عودة علاقة السلطة مع إسرائيل التي لم تنقطع
نشر بتاريخ: 2020/11/18 (آخر تحديث: 2025/12/16 الساعة: 19:13)

من يعرف طبيعة إدارة الأمور في الساحة الفلسطينية في الخمسة عشر عاما الماضية، لم يفاجأ من قرار الرئيس عباس عودة العلاقة مع إسرائيل بناء على رسائل حسين-أبو ركن المتبادلة. أي مبتدئ في السياسة يدرك أن استمرار بقاء السلطة بوظيفتها الحالية مرتبط أولاً وثانيا وعاشرا بطبيعة العلاقة مع إسرائيل، وجوهر هذه العلاقة أمران، الأول التنسيق الأمني والثاني الوضع الميداني المتشابك الذي تتدخل إسرائيل بكل تفاصيله قرار السلطة قبل أشهر بالتوقف عن التعامل مع الاتفاقات الموقعة مع إسرائيل ورفض استلام أموال المقاصة الفلسطينية إذا كانت منقوصة، كان من المعروف أنه قرار مؤقت لن يستمر طويلا تماما كقرار حكومة الدكتور اشتية قبل حوالي العام بوقف استيراد العجول من إسرائيل الذي تراجعت عنه بهدوء دون صخب. أي مبتدئ في السياسة يدرك أنه لا يوجد مؤسسات فلسطينية حقيقية تتخذ القرارات وتدافع عنها وتحميها. هناك مؤسسات صورية يتم استخدامها حين الضرورة للاختباء حول موقف ما أو الانقضاض على طرف ما. المجلس الوطني والمجلس المركزي واللجنة التنفيذية والحكومة الفلسطينية واللجنة المركزية لحركة فتح كانوا شركاء في اتخاذ القرار بقطع العلاقة مع الاحتلال، ولكنهم ليسوا شركاء، وعلى الأرجح لم يتم استشارة أحد ممن ذكر أعلاه في قرار العودة للعلاقة مع إسرائيل . الذي تحمل كامل المسؤولية والذي يشكل بديلا عن كل هذه المؤسسات هو الرئيس عباس وما عليهم سوى الالتزام. المستوى الذي خاطب إسرائيل رسميا مع الأخذ بعين الاعتبار لاعبين دوليين وإقليميين من خلف الستار هو الوزير حسين الشيخ والطرف الإسرائيلي الرسمي كان منسق شؤون المناطق في الحكومة الإسرائيلية هو الجنرال كميل أبو الركن . شخصيا غير متفاجئ بحكم معرفتي بالموقف الإسرائيلي الحقيقي من السلطة وبحكم معرفتي أيضا بطبيعة نظرة قيادات السلطة لوظيفتهم ووظيفة هذه السلطة وهي عبارة عن إدارة أقل من ذاتية لشعب يخضع لاحتلال كامل. لذلك كنت أعتبر أن قرار وقف التنسيق المدني بكل تفاصيله هو قرار خاطئ ويضر بالشعب الفلسطيني أكثر من ضرره للاحتلال، وأكثر من تضرر منه هو الأهل في غزة لأن مكاتب الارتباط الإسرائيلي في الضفة بقيت مفتوحة والمواطنين الفلسطينيين كانوا يتوجهون إليها دون عوائق. وكذلك كنت ضد رفض استلام أموال المقاصة، التي هي أموال فلسطينية، ومع وجهة النظر التي كانت تقول استلم وطالب بما تبقى، ولم أثق لحظة بما كان يردده بعض المسؤولين الفلسطينيين وعلى رأسهم الرئيس عباس بأننا لن نستلم أموال المقاصة منقوصة فلسا واحدا وكنت أعرف أنهم في مرحلة ما سيستلمونها منقوصة عشرات أو مئات الملايين . على أي حال، ليس من باب الصدفة أن من قاد هذه الاتصالات رسميا من الجانب الفلسطيني مع إسرائيل هو الوزير حسين الشيخ المسؤول عن التنسيق المدني في السلطة الفلسطينية وأن الطرف المقابل له هو الجنرال أبو الركن. ليس هناك حقيقة أصدق من ذلك. هذا هو مستوى السلطة وهذا هو المستوى الإسرائيلي في التعامل مع السلطة وما تبقى شعارات الجميع يتعامل معها لكي تستمر اللعبة بما في ذلك كافة الفصائل الفلسطينية التي عبرت عن رفضها لقرار الرئيس عباس بعودة العلاقة مع إسرائيل. السؤال: ما الذي يجعل الرئيس عباس والوزير حسين الشيخ تحمل مسؤولية قرار استراتيجي بهذا الحجم؟ لماذا لم يتم الاختباء خلف المجلس المركزي واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير على الأقل؟ و لماذا لم تتحمل كل فتح ممثلة بلجنتها المركزية ومجلسها الثوري تبعات هذا القرار إذا كان حقا يخدم المشروع الوطني؟ الإجابة ببساطة قد تكون أن هذه المؤسسات من الناحية العملية هي غير موجودة منذ زمن. على أي حال لنترك جانبا الحديث عن المشروع الوطني والثوابت الوطنية والمصالح العليا للشعب الفلسطيني ونحاول فحص الترجمة العملية لهذا القرار وبالتحديد ما تم التصريح به على أنه انتصار للإرادة الفلسطينية والشعب الفلسطيني على الرغم من أن رسالة المنسق واضحة . هذا القرار سيكون انتصارا للإرادة الفلسطينية إذا كانت الترجمة العملية له على النحو التالي: أولا: استلام أموال المقاصة كاملة غير منقوصة دون الخصومات التي تسطو عليها إسرائيل من مخصصات الأسرى و الشهداء وكذلك الخصومات التي تقرها المحاكم الإسرائيلية الناتجة عن رفع دعاوى قضائية من قبل عملاء فلسطينيين ومتضررين إسرائيليين. إذا كان هذا هو الوضع فأنا هنا أريد ان أهنئ الرئيس عباس و الوزير حسين شيخ بهذا الانتصار وسيكون فعلا انتصارا للإرادة فلسطينية وإرادة الرئيس عباس . أما إذا تم استلامها دون تغيير جوهري في الموقف الإسرائيلي فلا داعي للحديث عن انتصارات وعن بطولات استلموا الفلوس التي هي حق للشعب الفلسطيني وقاتلوا من أجل ما سيتبقى منها لدى الإسرائيلي، لكن لا تنسوا أن يتم توزيعها بالتساوي وتعيدوا الحقوق إلى أهلها خاصة أبناء شعبكم في غزة ومن تم السطو على رواتبهم بما في ذلك أسرى وشهداء وجرحى. ثانيا: سيكون انتصارا إذا أوقفت إسرائيل الاستيطان في مناطق الضفة بما فيها القدس وفقا للاتفاقات الموقعة التي تعهد فيها الجنرال كميل أبو الركن للوزير حسين شيخ. على الرغم من القناعة لدى أصغر طفل فلسطيني بأن هذا الأمر لن يحدث وأن عجلة الاستيطان ستتواصل وأن عملية الضم تسير بشك تدريجي أسوأ بكثير مما هو وارد في صفقة ترامب. ثالثا: سيكون انتصارا إذا اوقفت إسرائيل اقتحاماتها للمناطق الفلسطينية بما في ذلك عاصمة السلطة المؤقتة رام الله واعتقال من تشاء وهدم بيوت من تشاء، على الرغم من القناعة أن السلوك الإسرائيلي سيتحكم به المصالح الامنية وليس الاتفاقات غير الموجودة على الأرض الواقع. خلاصة القول، المشكلة ليست في قرار الرئيس عباس بعودة العلاقة مع إسرائيل. هذا الأمر كان متوقعا فور انتهاء حقبة ترامب وبعد فوز بايدن إضافة إلى اعتبارات أخرى. المشكلة الحقيقية، أن المشروع الوطني والقضية الفلسطينية بكل مؤسساتها غير الفاعلة مختزلة في يد شخص واحد رغم العمر المتقدم يتلاعب بكل مكونات الشعب الفلسطيني وأحلامه كما يحلو له . إلى أن يتغير هذا الوضع سنواصل المسير نحو الهاوية بخطى واثقة.