مزرعة الباشا التنظيمية
نشر بتاريخ: 2025/12/19 (آخر تحديث: 2025/12/19 الساعة: 18:27)

 

لم يعد المشهد الفلسطيني محكومًا بمنطق التنظيمات كما وُلدت يومًا: بوصلة تحرر، وراية شرف، وأيدي تصنع مستقبلًا أنقى من غبار الاحتلال. تحوّل كل شيء… وتبدّل اللون. صارت بعض القيادات كأنها صُبغت بـ "المنظومة الشيطانية"؛ تلك الطبقة القاتمة التي تخفي الفساد تحت شعار الوطنية، وتسرق الحقوق العامة وهي تلوّح باسم الوطن.

اليوم، لم نعد نتحدّث عن فصائل وطنية بقدر ما نتحدّث عن شركات استثمارية لها مالكوها، أرباحها، وحصصها، ولها كذلك "باشواتها" الذين يحرسون مزرعتهم الخاصة، حتى بات الناس يطلقون عليها — بمرارة ساخرة — "مزرعة الباشا" الباشا الذي سرق أحلامنا ونسبها وطبقها لنفسه أو دفنها وهي حية نعم حانوتي الأحلام.

في هذه المزرعة، كل شيء محسوب، وكل شيء مُقيّد. النزاهة التنظيمية؟ لا تُطبَّق إلا على القواعد البسيطة الضعيفة الشفافية؟ لا تصل إلا إلى حدود معينة، ثم تتبخر عند أول درجة من درجات الهرم. قيادات ورقية لا تظهر إلا في البيانات والشعارات الوطنية الزائفة فهي خارج دائرة الانتخابات دومًا. عصيةٌ على المحاسبة. محرّمةٌ على التداول. وإذا تساءلت عن السبب، قيل لك: "هذا حفاظ على المصلحة الوطنية". بينما حقيقتها: دكتاتورية مغلّفة بورق الديمقراطية .

سأروي لكم حكاية الديمقراطية التي قُتلت في وضح النهار. قتلتها الدكتاتورية وارتدت

ثوبها الأبيض وتغننت بصوتها الأجش فوق المنابر الوطنية التي تخفي اطماعها وجوعها للسلطة ، كانوا كالذئاب الوحشية، يبتسمون للكاميرات بينما يقضمون ما تبقى من بهاء التنظيم وروحه.

الديمقراطية ماتت… لكن بقيت روحها في قلوب الأشراف ممن تبقى من الوطن والوطنيين.

واليوم، ما أحوج التنظيمات إلى عدالة حقيقية، لا عدالة الخطابات. إلى حبٍ داخل الأطر يحفظ أبناءها من الرياح السوداء التي تعصف بهم. ما أحوجها إلى إعادة الرجل المناسب إلى المكان المناسب، إلى العودة إلى المثل والأخلاق التي صُنعت على أكتاف رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، ولم يحوّلوا الثورة إلى ثروة أو دكان، ولا الفصيل إلى إقطاعية، ولا الشعب إلى عبيد يعمل في مزارعهم.

إن الوطن ليس مزرعة، والقيادة ليست ملكية خاصة، والديمقراطية ليست شعارًا في نشرة أخبار. هي روح… وإن ضاعت الروح، ضاع كل شيء.

فلنستعد الوطن من "باشواته"، ونُرجع للتنظيم قيمته، وللفكرة نقاءها… قبل أن نصحو ذات يوم فلا نجد إلا أطلالًا يتجول فوقها ذئاب تتقن العواء، ولا تعرف معنى بناء وطن.