نشر بتاريخ: 2020/12/07 ( آخر تحديث: 2020/12/07 الساعة: 07:43 )
حافظ البرغوثي

معركة تيغراي ظلت معزولة دولي

نشر بتاريخ: 2020/12/07 (آخر تحديث: 2020/12/07 الساعة: 07:43)

أغلق الرئيس الإثيوبي آبي أحمد باب الحوار مع الجبهة الشعبية في إقليم تيغراي منذ البدء، وحاول حسم الأزمة الداخلية عسكريا معلنا انتصار الجيش الإثيوبي على التمرد في الإقليم الذي كان شريكا في الحكم والنضال ضد الحكم الماركسي في إثيوبيا والإطاحة بالديكتاتور منغيستو. فالأزمة الإثيوبية كما يبدو مرشحة للدخول إلى تعقيدات جديدة بسبب غياب الحوار في بلد يعاني أزمة إقتصادية وتعدد الأعراق والقوميات والأديان بعدد سكان يقارب 115 مليونا.

وتستعد الجبهة التي كانت عمليا تحكم إثيوبيا على مدى ثلاثة عقود لشن حرب عصابات في منطقة جبلية وعرة تتيح لها الحدود المشتركة مع السودان وإريتريا حرية الحركة رغم الهزيمة العسكرية أمام الجيش الإثيوبي. وكان آبي أحمد قد نجح في تصفية عناصر الجبهة وإزاحتهم من مؤسسات الدولة في الحكم، ما أدى إلى شعورهم بالتهميش في ظل حكمه، بعد أن ظلت في السلطة لثلاثة عقود.

ويبدو دبرصيون جبر ميكائيل زعيم جبهة تحرير شعب تيغراي  غير مستعد للتنازل لآبي أحمد، ويقول: “نحن أصحاب مبادئ ومستعدون للموت دفاعا عن حقنا في إدارة منطقتنا”.. ويراهن دبرصيون على الالتفاف العرقي في الإقليم لبدء مرحلة جديدة من حرب العصابات، بعد أن اغتنم الفرصة خلال السنوات الماضية لتدريب عشرات الآلاف من عناصر الميليشا في الإقليم، بينما يمكن للجيش الإثيوبي أن يعتمد على عناصر من الميليشيات في الأقاليم الأخرى، حيث أن القانون الإثيوبي يسمح للحكومات الإقليمية بتشكيل ميليشيات محلية للحفاظ على الأمن الداخلي، لكن هذا المخرج ينبيء بصراع قومي داخلي، حيث توجد في إثيوبيا أكثر من عشر قوميات.

ولعل مشاركة قوات خاصة من إقليم أمهرة المجاور لتيغراي في القتال إلى جانب الجيش، يشير إلى صراع قومي داخلي قد يتجدد، لكن ميزان القوى يلعب لصالح الحكومة المركزية، لأن الجبهة في تيغراي لا تحظى بدعم خارجي، كما أن الجيش بدأ يسيطر على الحدود مع السودان، بينما تتخذ إريتريا موقفا مؤيدا للحكومة الإثيوبية، كما أن من غير المستبعد أن يدعم الكثيرون من التيغراي الحكومة المركزية، لأن عقودا من الحكم للجبهة الشعبية في أديس أبابا تميزت بالفساد.

الصراع في إثيوبيا لن ينتهي بسرعة إلا إذا جرى حوار بين الطرفين بطريقة أو بأخرى، لأن القرن الإفريقي يغص بالمنغصات الحدودية، ويمكن أن يشجع الصراع الداخلي في إثيوبيا صراعات حدودية عميقة خلفها الاستعمار الأجنبي بين دوله. فهناك مشكلة الأوغادين بين الصومال وإثيوبيا، التي تسببت في نشوب حربين عامي 1977 و1978. وكذلك الخلاف الصومالي الكيني على الحدود البحرية على منطقة غنية بحقول النفط والغاز، وتبلغ مساحتها نحو 142 ألف كيلو متر مربع. وبدأت الأزمة عام 1979، عندما أعلن الرئيس الكيني الأسبق دانييل موي تبعية المنطقة البحرية لكينيا، وفي عام 2009 قام البلدان بتوقيع مذكرة تفاهم، إلا أن البرلمان الصومالي نقضها عام 2011، معتبرًا أنها “أداة كينية لنهب مناطق بحرية صومالية”، و”تستغل الضعف الذي ظل يعاني  منه الصومال، والتنافس الإثيوبي الإريتري على الحدود، الذي فجر الحرب عام 1998، بسبب منطقة بادمبي قبل أن يحل السلام بين البلدين أخيراً. وكذلك، الخلافات البحرية بين إريتريا وجيبوتي، والخلاف الإريتري اليمني في السابق على جزر حنيش، التي آلت أخيرًا إلى اليمن عبر حكم من المحكمة الدولية في لاهاي. والخلاف الحدودي بين السودان وجنوب السودان على منطقة أبيي الغنية بالنفط، بالإضافة إلى قضية مياه النيل، ولا يزال الكثير من هذه القضايا عالقاً ليمثل توتراً مستمراً في العلاقات بين دول المنطقة والتحالفات، وفي انعكاسها على قضايا أخرى في القرن الأفريقي.

تُشير الدراسات إلى أن البُعد الحيوي المؤثر سياسياً وثقافياً على منطقة القرن الأفريقي، تشكله دول كمصر والسعودية واليمن ودول الخليج العربي. لكن برزت في السنوات الأخيرة تحركات قوى عظمى كالصين أكبر مستثمر في أفريقيا، تليها روسيا ثم أوروبا بعد الانسحاب الأمريكي الخجول من إفريقيا في عهد ترامب. ومع كثرة الألغام في العلاقات بين دول القرن الأفريقي إلا أن هناك على ما يبدو توافقا حول التهدئة حاليا، لذا ظهرت معركة تيغراي كمعركة معزولة لم تتجاوز حدودها.