لو لم يكن وعد بلفور
نشر بتاريخ: 2021/11/05 (آخر تحديث: 2025/12/17 الساعة: 21:14)

هذا السؤال الافتراضي والتخيلى يوضح كم كان لهذا الوعد من نتائج ليس فقط على مستوى الشعب الفلسطيني والثمن الذى دفعه وما زال حتى الآن من معاناة سياسيه بسبب الاحتلال وممارسات السياسة العنصرية التي تمارسها إسرائيل على شعب كامل تجاوز عدد سكانه الخمسة عشر مليونا نصفهم مشردين ويعيشون في المخيمات في اكثر من دوله عربيه.

هذا الوعد لم يكن مجر وعد لفظي بل هو تعبير عن سياسه وقرار للدولة التي تحكمت في مصير كثير من الدول في العالم الإمبراطورية البريطانية. فهو وعد لدولة جاء على لسان وزير خارجيتها ، ومن هذا المنظور هو سياسه وبرنامج عمل عملت بريطانيا على تنفيذها. والوعد جاء بعد المؤتمر الصهيوني الأول 1897 والذى نص على قيام وطن قومى يهودى في فلسطين.

ولذلك الوعد هدفه كما جاء في نصه تحقيق هذا الهدف. والسؤال كيف ؟ ولماذا بريطانيا؟وقبل الولوج في الإجابة ، فالوعد جاء إستجابة أيضا لحل المسألة اليهودية على حساب الشعب الفلسطيني بدلا من تحمل حلها بريطانيا وأوروبيا، وثانيا الهدف الربط بين العلاقات التحالفية بين الاستعمار والحركة الصهيونية ، فالهدف إقامة دولة في المنطقة تحول دون قيام دولة عربيه قويه في أهم منطقه جيوسياسيه في العالم. فالهدف إبقاء هذه المنطقة ضعيفة ومفككه لما تملكه من مصادر قوة استراتيجية متعدده.

والوعد جاء قبل إتفاقات سايكس بيكو وقيام الحرب الكونية الأولى وقيام عصبة ألأمم وإعتماد نظام الإنتداب ، والملاحظة ألأخرى ان هذا الوعد جاء بدعم أمريكي كامل.ولو نظرنا اليوم إلى كل مشاكل المنطقة ، وكل الحروب التي شهدتها المنطقة بسبب قيام إسرائيل وتشريد الشعب الفلسطيني ، ما كان يمكن ان تقوم أو تحدث. فهذا الوعد هو السبب لما آلت اليه كل التطورات التي شهدتها وتشهدها المنطقة اليوم وحتى على مستوى العلاقات الدولية والصراع بين الولايات المتحدة والإتحاد السوفيتي سابقا, والسبب حتى لما تعيشه المنطقة من حروب داخليه وصراعات إقليميه.

ولولم يكن الوعد لصارت ألأمور على النحو التالي او السيناريو الذى كان متوقعا, فوفقا لنظام الانتداب وضعت فلسطين وعمدا تحت الإنتداب البريطاني ، وصنفت فلسطين منطقة أ. ولو تحقق هذا السيناريو لقامت فلسطين الدولة المستقلة الواحدة والتي تحتضن اليهود والفلسطينيين في كنف دوله واحده.

بعبارة أخرى ما كانت قامت إسرائيل كدوله ، لكن لحلت المسألة اليهودية في سياق الدولة العلمانية الديموقراطية الواحدة، وما كان ترتب على ذلك نشؤ القضية الفلسطينية وبداية الصراع مع أول حرب عربيه إسرائيلية وتشريد أكثر من 750 ألف فلسطيني لتنشأ مشكلة اللاجئين الفلسطينيين.

وما ترتب بعدها من أكثر من حرب ، وما زال الصراع محتدما، وتم إنقاذ مئات الآلاف من الضحايا المدنيين الأبرياء. وتم توفير مليارات الدولارات التي لو أنفقت في البناء والتنمية لحلت كثير من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية, ولكان لدينا نموذج الدولة الواحدة التي تقدم نموذجا للتسامح والتعايش. بدلا من ذلك وتناقضا مع أهداف نظام الإنتداب تم تنفيذ وعد بلفور وفق سياسه ورؤية مخطط لها ومدروسة فتم فتح أبواب فلسطين أمام الهجرة اليهودية، وتم تسهيل نقل الأراضي الفلسطينية للمؤسسات الصهيونية وتم إفشال جميع الحلول التي طرحت في العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي، وتم إجهاض الحركة الوطنية الفلسطينية ، وللعلم الفلسطينيون لم يرفضوا التواجد اليهودي بل رحبوا به، فكما رأينا في الهجرة ألأولى لم تكن عناك خلافات ولا صراعات ، بل تم ذلك مع الهجرة الثانية وما تلاها لما أرتبطت به من اهداف ونوايا إحتلاليه. لتنتهي الأمور بعرض القضية على الأمم المتحدة عام 1948 وصدور قرار التقسيم الذى قسم فلسطين لثلاث مناطق واحده يهودية بمساحة تقارب الخمسة والخمسين من مساحة فلسطين ومنطقه او دوله عربيه بمساحة تقارب ال الأربعة واربعين والقدس تحت الوصاية والإشراف الدولى .

ولم تكتفى إسرائيل بذلك فتحت ذريعة الرفض العربي كانت الحرب ألأولى والتي كانت بداية لنشأة القضية والصراع العربي الإسرائيلي .كل هذا التطورات سببها وعد بلفور، ولم تتوقف الأمور عند هذا الحد بل إن الصراع أٌلإيمى الذى نرى صوره اليوم بين إيران وإسرائيل ، والتغلغل الإسرائيلي في المنطقة كله نتاج هذا الوعد الذى أعاد رسم الخارطة السياسية لكل المنطقة لعقود قادمه.

والحل الوحيد لتجاوز هذا الوعد وتقع المسؤولية ألأولى على بريطانيا وأوروبا والولايات المتحدة بقيام الدولة الفلسطينية الديموقراطية والعمل على خلق نموذج للتعايش والتسامح بين الشعبين الفلسطيني واليهودي في إطار من الكونفدرالية او الفيدرالية والمشاريع المشتركة وبتوسيع مقاربة الحقوق الفلسطينية وهذا لن يتنم إلا بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وفى إطار من السلام العربي الشامل الذى يقع في قلبه قيام الدولة الفلسطينية الديموقراطية والبحث عن المستقبل بالسيناريو الذى كان يمكن ان يتحقق بدون وعد بلفور.