هو أسلوبهم في الإعلان عن حريتهم، بل حريّة وطن وعالم، لم نعلم بماذا كنتم تفكرون وأنتم تحفرون أرض السجّان المغتصب، لتخرجوا لأرض فلسطين، تحفرون نفقا لا يحمل من مفهوم النفق الذي تعرفه البشرية سوى شكله الخارجي، لأن نفقكم مختلف بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، لكن ما يمكننا تأكيده وحسمه أنه أسلوبكم في الإعلان عن الحرية رغم أنف اسرائيل، والكشف عن هشاشة مؤسستها العسكرية والأمنية.
هم ستة أسرى، صنعوا من ثقب صغير عالما جديدا مختلفا عن كلّ ما في أذهاننا جميعا عن الحرية والجرأة والنضال، وحتى عن موروث بأن اسرائيل تملك أقوى منظومة عسكرية في العالم، من هذا الثقب أضاءوا فكرنا ورؤانا تجاه الكثير من التفاصيل، التي تجعلنا أكثر أملا بأن فلسطين باقية وحرية أراضيها قادمة مهما طالت ساعات الزمن التي اختارتها البشرية لقياس وقتها، ومهما قصرت، فمواعيد الفلسطينيين تختلف عن البشرية، ومفاهيم تغيب بها كل مفاهيمنا الحياتية، فمن ثقب اتسع فقط لأجسادهم المنهكة من سنين الأسر، أناروا عالمنا بحقائق هامة وبمعنويات وصلت حدّ السماء.
قدّمتم للعالم دروسا لا تحصى، بعيدا عن الكتب والدراسة وبعيدا حتى عن الأبواق البشرية التي تستعرض مفاهيم الحرية، قدّمتم وعدا للبشرية في كل بقاع الأرض بنصر قريب وأقصى محرر وفلسطين فلسطينية عربية، ففي ملعقة صغيرة ثبتم ثقبا في جدار أمن اسرائيل أفقدهم ثقتهم بأنفسهم ومؤسساتهم، وجعلهم يبدون مسخا أمام أنفسهم وأمام العالم، فلم تكونوا ستة أسرى بل كنتم ستة فلسطينيين، فلسطينيين من تكرههم اسرائيل وتخافهم حدّ الجريمة!!!
لا يمكني القول إن اعادة أسركم لم توجعنا، ولا يمكننا «ويمكنني» تجاوز صوركم بالأمس وانتم تبتسمون ليد الاحتلال وهي تعيد أسركم، لن استطيع تجاوز وجع قلوبنا بذلك، لكنكم الأبطال الذين دوّنتم تاريخ أمة خلال الأيام والساعات الماضية، أسركم قهرنا وقهرني حدّ الوجع والصراخ بألم على أنفسنا وشخصياتنا التي لا تقوى أن تكون لكم جنودا مجنّدة ولو بالنزر اليسير من المؤازرة، فكم هو بشع الشعور بصغر أحجامنا، أمام عملقة نضالكم، هو قهر يخالطه وجع العجز حتى عن تكسير مرايانا حتى لا نرى صغر أحجامنا، فأنتم ستة فلسطينيين تعيدون بملعقة كتابة التاريخ.
لا أحبّ اللجوء لكتابة واقعكم بمفردات عاطفية أو استعراض لأي بلاغة لغوية، لكنه ضعفي في التعبير عن ما في داخلي وداخل أمة لما شاهدناه من عظمة نضالكم، وتعبيري لأقول لكم شكرا وأنتم تصنعون عالما جديدا بملعقة، بعيدا عن كل تكنولوجيا عالمنا التي لا تقود سوى لإلهاء العقول، وتحنيطها في صناديق مزخرفة تبهرنا سطحيتها فعمقها هشّ، ففي ملعقة كسرتم مؤسسة عسكرية ظنّ العالم أنها الأقوى، لتجعلوها الأضعف، رغما عنّي ألجأ لأسلوب هو الأضعف في التعبير لكنها وسيلتي الوحيدة لأقول لستم ستة أشخاص بل ستة فلسطينيين وفي فلسطين فقط تختلف البشرية.
انتصرتم وإن عدتم لزنازين الاحتلال، وفي نصركم حياة لنا جميعا، انتصرتم رغم أنف اسرائيل، مهما حاولت اقناع العالم بقوّتها الهشة التي تتحطم جزئيا على صخور نضالكم وعنادكم في حبّ فلسطين، انتصرتم وإن غابت الشمس من جديد عن يومكم، انتصرتم فهو أسلوبكم في الحياة والحرية، نعم انتصرتم، رغم كلّ محاولات اسرائيل تشويه عظمة ما قمتم به وتشويه صورة فلسطين كاملة بأن جعلت من دالتها إليكم فلسطينيا وهو كذب وافتراء، انتصرتم ستة فلسطينيين جاعلين من هذا الرقم تاريخا يدوّن بكرامة وطن وحرية ونضال.
الدستور الأردنية