نشر بتاريخ: 2020/12/06 ( آخر تحديث: 2020/12/06 الساعة: 07:48 )
حسن البطل

الغابسية

نشر بتاريخ: 2020/12/06 (آخر تحديث: 2020/12/06 الساعة: 07:48)

من رواية إلياس خوري «باب الشمس» دار الآداب - بيروت، الصادرة حديثاً، ص 023 - 123:

قال الرجل (اللاجئ الفلسطيني في مخيم برج البراجنة - لبنان)، إنه ذهب لزيارة عمه في قرية كفر ياسيف. الإجراءات بسيطة. العم أخذ له تصريحاً. سافر الى الأردن. قطع الجسر، ليجد نفسه أمام عمه وأولاد عمه .. الذين أخذوه الى كفر ياسيف.

قال: إنه زار فلسطين كلها لكنه حدثني عن الغابسية بالذات، قال: «بدأت أقبل الأرض ودموعي نازلة، ظلّيْت هيك شي خمس دقايق، بالآخر رفعت رأسي وقلتللو لعمّي بدّي أشوف بيتنا، قال لي بيتكم ما فيك تعرفوا. وقفنا بالساحة، بعرف إنّو بيتنا اتجاهه الى الغرب، وقفت بالساحة ومشيت الى الغرب، الحشيش كان حولي، وهمّ زارعين صنوبر حتى يضوعوا معالم المكان. قال لي عمّي ما تروح في أفاعي وعقارب. مشيت وسط العشب، وكانت البيوت كأنها مزروعة بقلب الحشيش الأخضر، وقفت قدّام بيتنا وما دخلتش، حجارة الحيطان بعدها في مكانها، السقف طاير والحشيش داخل البيت، وفي قلب الحيطان. كأن الحشيش عم يوكل الحيطان. سندت رأسي على الحيط، وحسيت أيد على كتفي، جفلت ورجعت لورا، لقيت عمي عم بقللي يللا، قلتللو هذا بيتنا، قال بعرف، قلتللو والله لازم نسكن فيه، قال ممنوع، حتى الزيارات ممنوعة، يللا امشي يا ابني، ومشينا، كان القريّس في ثيابي، ما بعرفش ليش نبت القريّس بهذا الشكل وسط البيوت، قلتللو لعمي إنه في إلنا حاكورة، وبدّي أروح عليها. أخذت اتجاه الشمال، ومشى هو بجانبي، قلتللو بشرفك يا عمي ما تدلّني، قال لي ماشي الحال. وصلت قدام بوابة حديد مصدّاية، تطلعت، حسيت أنه هذي، حاكورتنا إلها علامة، فيها تينة موازية شتوية. كوزها على شكل حبة نجاص. شفت التينة وقلتللو هذي حاكورتنا، قام عمي، ونقّى كوزتين، وكان موسم التين انتهى، وقال لي إلك نصيب من رزقك، أكلت كوز التين، بعدين نقّينا كم كوز صبر وأكلناهم، وقال لي يللا نرجع، قلتللو لا، في ثغرة بين حاكورتنا وحاكورة بيت حماد، كنت أتسلل منها وأسرق رمّان من عندهم. فتشت ولقيت الثغرة، تسللت منها، وما وجدت نفسي إلا قدام شجرة الرمان. وبلشت أحوّش. (..) كنت أحوّش وأسمع صوت عمي وهو يصيح ويقللي منين فتت، وأنا قلتللو من الخزق يللي في الحيط، مش شايف خزق يقول. (..). واحزروا شو صار معاي. أنا كمان ما عدتش لقيت الخزق، كأنه الحيط انسد بوجهي (..) ما بعرفش قدّيش مرق وقت، وبطلت اسمع دعساته وصوته اختفى. وأنا خفت، قلت أنا وحدي، وهلّق إذا إجوا اليهود، شو بدّي أقول. رميت الرمانات، خليت معي رمانة واحدة، حطيتها بجيب البالطو، وصرختلّو منلتقي عند الجامع» (..). قال إنه مشى كثيراً، لكنه ظل ينظر الى الوراء، فشجرة الرمان كانت علامته الوحيدة، وسط تلك المعالم التي اندثرت. عاد الى الشجرة، مشى ثلاث خطوات الى الوراء، ليجد نفسه أمام الثغرة، قفز منها فصار في حاكورتهم، ومن هناك عاد الى الجامع، ليجد عمه جالساً في انتظاره.

قال أحمد علي الجشّي، إن الغابسية على حالها. قال، إنها تنتظرنا.