صباح الخير يا ميلاد.. أيتها النطفة المحررة
نشر بتاريخ: 2021/12/13 (آخر تحديث: 2025/12/16 الساعة: 18:56)

صباح الخير يا ميلاد، يا أجمل بنات فلسطين، فالجمال عبادة عندما تصبح الحياة أقوى من كل أشكال الإبادة.

صباح الخير يا ميلاد، أيها النطفة المحررة، أيتها القنبلة الإنسانية التي انفجرت في وجه دولة إسرائيل، لم يتوقع جنرالات الحرب أن تتحرري من ضلوع أبيك وليد دقة، المحشور والمأسور منذ 37 عاما، هناك حبل سري بين السجن والحب والولادة.

صباح الخير يا ميلاد، أيتها الطفلة المولودة من الروح المتمردة، المحمولة بالأمنيات، الملقحة بماء السماء، تكسرين الأغلال، يتحرر زمن السجن القاسي، أنت ابنة الغد، السلام والنهر والطائر المولود من ظلمة وقطعة من برق وقمر.

صباح الخير يا ميلاد، صباح الخير يا أطفال النطف المحررة، أيتها المعجزات الفلسطينيات المحكمات المنزلات من غيب وظلام وسماء ومطر، من فوق السياج، من تحت الإسمنت، من شعب عظيم يصنع مصيره بنطفة وحجر.

ها أنت تكبرين يا ميلاد، اقترب عمرك من العامين، شهادة ميلادك مسجلة في تلك الملحمة التي يخوضها أبوك وآلاف الأسرى، اسمك محفور بالماء والنار والملح والإرادة، لست بحاجة أن تسجلك وزارة الداخلية الإسرائيلية، لست بحاجة إلى اعتراف منهم، فالحرية سيادة.

صباح الخير يا ميلاد، أنت المشهد الأخير الذي عبر قوس النصر تحت شمس فلسطين، ولست ذلك المشهد المشوه في فيلم «أميرة» والذي تماشى مع الرواية الصهيونية في حربها على الأسرى وهم يجترحون إعجازاتهم البطولية.

البطلة أنت يا ميلاد، بيان الشرعية النضالية والمقاومة، أنت اللحم والدم والكلمات التي تبني بيتا وعائلة، تزرع وردا وتبتسم للحياة القادمة.

صباح الخير يا ميلاد، أيتها النطفة المحررة الخصيبة، دولة إسرائيل دولة عاقر، تلملم وجودها من شظايانا وجثثنا، تقتلنا وتسفك دمنا لتنجب دولة فاشية طاغية.

ها أنت تكبرين يا ميلاد، الشجرة تنمو وتثمر، ها أنت تركضين وتقرأين وتحفظين الأسماء، ما أجملك، تحررين أقدم أسير في التاريخ وهو المستقبل، تخلقين عمرا آخر لوالدك وأمك، بينما الإسرائيليون تتراجع أعمارهم كلما رأوك من فوهة بندقية.

من أين جئت يا ميلاد؟ من فتحة باب مصفح في سجن جلبوع، من فكرة في نهر والنهر يجري، نطفة في حياة، والحياة أوسع من سجن هدمته معلقة.

ميلاد تجاوزت التفتيشات، قفزت الأسوار، لم ترها أبراج المراقبة وأعين الحراس، حملت في فمها مفرداتها الأولى وكلمات أبيها الدافئة، عشرون إصبعا وسيلا من الحليب يصب في جسد الرضيعة الصغيرة.

سبحان الذي أخرج الحي من الميت والميت من الحي، وأعلن أن الجلاد الإسرائيلي لم يتنصر على إرادة الأسرى، هناك سر للزيت وللطيف وللسيف، هناك خصوبة في الحديد، رائحة نعنع في حبات الملح، هناك نور وإيمان وسرير لأطفالنا القادمين.

ميلاد وكل أطفال النطف المحررة تحولوا إلى وعد مبارك للصامدين والمرابطين، أسقطوا برنامج الوقت في زمن المؤبد، مزقوا لائحة الاتهام، انتصرت براءتهم على لغة النار وجنون المحكمة.

صباح الخير يا ميلاد، يا جمرة الدم في جسد الشهيد، يا نشيد الحرية في روح الأسير، يا نهارا يطل من وراء الجدران العالية، يا خلية فدائية تشكل أعضاءها وبرنامجها في لقاء حب بين البعيد والقريب، حكايتنا تستعيد فصولها وتنسف بنطفة دبابة المستعمرين.

صباح الخير يا ميلاد، أنت الحقيقي والحقيقي لا يموت، لست بحاجة إلى فيلم وكاميرا، لست بحاجة إلى جدل ونقاش وأسئلة، اسمك واضح: ميلاد وليد دقة، وأمك اسمها سناء، تسكنين قرية باقة الغربية، مدينة الدوالي والآلهة، أعطاك البحر المتوسط قوة الموج والذاكرة.

صباح الخير يا ميلاد، أنت طفلة ولكنك تداهمين وتحاصرين تل أبيب، الحكومة والجيش والأمن والبرلمان والاستخبارات وعصابات المستوطنين، حالة استنفار في صفوف المحتلين، أنت طفلة لكنك صرخة حي خرج من غياهب الموت والمقبرة، أنت طفلة لكنك هذه الرعشة والهزة والصحوة والثورة المقبلة.

أطفالنا ليسوا هؤلاء الفلاشا المشكوك في نسبهم اليهودي، ليسوا هؤلاء العابرين القادمين من كل جنس وعرق وطائفة ولغات مختلفة، لم يندمجوا في هوية وتاريخ وحضارة إنسانية، اندمجوا في المعسكرات والغزوات، اختلقوا لهم سردية وقومية، أطفالنا من صلبنا رائحة دمنا المتوقد وطين بلادنا الذي يعرفنا، انتماؤنا العميق إلى ملامحنا وتراثنا وإسمائنا العربية.

صباح الخير يا ميلاد، وأنت تعلنين أن يوم 13-8 من كل عام هو اليوم العالمي الإنساني لصنع الحياة من العدم، اليوم من العام 2012 الذي ولد فيه أول طفل فلسطيني بالنطف المهربة من داخل السجون وهو مهند ابن الأسير عمار الزبن، إنه يوم المعجزات الفلسطينية، تتكامل الأعضاء كلها: الأم والأب والشرف والكبرياء والحرية.

صباح الخير يا ميلاد، كنت الأقوى والأسبق في القرار وفي التكوين وفي الانبعاث من الرماد، وكان الإسرائيليون يعتقدون أن الجيوش والطائرات والحروب والسجون تصنع أمرا واقعا وتبني دولا وحضارات، لكنهم وجدوا أن عمرك أطول من عمرهم وأبقى، أنت ابنة الأحلام والذكريات والأجداد والأنبياء، ابنة هذه الأرض العصية على الخضوع والمساومات.

صباح الخير يا ميلاد، لنا زمن موازٍ، زمن الأسرى الآخر الذي لا يراه السجانون، قال وليد دقة وهو يزغرد فرحا عندما ولدت ابنته ميلاد بعد مخاض عسير، لنا قوتنا الروحية الداخلية الكفيلة بأن تهزم نظام السجن والسيطرة وتجريد الأسرى من إنسانيتهم، لنا قول آخر في هذا الصراع، لنا وثبة وقفزة ونكافة ونصر ترفعه ميلاد عاليا على علم وكوفية.