أي عام مضى وأي عام قادم..؟!
نشر بتاريخ: 2017/12/31 (آخر تحديث: 2025/12/16 الساعة: 09:03)

عام آخر ينقضي، لا يقفل آخر أيامه، إلا وقد ترك ندوبا عميقة على جلد القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني. هو عام مئوية وعد بلفور المشؤوم، الذي وضع حجر الأساس للمشروع الصهيوني الذي أنجبته القوى الاستعمارية القديمة، و رعته وكبرته وحمته الدولة الاستعمارية الأكبر والأقوى وهي الولايات المتحدة. وهو عام خمسينية حرب حزيران التي ألحقت الهزيمة بالجيوش العربية و أدت إلى احتلال ما تبقى من فلسطين وهي الضفة العربية بما فيها القدس وقطاع غزة بالإضافة إلى سيناء المصرية، والجولان السورية. في سنتها الأولى قررت الإدارة الأمريكية برئاسة دونالد ترامب أن تضيف بصمة قوية على جلد القضية الفلسطينية فتعلن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وتقرر نقل سفارتها إليها. إذا كان وعد بلفور قد شكل البداية، لتنفيذ المشروع الصهيوني بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، وتأمين كل عوامل النجاح له لكي يتكلل في خطوته الأولى بقيام دولة إسرائيل عام 1948، فإن وعد ترامب قد أقفل الطريق على إمكانية تحقيق سلام لإنهاء الصراع، من خلال مفاوضات تنتهي إلى دولة فلسطينية على الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967. وعد ترامب عمليا، يدفع الصراع إلى مربعه الأول، بما أنه موضوعيا صراع على كل الأرض والحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني. إذا كانت نهاية كل عام و بداية أخرى، تشكل مناسبة طبيعية بل ضرورية للأشخاص كما الأحزاب والجماعات لتقييم عام مضى، والتخطيط لعام قادم، فإن هذه العادة المحمودة لا محل لها في أجندات الفلسطينيين. الخوف من المراجعة النقدية، والاعتراف بالأخطاء من أجل الاستفادة منها، ومعالجتها في عام قادم، وربما المكابرة هي سمة فلسطينية أخرى، لمن يقفون على رأس المسؤوليات الوطنية. الفلسطينيون في مواقع المسؤولية، ومن خارجها، يرفعون أياديهم لله، سائلين أن يكون العام القادم أفضل.

حين تسأل أي إنسان فلسطيني عن توقعاته للعام القادم، تتبين أنهم لا ينتظرون الأفضل، فلا الأوضاع العربية تدعو للتفاؤل ولا أحوال الفلسطينيين. انتهى العام، والفلسطينيون مازالوا يدورون حول أنفسهم وحول خطاب الفشل، عقلهم الجماعي مضروب ومؤسساتهم مفككة، ينتقلون بين العواصم المتصارعة. يتحداهم  انقسام وصراع على سلطة هشة، فقدت سلطتها على كل شيء الأعلى مواطنها المغلوب على أمره. وعلى الرغم من التحدي الخطير والتاريخي الذي ألقى به ترامب على رؤوس الفلسطينيين إلا أنهم، يصرون على التمسك بحساباتهم الفئوية والشخصية الخاصة على حساب المصالح الوطنية العامة. المجابهة التي عرفتها مدن الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة منذ السادس من الشهر الأخير، حيث أعلن ترامب قراره اتسمت بالضعف والتشرذم، بسبب الانقسام ورغم اتفاق الكل على خوض معركة القدس. العام المنصرم هو عام الفشل النهائي بتوقيع ترامب، لكل مشروع أوسلو الذي استمر لنحو ربع قرن من المفاوضات العبثية، والإنجازات الإسرائيلية، وما من أحد يريد أن يعترف. في حالة صحية كان هذا الفشل سيؤدي فورا إلى إزاحة كل الطواقم المسؤولة عن المرحلة السابقة، والاعتصام بالكل الوطني لإعادة بناء الوضع الفلسطيني وفق متطلبات مرحلة الصراع المفتوح. الفشلة الكبار يفلتون من المحاكمة والعقاب، ويدفع المواطن الغلبان والمغلوب على أمره الثمن. هكذا هي طبيعة السلطات، التي تستسهل قمع حريات المواطنين وتطالبهم بتحرير الوطن والإنسان، والالتزام بحسابات وبرامج وخطوات السلطات العليا، وإلا فإنهم خونة أو متمردون أو مخربون ويستحقون كل أنواع العذاب. ينقضي عام أسود آخر، ويدخل الفلسطينيون عاما آخر وهم في حالة من التردد، والضبابية، لا تسمح لهم التطورات بأن يواصلوا السير على ما كانوا عليه، و لا يعرفون طريقهم إلى المستقبل.

العام القادم أيها السادة، هو عام الحروب في المنطقة، التي ستغديها الولايات المتحدة وإسرائيل، لاستكمال مشروعين الأول تدمير ما تبقى من القوى العربية، وتهشيم الأنظمة القطرية خصوصا في الشرق العربي، والمشروع التالي فرض المزيد من الوقائع لتنفيذ المخطط الإسرائيلي على طريق توجيه ضربة قاضية لرؤية الدولتين. يقول وزير الخارجية الألماني السابق توشكا فيشر في تصريح أدلى به في السابع والعشرين من ديسمبر المنصرم أن البديل لرؤية الدولتين “دولة ثنائية القومية لكن إسرائيل لا يمكنها الجمع بين الديمقراطية والدولة اليهودية، وإلا فدولة في غزة وشمال سيناء، وتقاسم ما تبقى من الضفة بين الأردن وإسرائيل”. هذه هي توقعات العام القادم، ليس فيه ما يضفي على الخطاب الفلسطيني أي تفاؤل سوى أن ترامب اختصر عليهم الزمن والثمن، وعجل في الانتقال بوضوح إلى مرحلة الصراع المفتوح، بما يستدعي من تغييرات جذرية على الوضع الفلسطيني. إذا كان هذا هو الحال حقا فإن من الأفضل للفلسطينيين أن يقوموا بواجباتهم قبل أن ترغمهم التطورات على أن يفعلوا ذلك.