لم يكتف بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة «الإسرائيلية» بتسمية الاجتماع الأمني الثلاثي الذي عقد في القدس المحتلة الثلاثاء (2019/6/25) بين مستشاري الأمن القومي في الولايات المتحدة وروسيا والكيان الصهيوني ب «القمة الأمنية الثلاثية» حسب توصيفات «إسرائيلية» متفائلة، لكنه اعتبرها «قمة تاريخية». نتنياهو علل ذلك باعتبار أن هذا الاجتماع هو «أول لقاء بين مستشاري الأمن القومي في الدول الثلاث.. وهي تعقد في عاصمتنا القدس».
نتنياهو حرص على توجيه الشكر للرئيسين الأمريكي والروسي «لموافقتهما على عقد هذه القمة الأمنية، ولإرسال أكبر مستشاريهما للمشاركة فيها»، وقال إنه «يُثمِّن كثيراً العلاقات المتينة التي تقيمها «إسرائيل» مع بوتين وترامب». كما حرص على أن يعلن لوزرائه، بشيء من الزهو، مساء الليلة التي سبقت افتتاح الاجتماع: «سأترأس غداً قمة غير مسبوقة، ستجمع الدولتين العظميين: الولايات المتحدة وروسيا، مع إسرائيل هنا»، مضيفاً القول إن «حقيقة عقد هذه القمة في «إسرائيل» يشكل دليلاً آخر على مكانة «إسرائيل» المميزة على الساحة الدولية».
هذه المقدمات كشفت، وبوضوح شديد الأهداف الخفية من هذا الاجتماع، أو بالأحرى «الأهداف البديلة» أو «الأهداف الممكنة»، مع تراجع فرص «الأهداف المأمولة». فقبل أسابيع من انعقاد هذا الاجتماع، جرى الترويج عبر وسائل إعلام «إسرائيلية» وأخرى عربية ودولية أن الهدف الأساسي لهذه القمة هو «التوافق على صفقة» أمريكية - «إسرائيلية» مع روسيا، جوهرها أن تتبنى روسيا دعوة إخراج إيران من سوريا، باعتبار أن ذلك يعد ضمانة أساسية للأمن القومي «الإسرائيلي». فإخراج إيران من سوريا سيعيدها إلى ما وراء الشاطئ الشرقي للخليج العربي، وسيجفف منابع الدعم الإيرانية لبؤر الإرهاب الموالية أو الأذرع الموالية سواء في لبنان (حزب الله) أو في العراق أو في اليمن، ما يعد ظرفاً موائماً لمتطلبات الأمن «الإسرائيلي» مقابل دعم المشروع الروسي في سوريا من خلال التمكين لبقاء نظام الرئيس بشار الأسد، وخروج كل القوات الأجنبية من سوريا، بما فيها القوات الأمريكية والغربية، وتمديد نفوذ نظام الأسد على منطقة شرق الفرات، والتوافق على حلول للمشاكل أو الأزمات العالقة بين واشنطن وموسكو سواء ما يتعلق بأوكرانيا أو بالعقوبات الأمريكية المفروضة على روسيا، أو حتى مشكلة الصواريخ النووية.
الطموح «الإسرائيلي» للتوصل إلى هذه الصفقة وجد ما يشجعه من تطورات حدثت على مدى الأشهر الماضية اعتبرتها تل أبيب تتضمن «اهتزازاً» في الثقة بين موسكو وطهران، ما يؤهل روسيا للقبول بأن تكون طرفاً «صديقاً» وداعماً ل «الأمن الإسرائيلي» بإخراج إيران من سوريا.
لسوء حظ «الإسرائيليين» والأمريكيين أن الاجتماع لم يأتِ على مستوى التوقعات، عندما وضع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين «خطوطاً حمراء» على العلاقة بين روسيا وإيران، ممنوع تجاوزها، وفي القلب منها موضوع تلك «الصفقة». فتعليقاً على «حديث الصفقة» بين روسيا وكل من الولايات المتحدة و«إسرائيل» ضد إيران قال بوتين إن «روسيا لا تتاجر بمبادئها وحلفائها»، وقال خلال الخط المباشر مع المواطنين الروس (2019/6/20) أي قبل خمسة أيام من انعقاد الاجتماع الأمني الثلاثي رداً على سؤال حول احتمال عقد «صفقة كبيرة» بين روسيا والولايات المتحدة بشأن سوريا قال «ماذا تعني صفقة؟!.. الحديث لا يدور عن قضية تجارية.. لا.. إننا لا نتاجر بحلفائنا ومصالحنا ومبادئنا».
وجاءت مداخلة نيكولاي باتروشيف مستشار الأمن القومي الروسي في المؤتمر الصحفي الذي عقد قبل بدء المباحثات مع نظيريه الأمريكي و«الإسرائيلي» بوجود رئيس الحكومة «الإسرائيلية»، لتفاقم الإحباط «الإسرائيلي» المبكر من النتائج المحتملة للاجتماع، حيث أكد أن إيران «حليف وشريك راسخ لموسكو، وأن تشويه صورتها ووصفها كخطر كبير على المنطقة غير مقبول بالنسبة لروسيا، لأنها تشارك بفعالية في محاربة الإرهاب واستتباب الأمن في سوريا».
رد فعل نتنياهو جاء عصبياً عندما أكد عزمه على مواجهة الغارات والهجمات الصاروخية ضد أهداف إيرانية في سوريا لمنع إيران من اتخاذها كمنصة لشن هجمات ضد «إسرائيل». عصبية نتنياهو كان وراءها ما يدعمها من إدراك لسقوط الرهانات «الإسرائيلية» ضد إيران، أبرزها الامتناع الأمريكي عن توجيه ضربة عسكرية قوية ضد إيران بعد إسقاطها طائرة التجسس الأمريكية المتطورة «جلوبال هوك».
هذه العصبية اضطرت «إسرائيل» إلى احتوائها من أجل الحصول على الحد الأقصى من المكاسب البديلة، بعد أن بات مستبعداً تغيير الموقف الدولي من الوجود الإيراني في سوريا، ومن أبرزها حرص نتنياهو على انعقاد هذه القمة في «القدس المحتلة»، بما يعنيه ذلك من اعتراف روسي بأن القدس باتت عاصمة «إسرائيل»، ثم الترويج ل «المكانة الإسرائيلية المرموقة» التي جعلت منها مكاناً لالتقاء القوتين العظميين، والترويج لهذا المعنى بكثافة، وبالذات لدى الإيرانيين، لكن حتى هذا المكسب الرمزي لم يهنأ به «الإسرائيليون» عندما رد باتروشيف على وصف جون بولتون إيران بأنها «مصدر للتهديد وداعم لقوى الإرهاب» فقد واجهه باتروشيف بقوله إن «إيران ليست هي المشكلة بل الحل»، في تلخيص شديد الدقة لأهم الرسائل التي يمكن استخلاصها من هذا الاجتماع، ليس فقط بخصوص الموقف الروسي من الوجود الإيراني في سوريا، بل وأيضاً بالنسبة لمستقبل الأزمة المتفجرة بين واشنطن وطهران في الخليج.
وجاء الرفض الروسي القوي للاعتداءات «الإسرائيلية» على مواقع إيرانية داخل سوريا (مساء الاثنين 2019/7/1) ليؤكد هذا الاستنتاج من ناحية، وليؤكد من ناحية أخرى مدى صدمة «إسرائيل» في نتائج القمة الأمنية.
الخليج الاماراتية