- صفارات الإنذار تدوي في عكا وحيفا وبمستوطنات بالضفة
كان السيناريو محكمًا، رتبوا كل شيء، حسبوا حساب المفاجآت، لم يتركوا شاردة ولا واردة، حددوا ساعة الصفر، كان توقيتهم يتزامن مع توسيع ثغرات الناس بإفساد طويل، حتى لا يجدوا من يقول: لا.
كان زمنًا طويلًا من التدريب والتخطيط، تمهيدًا للحظة الانقضاض، وانقضوا في توقيتهم المثالي، صار الناس كأن على رءوسهم الطير، ارتجفت قلوب، وذهبت عقول، تخلى عن الثغور من تخلى، وقع في الخوف من وقع، كثير من الناس غيروا أماكن أقدامهم، طلبوا النجاة باللجوء إلى وكر الأعداء، تحولوا إلى كائنات لا تشبه تلك التي كانوا عليها.
ظن المدبرون أنهم نجحوا، وعبروا جسر مصر الشائك إلى قلب الإقليم العربي، تظاهرت مصر بالغفوة، فتمادوا في غيهم، كشفوا عن وجوههم، اقتربوا من الدولة "الإقليم"، نواة العرب الصلبة، ظنوا أن المنطقة بالكامل بين أصابعهم كالمسبحة، وهم الذين حفظوا عن ظهر قلب تقرير مؤسسة راند الأمريكية: العراق هدف تكتيكي، والسعودية هدف إستراتيجي، ومصر الجائزة الكبرى!
مصر جائزة بالفعل، لكنها جائزة لأبنائها وحدهم، وهي درع حصين، لكنها درع للعرب وحدهم، لديها أسرار الوجود العميقة، لا تظهر إلا ساعة العاصفة، ولديها أبناء هم حاصل جمع التاريخ المصري والعربي، يتقدمون للتضحية دون تردد، أو خوف، بثبات ويقين، مهما تكن قوة الأعداء، وقوة الروابط الداخلية والخارجية، ومهما تكن جذور التنظيمات عابرة الحدود.
هبت العاصفة الاصطناعية بالفعل، تقدم أحد هؤلاء الأبناء إلى خط تماس العاصفة، قادمًا من مدرسة وطنية تعود إلى سبعة آلاف عام، يحمل اسمًا عاديًا كملايين المصريين هو الرئيس عبد الفتاح السيسي، كاسرًا لعبة تم التخطيط لها على مدى قرنين، تعايشت معها مصر ودول الإقليم دون جدوى، واكتشف الأعداء أنهم لم يقرأوا جيدًا عن أحمس أو رمسيس، أو سيف الدين قطز، أو الظاهر بيبرس، إلى آخر السلسلة الذهبية التى تتجلى ساعة الخطر.
على مدى قرنين كاملين أعدوا العدة الكاملة تحت رعاية بريطانية فى قلب العرب، شكلوا تنظيمًا دمويًا، تم توزيعه على مدائن العرب، حظيت القاهرة بالخلية الأشرس في التنظيم منذ عشرينيات القرن العشرين، توسعت الخلية وتضخمت، عملت على مساعدة الاستعمار في غزواته التي لا تنتهي، تكرس التنظيم الدموي كحالة عصية على الاستئصال، وبعد خدمته الطويلة، كان لا بد من جائزة، وكانت مصر الجائزة مفتاح الإقليم العربي، وظن الرعاة أن وقوع مصر في الأسر سيجعلها تستكين، وتمضي فوق جسورهم، لكنهم لم ولن يعرفوها.
اقتربوا من قدس الأقداس، فتلقوا العقاب المستحق، تمزقت كل أوراقهم السرية والعلنية، تاهوا في صحراء العالم، فنجت المنطقة بالكامل من لعبة دموية، لا تزال بعض جمراتها تحت الرماد، نجت حين اختار السيسي قطع المسافة إلى آخر الشوط بيقين، كشفرة مصرية لا يستطيع أن يقرأ محتواها المدبرون مهما اتصفوا بالمكر والدهاء.
شفرة مصرية، تكسر قسوة الاختبار، تتمسك هذه المرة باجتياز نصف المتر الأخير لإعلان النصر الذي تأخر قرنين منذ محمد على باشا.
الأهرام