"أبو عمار" ..ذكري استشهاد أليمة نقشت كي لاتُنسي
نشر بتاريخ: 2018/11/11 (آخر تحديث: 2025/12/17 الساعة: 15:27)

خاص|| لخص القضية الفلسطينية في كلمات وجيزة، فقال: "إن القضية ليست قضية "أبو عمار" إنما قضية حياة الوطن واستقلاله، وكرامة هذا الشعب، وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، لن ننحني إلا لله سبحانه وتعالى، كما لن ننحني أمام التهديد والوعيد، فحياتي ليست أغلى من حياة أي طفل فلسطيني، فكلنا فداء للوطن الغالي فلسطين".

وقال مؤمنًا بالنصر وكأنه يراه رؤيا العين: "سيأتي يومًا ويرفع فيه شبل من أشبالنا، وزهرة من زهراتنا، علم فلسطين فوق كنائس القدس، ومآذن القدس، و أسوار القدس الشريف".

رمز من رموز النضال الفلسطيني من أجل الاستقلال، سياسي بارز، وقائد محنك، عرِف بلقب "أبو عمار"، إنه ياسر عرفات، رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية المنتخب، القائد العام لحركة فتح، عاش عقودًا من النضال والمقاومة ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي، واهبًاعمره كله في سبيل تحرير وطنه، فسطَّر التاريخ كفاحه بحروفٍ من نور.

صادف اليوم، الذكرى السنوية الرابعة عشر لاستشهاد القائد الفلسطيني ورمز الثورة والنضال الوطني الفلسطيني، بكوفيته وزيّه العسكري ومسدسه الذي لم ينزعه عن خاصرته، الشهيد  "أبو عمار".

فقد رحل المناضل والقائد الكبير  في الحادي عشر من تشرين الثاني/نوفمبر 2004، بعد أن رسخ نهجا ثوريا صلبا.

وبرز حضور عرفات ومواقفة المؤثرة على مختلف مراحل النضال الوطني منذ انطلاقة الثورة المعاصرة من حنكة وثورية، وإرادة وصمود أمام كل التحديات، إذ أنه حوّل الكثير من الانتكاسات إلى انتصارات سجلها التاريخ.

- مولده ونشأته

ولد في القاهرة في 24 أغسطس/آب 1929، وهو الابن السادس لأب كان يعمل في التجارة هاجر إلى القاهرة عام 1927 وعاش في حي السكاكيني.

عندما توفيت والدته وهو في الرابعة من عمره أرسله والده إلى القدس، وهناك بدأ وعيه يتفتح على أحداث ثورة 1936.

تزوج ياسر عرفات في سن متأخرة من السيدة سهى الطويل، وأنجب منها بنتا واحدة.

الدراسة والتكوين

في عام 1937 عاد مرة أخرى إلى القاهرة ليعيش مع عائلته، ثم التحق بكلية الهندسة في جامعة الملك فؤاد (القاهرة حاليا) حيث تخصص في دراسة الهندسة المدنية وتخرج فيها عام 1951، وعمل بعدها في إحدى الشركات المصرية.

وخلال فترة دراسته كوّن رابطة الخريجين الفلسطينيين التي كانت محط اهتمام كبير من قبل وسائل الإعلام المصرية آنذاك، واشترك إلى جانب الجيش المصري في صد العدوان الثلاثي عام 1956.

الوظائف والمسؤوليات

انتخب المجلس الوطني الفلسطيني عام 1969 ياسر عرفات رئيسا للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية (تأسست عام 1964) خلفا ليحيى حمودة، وبدأ مرحلة جديدة في حياته منذ ذلك الحين.

التوجه الفكري

ينتمي ياسر عرفات إلى جيل القوميين العرب الذي ظهر في الخمسينيات ولعب أدوارا مهمة في الستينيات والسبعينيات.

وقد بدأ حياته في خنادق المقاومة للاحتلال الإسرائيلي ثم غير خطه الفكري بعد أن آمن بفكرة المفاوضات والتوصل إلى الحق الفلسطيني عبر الحوار من خلال عملية السلام، فأسفرت فترة التسعينيات عن اتفاقية أوسلو وإنشاء سلطة فلسطينية في بعض مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة.

وفي سبتمبر/أيلول 2001 اندلعت انتفاضة الأقصى على إثر زيارة أرييل شارون للمسجد الأقصى وحالة اليأس والإحباط التي عمت الشارع الفلسطيني من المفاوضات التي لم تحقق له حلم الدولة الفلسطينية واستعادة الأراضي المحتلة وعودة اللاجئين.

وبدأ ياسر عرفات في أوائل عام 2002 مساندا للانتفاضة رغم تصريحاته المتكررة بإدانة العمليات التي تستهدف المدنيين من كلا الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.

- كفاحه ونضاله

تطوَّع "عرفات" في إحدى فرق الإخوان المسلمين المسلحة التي سافرت إلى غزة لتحارب اليهود هناك بعد إعلان قيام دولة إسرائيل، وبعد حل تلك المجموعات المسلحة عاد إلى مصر، وبعد فترة من سفره إلى الكويت أسس مع خليل الوزير وصلاح خلف وخالد الحسن وفاروق القدومي، حركة "فتح"، وهي اختصار لكلمات "حركة تحرير فلسطين" بشكل مقلوب، وكان ذلك في الفترة بين عامي 1958-1960، وقد أدرك "عرفات" ضرورة إكساب هذه الحركة الصفة الشرعية بين قيادات الدول العربية؛ فاتصل بالقيادات العربية للاعتراف بها ودعمها، وقد نجح في القيام بذلك، وفى عام 1963، اعترفت الدول العربية بأن منظمة التحرير الفلسطينية؛ هي الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني، واعتبر مجلس جامعة الدول العربية أن رئيس المنظمة مُمثلًا للفلسطينيين لدى جامعة الدول، ومن هنا بدأ يمارس عبر حركة فتح نشاطًا دبلوماسيًا، وفي 1 يناير 1965 بدأت العمليات المسلحة لحركة "فتح"، حيث تمت محاولة تفجير نفق "عيلبون".

"شارون يريد قتلي؟!! مسدسي جاهز! لا ريب أن قرار الحكومة الإسرائيلية كان بلا أي منطق أو عقل؛ فقد اعترف شارون نفسه أنه حاول قتلي 17 مرّة في بيروت، ولكن ها أنا هنا أجلس والمسدس إلى جانبي، متى لم أكن جاهزًا؟!! أنتم لا تعروفنني؟!!"

وبعد هزيمة 1967 برز اسم الزعيم الفلسطيني "ياسر عرفات" بكل قوة حينما قاد بعض العمليات الفدائية ضد إسرائيل عقب العدوان انطلاقًا من الأراضي الأردنية، وباجتماع المجلس الوطني الفلسطيني المنعقد في القاهرة، في 3 فبراير عام 1969، تولى ياسر عرفات رئاسة المجلس التنفيذي لمنظمة التحرير الفلسطينية، وذلك خلفًا لـ"يحيى حمودة" الرئيس السابق للمنظمة، وأصبح بذلك القائد الأعلى لمنظمة التحرير الفلسطينية، كما وافق المجلس المركزي الفلسطيني على تكليف ياسر عرفات برئاسة الدولة الفلسطينية المستقلة، في 1 أبريل من عام 1989، ومن وقتها لم يتوقف كفاحه ونضاله الوطني بعد تقلده أرفع منصب سياسي حتى وفاته.

"إن هذا الشعب شعب الجبارين، شعب الشهيد فارس عودة، شعب الجبارين لا ينحني إلا لله.

- وفاته

عقب عدة عمليات فدائية فلسطينية أسفرت عن مقتل الكثير من الإسرائيليين، قامت إسرائيل بمنع "عرفات" من مغادرة رام الله، فارضة عليه حصارًا شديدًا، وقد ظهرت أولى علامات تدهور حالته الصحية في الثلاثاء 12 أكتوبر 2004، وقد ظهر "عرفات" عبر شاشة التلفاز مصحوبًا بطاقمٍ طبي وبدت عليه معالم المرض.

 وقد أطلق عبارته الشهيرة متحديًا سلطات الاحتلال: "يريدونني أسيرًا، أو طريدًا، أو قتيلًا، وأنا أقول لا، بل شهيدًا.. شهيدًا.. شهيدًا"، وفي تطور مفاجئ، أعلن التليفزيون الإسرائيلي في 4 نوفمبر 2004، نبأ موت الرئيس "عرفات" سريريًا، وأن أجهزة "عرفات" الحيوية تعمل عن طريق الأجهزة الإلكترونية لا عن طريق الدماغ، وبعد مرور عدة أيامٍ بين النفي والتأكيد من مختلف وسائل الإعلام، تم الإعلان الرسمي عن وفاته من قبل السلطة الفلسطينية في 11 نوفمبر 2004، ودفن في مبنى المقاطعة في مدينة رام الله، بعد أن تم تشييع جثمانه في مدينة القاهرة، وذلك بعد الرفض الشديد من الحكومة الإسرائيلية دفن "عرفات" في مدينة القدس، كما كانت هي رغبة الراحل قبل وفاته.

كلمات لا يهزمها النسيان

هل هناك أحد في فلسطين لا يتمنى الشهادة , كلنا مشاريع شهادة , فالقصف الإسرائيلي متواصل من الطائرات والمدفعيات والصواريخ , و يوميا يسقط شهداء , كل يوم نسمع عن شهيد.

ليس فينا وليس منا وليس بيننا من يفرط بذرة من تراب القدس الشريف

لقد جئت حاملاً غصن الزيتون في يد وفي الأخرى بندقية الثائر فلا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي

أنتم يا شعبي في الشتات والمخيمات ,ليس من حق أحد أن يتنازل عن حقكم في العودة إلى دياركم.

نعم يا إخوتي يا أحبتي , إنني من هذا الحصار لشعبنا ولي شخصياً وهذه المحاولات الإسرائيلية التي تحاول أن تركع شعبنا فإنني أقول , بإسمكم لبنانيين وفلسطينيين وعرب إننا لن نركع إلا لله تعالى.

في مقابلة مع إذاعة رويترز , وهو يشير إلى سلاحه داخل مكتبه في رام الله : أنا جندي فلسطيني وقبلها كنت ضابط احتياط في الجيش المصري , وأنا لا أدافع عن نفسي فقط , بل وأيضا عن كل شبل وطفل و إمرأة ورجل فلسطيني وعن القرار الفلسطيني.

"إنّ حياتي ليست هي القضية؛ بل حياة الوطن والقدس مسرى الرسول ومهد المسيح، هذه هي القضية الكبرى التي قدَّم الشعب الفلسطيني من أجلها التضحيات، قدم التضحيات من أجل عودة الأرض والمقدسات".

الآن وبعد مرور 14 عاماً على استشهاد  القائد الراحل "أبو عمار" ما أحوجنا إلى أن نتذكر هذه الكلمات الخالدة التي علقت في أذهاننا ولاتزال.

14 عاما غيب الموت واحدا من أهم زعماء العالم وأحد أهم رموز القضية الفلسطينية خلال الخمسة عقود الماضية في صراعها مع إسرائيل، بل وحتى بعد وفاته لازالت سيرته تترك آثرا قويا على الساحة.