غزة..محمدجودة: وضع سياسيون واقتصاديون خارطة طريق لمواجهة قرصنة الاحتلال الإسرائيلي، 130 مليون دولار من أموال المقاصة بدعوى أنها "مخصصات للأسرى"، مؤكدين أن الحل يجب أن يبدأ بتنفيذ قرارات المجلسين الوطني والمركزي وفي مقدمتها وقف التنسيق الأمني مع المحتل، وإجراء انتخابات عامة شاملة تحت إشراف حكومة وحدة وطنية يتوافق عليها الكل الفلسطيني وصولاً لعقد مجلس وطني توحيدي جديد يعيد بناء الوحدة الوطنية في إطار منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا الفلسطيني، وتوفير مقومات الصمود للمواطنين في مواجهة هذه الضغوط، والتحلل سيطرة الاحتلال.
وأكد الخبراء في تصريحات خاصة لـ«الكوفية» أن ما يفعله الاحتلال هو قرصنة مفضوحة تستهدف تصفية القضية الفلسطينية والنيل من وحدة الشعب، وتتطلب تضافر الجهود لمواجهتها.
أموال المقاصة ركيزة الموازنة الفلسطينية
قال الخبير الاقتصادي، نهاد نشوان: "إن ضريبة المقاصة تمثل الركيزة الأساسية في الموازنة الفلسطينية والضامن المالي لاستمرار عمل مؤسسات السلطة، وكذلك منظمة التحرير، لافتًا إلى أن نسبتها تصل لما يزيد عن 70% من الجباية الكلية، وفق قوانين وآلية عمل الضريبة التي نص عليها بروتكول باريس الاقتصادي.
وأكد أن الاحتلال وفي إطار ابتزازه المالي للسلطة الفلسطينية، استقطع مبالغ من هذه الضريبة تحت مسميات عدة بهدف إحراج السلطة سياسًا مثل خصم مخصصات الأسرى، بالإضافة الى استقطاعات غير منظورة من الصحة والكهرباء والمياه والعديد من جداول الخصم، ويأتي ذلك في الوقت الذي يدرك فيه الاحتلال أن السلطة تعاني من أزمات وديون مالية تزيد عن الـ9 مليارات دولار، مؤكدًا أن وقف استلام أموال المقاصة يؤدي إلى انهيار السلطة ماليًا.
وقال الدكتور سمير أبو مدلل، إن الاحتلال اقتطع 130 مليون دولار من أموال المقاصة، لافتًا إلى أنه وفقًا لبروتوكول باريس يتم اقتطاع الضرائب غير المباشرة من التجار ويتم تحويلها إلى السلطة الفلسطينية، وتحصل إسرائيل على نسبة 3% منها قبل تحويلها نظير جمعها لتلك الضرائب تحت بند المصاريف الإدارية، مؤكدًا أن ما قامت به "إسرائيل" عملية قرصنة على أموال الشعب الفلسطيني.
وأوضح أن أموال المقاصة بلغت 2255 مليون دولار عام 2018 متراجعة بنسبة 9% عن عام 2017 والذي بلغت فيه 2483 مليون دولار، مرجعاً هذا التراجع إلى انخفاض الشاحنات التي تأتي من الجانب الإسرائيلي بسبب حالة الركود تحديدًا في قطاع غزة وحالة التراجع في الاقتصاد الفلسطيني، والنمو الذي تراجع في العام الماضي 6%.
وطالب "أبومدلل" "السلطة" بالتوجه إلى المحاكم الاقتصادية الدولية ومحكمة الجنايات الدولية لمحاسبة "إسرائيل" على عملية القرصنة التي قامت بها والتي يمكن أن تستمر خلال الفترة القادمة.
وأكد أن أموال المقاصة تشكل 55 % من الموازنة وتغطي من 50% إلى 60% من المصاريف الجارية، ما يعني أن اقتطاع أموال المقاصة سيكون له انعكاس سلبي على الاقتصاد الفلسطيني وسيؤثر على المصاريف الجارية وتحديدًا فاتورة الرواتب، حيث لم تقم السلطة بدفع راتب شهر فبراير حتى اللحظة، لافتًا إلى أن موازنة السلطة تعاني من عجز متراكم يفوق الـ4 ونصف مليار دولار.
التقشف الحكومي
وأكد "أبو مدلل"، أن المطلوب لمواجهة هذا العجز اتباع سياسة التقشف في المصاريف الجارية خاصة فيما يتعلق بفواتير الرواتب العالية جدًا لبعض الأشخاص كالمستشارين وأصحاب الوظائف العليا وبالتالي يجب أن يتم توزيع الأعباء على كافة أبناء الشعب الفلسطيني، ثانيًا يجب تخفيض مصاريف السفارات ومكتب الرئيس محمود عباس، مؤكدًا أن اهتمام الدول المانحة لن يبقى باتجاه الشعب الفلسطيني، حيث بلغ العام الماضي 570 مليون دولار فقط في تناقص واضح عن ما وصل في الأعوام الماضية، بسبب وجود ساحات أخرى تحتاج إلى دعم كليبيا واليمن وغيرهما.
وأضاف: "ثالثًا زيادة الإيرادات عبر زيادة الضرائب بشكل رأسي وليس بشكل أفقي، بمعنى زيادة الضرائب على أصحاب الشركات الكبرى وأصحب ورؤوس الأموال، لافتًا أنه ليس من المعقول أن تجني شركة جوال أرباحًا العام الماضي تقدر ب120 مليون دولار وفي عام 2017 بلغت ارباحها 150 مليون دولار وتقوم السلطة بالتجديد لها 20 عام قادم بـ297 مليون دولار فقط ، وبالتالي يجب زيادة الضرائب على تلك الشركات وتخفيفها على صغار الموظفين والفئات الوسطى.
ودعا السلطة الي تفعيل شبكة الآمان العربية التي نوقشت في قمة بيروت عبر توفير 100 مليون دولار للسلطة شهريا حتى لا تبقى تحت رحمة المانحين وأموال المقاصة.
وتابع أن المجلس المركزي في 2015 وفي دورة يناير 2018 والمجلس الوطني أيضًا في دورة أبريل من نفس العام اتخذا قرارات سياسية واقتصادية منها إعادة النظر في بروتوكول باريس، والتحرر منه، باعتبارها اتفاقية جلب التبعية وإسرائيل تتنصل منها ولا يتمسك بها إلا الجانب الفلسطيني فقط، إضافة إلى المقاطعة الاقتصادية مع الاحتلال والذي تتقاعس السلطة عن تنفيذها، واللجوء إلى المنتجات المحلية البديلة.
وأوضح أن ما يستهلكه السوق الفلسطيني 30% فقط منه انتاج محلي والباقي مستورد، لافتًا إلى أنه إذا تم رفع نسبة الـ30 إلى 40% فيستم تشغيل 100 ألف عامل من خلاله، ويمثل رد فعل على ما تقوم به "إسرائيل".
وأكد أن عدم تحويل أموال المقاصة خلال الفترة القادمة سيدخل الاقتصاد الفلسطيني بالفعل في أزمة حقيقية عنوانها مزيد من العجز والركود، حيث بلغت نسبة البطالة في الضفة 19% وفي غزة بلغت 52% و80% من سكان غزة يعتمدون على المساعدات.
قرصنة مفضوحة لتصفية القضية
من جانبه، أكد مسؤول حركة المبادرة الوطنية في قطاع غزة، الدكتور عائد ياغي، أن استيلاء الاحتلال على أموال المقاصة، ابتزاز وقرصنة مفضوحة وجزء من جرائم يومية تمارسها حكومة الاحتلال بحق أبناء الشعب الفلسطيني، لافتًا إلى أن حكومة نتنياهو تعتقد واهمة كسر الموقف الفلسطيني الموحد ضد "صفقة القرن" ومحاولات تصفية القضية، عبر هذه الاستقطاعات وغيرها من الضغوط.
وأضاف، أن الاستقطاعات إذا استمرت ستؤثرعلى حركة صرف رواتب موظفي السلطة أو تقديم الخدمات للمواطن، لكن في الوقت نفسه، "المبادرة الوطنية" لن تقبل أن تكون مبررًا لأي اجراءات أو قرارات غير قانونية سابقة أو لاحقة من قبل السلطة سواء من ناحية وقف صرف رواتب الآلاف من الموظفين والذين كان من بينهم المئات من الأسرى والمحررين وأسر الشهداء أو غيرها من الإجراءات التي يمكن أن تمس قطاعات خدماتية محددة في قطاع غزة.
خارطة طريق لمواجهة القرصنة الإسرائيلية
" ياغي" أكد أن القرصنة الإسرائيلية تتطلب عدم السكوت عليها والتصدي لها بكل الوسائل وذلك عبر توحيد الصفوف في مواجهة جميع الاجراءات الإسرائيلية المتصاعدة بما فيها الضغوط والاستقطاعات المالية وهذا يتأتى عبر:
1. البدء العملي بتطبيق قرارات المجلسين الوطني والمركزي والتي اتخذت بشأن إعادة تحديد العلاقة مع الاحتلال وفي مقدمتها وقف التنسيق الأمني ووقف العمل باتفاق باريس الاقتصادي.
2. تشجيع مقاطعة البضائع الإسرائيلية وحظر تداولها في السوق الفلسطينية.
3. توفير مقومات الصمود للمواطنين في مواجهة هذه الضغوط.
وشدد على أن ما سبق لن يتأتى إلا بإنهاء الانقسام الفلسطيني عبر حوار وطني شامل يعيد تأكيد التزام الجميع ببرنامج الإجماع الوطني وباتفاقات وتفاهمات المصالحة ويفتح الطريق لتنفيذها عبر انتخابات عامة شاملة تحت إشراف حكومة وحدة وطنية يتوافق عليها الكل الفلسطيني وصولاً لعقد مجلس وطني توحيدي جديد يعيد بناء الوحدة الوطنية في إطار منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا الفلسطيني.
لا مصلحة لإسرائيل في تأزيم السلطة
في السياق نفسه، قال القيادي بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ذوالفقار سويرجو:" إن قرصنة الاحتلال على أموال المقاصة مناورة انتخابية يجريها نتنياهو لرفع رصيده الانتخابي وسرعان ما ستنتهي"، مؤكدًا أنه لا مصلحة لنتنياهو في "تأزيم المأزوم"- في إشارة إلى موقف السلطة.
وأوضح أن تبعات ذلك خطيرة جدًا وقد تتسبب في تفجير الوضع بسبب ضعف السلطة وعدم مقدرتها على القيام بالتزاماتها.
وأضاف: "إن تأثير هذه الخطوة سيكون محدودًا خاصة أن فرنسا والاتحاد الأوروبي لن يتركا السلطة تنهار بعد صرف مليارات والدولارات عليها".
مظلة مالية عربية لفلسطين
في الشأن نفسه، قال عضو مجلس الأوقاف في القدس، حاتم عبد القادر:" إن عدم استلام أموال المقاصة كاملة ستكون له انعكاسات خطيرة على الاقتصاد الفلسطيني الذي يعتمد في حركة رواتب الموظفين، خاصة في ظل عدم تنفيذ قرارات القمة العربية بتوفير مظلة مالية لدولة فلسطين".