقيل، والطقوس الشكلية، ما زالت تقف حاجزًا أمام صحفي لم تُسعفه الظروف للتعلّم الأكاديمي، في الوقت الذي تُفتح فيه المنصات أحيانًا أمام محتوى يفتقر إلى القيمة والمعنى؟
من هنا، تبرز الحاجة الملحّة إلى اعتماد بند واضح داخل النقابات الصحفية، يتّسع لقبول الصحفيين الهواة العاملين عبر تطبيقات التواصل الاجتماعي، وإطلاق برامج تدريب وتأهيل مهني، تصنع صحافة الغد، وتمنح صحافة الجوال إطارًا أخلاقيًا ومهنيًا منضبطًا.
فالقوة اليوم في السرعة، والانتشار، والقدرة على الوصول، ونحن أمام جيش إلكتروني حاضر في كل بيت، يمكن استثماره بذكاء لصناعة محتوى جديد ومؤثر.
في ظل التقدّم التكنولوجي المتسارع، باتت الأدوات الرقمية تقدّم كل شيء بسهولة، لكن الأهم يبقى: كيف نُحسن استخدامها؟
فالتقنيات، مهما تطوّرت، يجب أن تكون خادمة للصحفي لا مسيطرة عليه، أشبه ببوفيه مفتوح يختار منه ما يخدم رسالته الإعلامية.
خلاصة القول:
صحافة الجوال منجم ذهب، لكنها تحتاج إلى منقّبين محترفين، يعرفون جغرافية الحدث، ويجيدون التنقيب في التفاصيل، كأن عيونهم أجهزة استشعار تكشف الحقيقة وسط الركام.
لم تعد عبارة “عين على الحدث” كافية، بل نحن أمام عيون تسبق الحدث بسرعة البرق، تظهر فجأة، وتختفي بعد أن تؤدي دورها، كأن أصحابها ارتدوا طاقية الإخفاء.
أنت الصحفي…
وأنت مراسلنا في كل مكان:
في الشارع، في السوق، وعلى شرفة منزلك.
اهتم بالكلمة، بالصورة، وباللقطة؛ فبها يُصنع التأثير، ويولد ترند يحمل رسالة لا ضجيجًا.
وفي ظل منع الوكالات الصحفية من التغطية الإعلامية في قطاع غزة، تملأ صحافة الجوال فراغًا مهنيًا وإنسانيًا، وتبقى شاهدًا حيًا، وذاكرة بصرية، وصوتًا لا يمكن إسكاته.