نتنياهو ما يزال المفضّل في إسرائيل وأمريكا!
نشر بتاريخ: 2025/12/27 (آخر تحديث: 2025/12/27 الساعة: 21:10)

لا مغالاة في وصف بنيامين نتنياهو على أنه ظاهرةٌ في إسرائيل وحتى على مستوى العالم، فلم يحدث أن قائداً في أي زمانٍ ومكان، ظلّ في سدة الحكم لعدة دورات، في الوقت الذي توجه له كل يوم تهمةٌ جديدة، أقل واحدةٍ منها كفيلةٌ بإيداعه السجن، وفي حالاتٍ مخففةٍ إرساله إلى البيت، أو إلى مقاعد الأقلية المعارضة في البرلمان.

نتنياهو يقضي جلّ وقته في قفص الاتهام، حتى أنه استقبل رئيس برلمانٍ في قاعة المحكمة، وأجرى محادثاتٍ معه فيها وهذا لم يحدث مثله في التاريخ، كما أنه ومحاموه ومستشاروه المقربون منه، تخصصوا في إيجاد ذرائع لخفض مدة تواجده في قفص الاتهام، والسماح له بمغادرته، والذريعة الدائمة التي لا يملك القضاة إلا القبول بها، هي أنه سيذهب إلى مهمة تتعلق بأمن الدولة، وإجراء اتصالاتٍ مع زعماء عالميين وذرائع أخرى أظهرته لفرط تكرارها وسذاجتها كما لو أنه تلميذٌ يصطنع مناسباتٍ للغياب عن المدرسة.

وفي سياق محاكمته ومن أجل الإفلات منها، أعدّ وشريكه ليفين وزير العدل، انقلاباً جذرياً على القضاء ورجاله وقوانينه، وأدخل إسرائيل في متاهةٍ بحيث لم يعد القضاء المرجع الأعلى للدولة، كما كان في كل العهود التي سبقته رقيباً على أداء مهامها، بل جسماً مختلفاً عليه، يريده نتنياهو هامشياً ومشلول القدرة على إنفاذ قراراته، ما أدّى إلى عدم البت في قضايا أساسية تتصل بعمل وصلاحيات مؤسسات الدولة.

نتنياهو وبعد أن لم ينجح في الإفلات من المسائلة أمام المحكمة، تقدّم بطلب عفوٍ من رئيس الدولة مع علمه بأن للعفو قانوناً لا يملك رئيس الدولة إلا التقيد به، وبمقتضاه يتعين على نتنياهو الإقرار بالتهم الموجهة إليه أو ببعضها، مع مغادرته الحياة السياسية مؤقتاً أو نهائياً، وهذا ما لا يريده ولا يقبل به، فإمّا عفو غير مشروطٍ وفوق القانون، وإمّا مواصلة العمل ضد مؤسسة القضاء ومواصلة التهديد بتعميق انقسام المجتمع.

الحاضنة الأولى والأخيرة لإسرائيل دائماً هي أمريكا، التي ألقى رئيسها ترمب بكل ثقله للحصول على عفوٍ لنتنياهو من رئيس الدولة، ما أثار عاصفةً من ردود فعلٍ منتقدةٍ لترمب، ما دعاه إلى تنويم الحكاية والتوقف عن الضغط على رئيس الدولة في هذا الأمر الشائك.

قبل لقاءه المقرر مع ترمب في فلوريدا بعد أيّام تفجرّت في وجهه فضيحةٌ من داخل مكتبه، جزءٌ منها يتصل بفضيحة قطر غيت التي انشغل الرأي العام الإسرائيلي بها طويلاً كقضية تكسّبٍ لقاء خدماتٍ تقدّم "لدولةٍ معادية"، وجزءٌ آخر يتصل بفضيحة التسريبات للصحيفة الألمانية دي فيلت، التي أنكر نتنياهو صلته بها ليقوم مستشاره الإعلامي السابق بإثارتها من جديد على أن التسريب تمّ بإيعازٍ مباشرٍ من نتنياهو، والجديد في هذه الأيام ما اعترف به مستشاره الإعلامي، بأن نتنياهو كلّفه بالعمل لحجب أي إشارةٍ لمسؤوليته عن التقصير إزاء عملية السابع من أكتوبر، ما وضع في يد منافسيه ورقةً هامةً في معركتهم الحادة معه، بشأن تشكيل لجنة تحقيقٍ رسميةٍ يرفضها نتنياهو الذي قرر تشكيل لجنةٍ غير رسمية أسماها بالوطنية على أن يكون هو من يحدد صلاحياتها وحتى تعيين أعضائها، ولا أحد يعرف في إسرائيل، متى تثور فضيحةٌ جديدة، وعلى أي مستوىً ستكون ولكنها بالتأكيد ستكون على صلةٍ بنتنياهو ومكتبه.

أسئلةٌ كثيرةٌ تثار تحت مطر الفضائح المتوالدة، أهمها سؤالان، الأول ما الذي جعل نتنياهو صامداً رغم ذلك كله، والثاني، ما هو سر تمسك ترمب به رغم كل ما يحيط به من فضائح وما يختلف معه فيه من قضايا تتصل بإعاقة مشروعه في المنطقة.

الذي جعل نتنياهو صامداً هو متانة ائتلافه في الكنيست، الذي بيده القرار الحاسم بشأن إسقاط حكومة نتنياهو والذهاب إلى انتخاباتٍ مبكرة، التي ما يزال نتنياهو يعمل بكل إمكاناته على تفاديها، وإلى جانب ذلك فما يزال الرأي العام الإسرائيلي، يرى بنسبةٍ عاليةٍ منه أن نتنياهو هو الأفضل كرئيس لوزراء إسرائيل، وهذا ما أشارت إليه بوضوح استطلاعات الرأي ، ويخدم نتنياهو في ذلك ضعف منافسيه وقلة مواهبهم القيادية، أمّا لماذا يتمسك ترمب به ويفضّل التعامل معه رغم جميع المعيقات التي يصطنعها حيال مبادرته وخصوصاً في الملف الغزّي والسوري، فترمب لا يريد إدخال مبادرته في متاهات الوضع الداخلي الإسرائيلي، ذلك أن التعامل مع نتنياهو المشاكس وترويضه أفضل كثيراً من الدخول في مواجهةٍ معه، وقد تفضي إلى انتخاباتٍ مبكرةٍ لا يعرف ترمب مسبقاً من سيغادر ومن سيأتي، ناهيك عن إضاعة وقتٍ ثمينٍ بفعل تعطيل مؤسسة القرار في إسرائيل بفعل الانتخابات المبكرة.

ترمب يفضل إقناع نتنياهو بما يريد أو ببعضه، على انتظار بديله الغامض للعمل معه من نقطة الصفر ربما.

نتنياهو يعرف جيداً مصادر قوته ويعرف كيف يستخدمها، وأهمها حاجة ترمب إليه وحاجة اليمين الإسرائيلي لقدراته القيادية، وشعار اليمين في هذا الأمر "زعيمٌ فاسدٌ ومقتدرٌ من معسكرنا، أفضل بكثيرٍ من زعيم أقل فساداً من المعسكر الآخر"

هذه هي معادلة نتنياهو الذي ما يزال في إسرائيل أشبه بكاسحة ألغامٍ للقضايا والفضائح والخصوم.