نشر بتاريخ: 2020/10/31 ( آخر تحديث: 2020/10/31 الساعة: 08:02 )
بقلم: الوف بن

القُصاصة المنسية: ماذا كتب رابين عن عرفات؟!

نشر بتاريخ: 2020/10/31 (آخر تحديث: 2020/10/31 الساعة: 08:02)

حدث هذا في خريف 1993 بعد بضعة أسابيع من حفل التوقيع على اتفاقات أوسلو في البيت الابيض والمصافحة التاريخية بين رئيس حكومة إسرائيل، اسحق رابين، والرئيس الفلسطيني، ياسر عرفات، التي بشرت بـ»سلام الشجعان». رابين، الذي شغل أيضا منصب وزير الدفاع، ذهب لزيارة وحدة المستعربين «شمشون»، التي عملت في قطاع غزة. أجرى المقاتلون أمامه تمرينا، وبعد انتهائه جلس رابين والضباط الكبار في القطاع من أجل التشاور. وعندما ذهبوا في طريقهم تقدم الرقيب أول في الوحدة من قائد وحدة «شمشون»، طل شاؤول، وأعطاه قصاصة نسيت في غرفة الاجتماعات، كتب عليها عدة أسطر بخط اليد.

شاؤول، المعروف لدى الجمهور كشخصية «رامبو» في فيلم «عملية الجدة» الذي أنتجه شقيقه درور، نظر في الورقة واكتشف قنبلة. وهاكم ما كتب فيها: «قلت لديختر إنه منذ مصافحتي عرفات لا أتجرأ على حك مؤخرتي». هوية الكاتب لم تكن مشكوكا فيها. فقط أحد الحضور في القاعدة التقى عرفات، وكان هو رئيس الحكومة. ما العمل؟ اتصل شاؤول مع آفي ديختر، الذي كان في حينه رئيس المنطقة الجنوبية في «الشاباك»، وأبلغه عن الرسالة المكتوبة بخط رابين. عرف ديختر ماذا تعني. «كل اتفاق السلام على كتفيك، الآن»، قال للضابط الذي عرفه جيدا من العمليات المشتركة في قطاع غزة، «يجب عليك أن تقوم بإتلاف هذه البطاقة؛ لأنه إذا تم تسريبها فإن كل اتفاق السلام سينهار». امتثل شاؤول له، وقام بإحراق البطاقة. وفُقد الى الأبد التوثيق التاريخي لأفكار رابين عن شريكه في عملية السلام. انتقل ديختر منذ ذلك الحين الى جانب بنيامين نتنياهو، وربما أنه يندم، اليوم، على تفويت فرصة تدمير اتفاق اوسلو منذ البداية.

يعتبر رابين، الآن، يساريا متحمسا للتنازل عن «المناطق» واقامة دولة فلسطينية على أنقاض المستوطنات وحلم «ارض إسرائيل الكاملة». تخدم هذه الصورة الطرفين السياسيين: اليسار الذي يحتاج الى بطل واليمين الذي يحتاج الى خائن. ولكن هذا هراء. سعى رابين الى تعزيز مكانة إسرائيل الدولية بمساعدة صديقه رئيس الولايات المتحدة، بيل كلينتون، وطور تحالفاً مع الانظمة «المعتدلة» في المنطقة، مصر والأردن والمغرب وتونس وعُمان وقطر وتركيا قبل اردوغان، كقوة موازنة لقوة ايران. ولكنه كان بخيلا في اعادة «المناطق»، وخشي من الاتفاق مع سورية الذي كان سيضع جنود الاسد على شاطئ بحيرة طبرية. مع الفلسطينيين تقدم ببطء «لا توجد تواريخ مقدسة»، وفضّل إعطاء عرفات بادرة حسن نية رمزية مثل صفة «الرئيس» وشرطي على جسر اللنبي بدلا من مساحة جغرافية كبيرة أو تجميد واخلاء المستوطنات، التي كبرت في عهده.

في احدى المرات سنح لي مشاهدة لقاء بين رابين وعرفات، أنا وصديقي اودي سيغل (الذي كان في حينه في «صوت الجيش» والآن هو في «ريشت 13»). حصل الاثنان على جائزة ما في اسبانيا ووقفا في نهاية الاحتفال من اجل محادثة سياسية. كانت الحماية خفيفة كما هي العادة قبل قتل رابين، واستطعنا مشاهدة ما يحدث من وراء ستارة خفيفة. جلس رئيس حكومة إسرائيل وهو يحمل سيجارة وكأس ويسكي في يده وأمامه جلس زعيم الشعب الفلسطيني. تحدث رابين وتحدث وعرفات، الذي كان يكتب ويكتب في كراسة. كنا نمزح بأن رابين قال له «الآن، اكتب مئة مرة: أنا سأحارب الارهاب، بدون أخطاء». أوراق عرفات لم تبق موجودة، ومن غير الواضح ماذا كتب هناك. ولكن رابين لم يظهر صداقة أو إخوة تجاهه، وتعامل معه حتى يومه الأخير بتشكك. وشعر بصورة أكثر راحة مع الملك حسين، ملك الأردن، ومع الرئيس المصري، حسني مبارك.

الاتفاقات التي وقع عليها نتنياهو مع الامارات ومع البحرين تعكس ارث رابين اكثر بكثير من فك ارتباط ارئيل شارون مع غزة. ها هي دول عربية تقبل بإسرائيل كجارة مرغوب فيها وتعمل لصالحها في واشنطن، لا يجب أن تتحرك أي ذرة من الارض أو أي مستوطن من مكانهما مقابل ذلك. بالضبط مثلما في جولات رابين المنسية الى ملك المغرب أو الى المؤتمرات الاقتصادية الاقليمية التي بادر اليها شمعون بيريس في كازبلانكا وعمان. تم عقد المؤتمر الأخير قبل أربعة أيام من قتل رابين؛ وقد استغرق الامر 25 سنة من اجل أن تعود إسرائيل الى المسار الذي تم قطعه في حينه برصاص مسدس يغئال عمير.

 

«هآرتس».. عن الايام