حول عرب 48 مجدداً
نشر بتاريخ: 2019/04/28 (آخر تحديث: 2025/12/17 الساعة: 11:37)

أستكمل اليوم مناقشة هذه القضية المهمة، إذ ركزت في مقالي الأسبوع الماضي حول ذلك الجدل المتواصل داخل بعض الأوساط الفلسطينية والعربية حول جدوى المشاركة في الانتخابات الإسرائيلية من جانب عرب 48، إلا أن هناك حاجة لمزيد من مناقشة العديد من جوانب الموضوع، وكذا بعض المصارحات أظن أنها ضرورية في هذا الصدد، كما قد نبهني صديق عزيز إلى عدم تعرضي لمسألة القانون الإسرائيلي الصادر في 19 تموز (يوليو) الماضي 2018 والذي يجعل من عرب إسرائيل مواطنين من الدرجة الثانية، والذي فرض شرطاً جديداً للسلام وهو اعتراف الفلسطينيين بإسرائيل كدولة قومية لليهود لنفس الغرض.

وهذا القانون الخطر بالمناسبة صدر بأغلبية ضئيلة للغاية 62 فقط من اليمين الإسرائيلي، وعارضه 57 من أعضاء اليسار والعرب، وامتنع عضوان عن التصويت. وانتقده رئيس الدولة الإسرائيلي في موقف نادر من هذا المنصب الشرفي في البلاد، كما أدى إلى استقالة عضو برلماني عربي، وقيام بعض ضباط دروز بالاستقالة من الجيش الإسرائيلي، ومشاركة درزية ضخمة في التظاهر ضد القانون، ودعوات لوقف التجنيد الاجباري للدروز، بل أثار البعض حتى مخاوف من حصول تمرد درزي داخل الجيش.

وفي الحقيقة أنني سأبدأ حديث المصارحة الذي اعتبره ضرورياً من هذه النقطة تحديداً وهي موقف الدروز العرب في إسرائيل وانعكاسات هذا على مسألة عرب إسرائيل بشكل عام والذي حدث بشكل تنقصه الكثير من الدقة. فمعروف أن الطائفة الدرزية في إسرائيل سلكت موقفاً مختلفاً تماماً عن مسلمي ومسيحيي عرب 48 في التقبل بل والتماهي مع إسرائيل، بما في ذلك لعب دور مهم في الجيش الإسرائيلي كان محبطاً للفلسطينيين داخل وخارج إسرائيل وللعالم العربي على السواء إلى حد تجنب النقاش الجاد في الأمر، مما عمم موقفاً سلبياً ومتخوفاً تجاه بقية عرب 48 بالظلم البين وبمفارقة واضحة مقارنة بنضج عربي لم يحاول أن يعمم هذه الظاهرة على بقية الدروز العرب، الذين نشهد لهم جميعا في لبنان وسورية بدور عروبي بارز ومشرف خاصة تجاه القضية الفلسطينية بل إلى حد أن أحد الرموز العربية القومية الكبرى، وهو الزعيم الراحل كمال جنبلاط لعب دوراً لا يمكن نسيانه في تاريخ الدعم العربي للشعب والقضية الفلسطينية، ومن ثم فالمفارقة هي أن النضج العربي في عدم تعميم سلوك دروز إسرائيل على بقية الدروز العرب، والذي ساعد عليه مواقف عربية مشرفة لهؤلاء الدروز العرب، لم يماثله نضجاً مماثلاً في التعامل مع بقية عرب إسرائيل 48، كانت مقاومتهم وصمودهم ولو الصامتة عنصراً مهماً لا يمكن إنكاره منذ البداية.

وأياً كانت الحسابات والأخطاء التي وقع فيها دروز عرب 48 في تقبل ودعم إسرائيل فلعل هذا القانون الجديد سيشكل نقطة تحول مهمة في تاريخ النضال الفلسطيني، وهنا أشارك آراء طرحت تقلل كثيراً من الضجة حول هذا القانون، الذي أعتبره تأكيداً واستمرارا لطبيعة الدولة والمشروع الصهيوني، وحسماً لرمادية موقف غير حقيقية، فبالعكس فلتكن الأمور واضحة ومباشرة الآن، ولتثبت أن الديموقراطية الإسرائيلية ليست حقيقية، وهي تطبق "شوفينية" فاشية وعنصرية واضحة، وردود الفعل الدرزية قد تكون بداية لتحولات جادة وعميقة داخل المجتمع الدرزي في إسرائيل، وللأسف هنا من المنطقي استخدام هذا الوصف، خلافاً لباقي عرب 48، الذين من حقهم استخدام هذا الوصف الأخير في وصف أنفسهم.

وفي جميع الأحوال هذا القانون العنصري يوفر بداية جديدة لكل عرب 48 بمن فيهم الدروز لتعزيز مرحلة كفاحية جديدة ضد كيان نشأ عنصرياً، ولكنه حاول أن يقدم نفسه كذباً كواحة للديموقراطية في منطقة غير ذلك، ولكنه اليوم حتى لو كانت هناك ممارسات لا يمكن تجاهلها في العملية الديموقراطية والمشاركة السياسية، حاولت أن تتجنب بعض أخطاء الكيان العنصري الاستيطاني في جنوب إفريقيا، فإنه يتحول اليوم عكس تيار التاريخ ليفصح عن نفسه ككيان عنصري بغيض بما لا يستقيم مع أي ممارسات ديموقراطية ولقيم حقوق الإنسان، ومن قلب هذه النكسة الاسرائيلية يجب أن يبدأ فجر انعتاق الشعب الفلسطيني من هذا الظلم التاريخي الكبير، فعلى العكس وحدت هذه الخطوة المكون العربي في إسرائيل بأكمله ضد اعتبارهم مواطنين من الدرجة الثانية، ومرة أخرى نضال عرب 48 يجب أن يكون موحداً، وأن تطرح رسالة أخرى داخل إسرائيل تعيد محاولة توحيد الصوت العربي بمن فيهم الدروز الذين يعودون إلى هويتهم العربية، واستخدام كل أدوات الرفض السياسي التي يوفرها حتى المجتمع الإسرائيلي خاصة وسائل التواصل الاجتماعي.

واستكمالاً للمصارحات، فإن أحداً لا ينازع الآن في مدى تدهور أوضاع القضية الفلسطينية، ولا الموقف الدولي المحيط بها، ولكن أحداً لا يريد مناقشة أي استراتيجية يجب أن يتبعها الشعب الفلسطيني حالياً، وقد قدمت اقتراحاً في أكثر من مناسبة على مدى العامين الماضيين في الاستفادة من تجربة الكفاح ضد النظام العنصري في جنوب إفريقيا، ولكن للأسف لايبدو أن هناك تجاوباً كافياً مع الفكرة، دون التقدير لخطورة غياب الأدوات المؤثرة فيما يحدث حتى الآن، ومع التقدير بأن صمود الموقف العربي حتى الآن ضد صفقة القرن هو أمر إيجابي حتى الآن، والذي عبر عنه قرار مجلس الجامعة العربية الأسبوع الماضي، ولكن من دون شك أن هناك حاجة مستمرة لطرح القضية على مرأى من العالم بشكل دائم للحفاظ على قوة الدفع.

وهنا أظن الآن أن ورقة عرب 48 هي إحدى الأوراق التي مازالت مهمة بل ورئيسية أمام الجانب الفلسطيني، وحتى لو تركز الكفاح حول إعادة وضعهم كمواطنين من الدرجة الأولى فإن هذا مطلوب لحل عادل للقضية، أو لتغيير إسرائيل من الداخل بما يكون له نتائج إيجابية في عملية سلام لا يكون اليمين المتطرف هو الذي يقودها أو على الأقل بما يحسن من شروطها، وهذا التصور لا يقلل أو يلغي دور فلسطينيي الأراضي المحتلة الآخرين ولا الشتات، وإنما يقدم دعماً مهماً للتحرك الفلسطيني، ومرة أخرى مفتاح ضروري في تفعيل هذه الورقة يكون بمزيد من التفاعل العربي الرسمي والشعبي مع عرب 48، وهو تفاعل مطلوب لدعمهم معنوياً ومادياً في مواجهة صعبة، وهل ننسى الآن أنه لولا احتضان إفريقي مؤثر للأغلبية الإفريقية لما انهزم النظام العنصري في جنوب إفريقيا، وبالمناسبة كان هناك دور مهم وإيقاظي وداعم من العناصر الليبرالية واليسارية البيضاء في دعم هذا الكفاح، وليكن نظيره الإسرائيلي من يسار وليبرالي أيضاً محل شراكة في هذه المواجهة التي تحتاج إلى الكثير من الصبر والحكمة.

الحياة اللندنية