قاعدة ذهبية اعتمدتها إسرائيل في التعامل مع الملف الفلسطيني على مختلف تفرعاته، خاصة فيما يتعلق بالمسألة الاستيطانية، رأينا ذلك في التعامل مع ملفات اتفاق أوسلو، أمّا في المسألة الاستيطانية فهناك سياسة تقليدية أثبتت نجاعتها، أولاً وقبل كل شيء يستولي المستوطنون على الأرض ثم ينثرون الكرفانات، ثم المباني وتبدأ المنازعات بين القانون والمستوطنين وفقاً للمفهوم الإسرائيلي، وتبدأ الضغوط ثم تتحول المستوطنات غير القانونية بالمفهوم الإسرائيلي أيضاً إلى مستوطنات قانونية مع أنّ كل أشكال الاستيطان غير قانوني أصلاً.
هذه السياسة يمكن إدراكها بوضوح عند التعامل الإسرائيلي مع مستوطنة "أفيتار"، وللتذكير فإنّ ملف هذه المستوطنة يُشير إلى مدى قدرة نتنياهو على استثمارها لصالح استمرار قيادته لليمين الإسرائيلي، فهذا الملف فتح منذ شهرين عندما كان يسعى لتشكيل حكومة وعندما قرّر قائد المنطقة الوسطى في جيش الاحتلال ترحيل المستوطنين مع ممتلكاتهم وهدم الأبنية المقامة على المستوطنة باعتبارها غير قانونيّة تقاعس عن التنفيذ خاصة بعد فشله في تشكيل الحكومة ورحّل هذا الملف إلى حكومة بينيت كي يشكل لغماً من شأنه الإطاحة بها.
يقال، إنّ هناك تسوية بشأن ملف "أفيتار" إلاّ أنّ هذه التسوية ما هي إلاّ استسلام فاضح للمستوطنين من شأنه أن يتكرر بـ"أفيتار" مع "أفيتار" جديدة بين وقتٍ وآخر يضع حكومة بينيت من جديد تحت خطر السقوط، وليس كل مرة من الممكن أن ينجح في التوصل إلى تسوية مع أطراف المعارضة الداخلية لحكومته كـ"ميرتس" وحزب العمل وربما القائمة الموحدة، هذا الملف يعتبر إرثاً ملغوماً على الدوام نجح نتنياهو في أن يلازم حكومة بينيت.
المعارضة الداخلية لهذا الملف لحكومة بينيت، كانت تعتمد على وزير الحرب بيني غانتس الذي سبق وأن قرر المضي قدماً في تنفيذ قرار قائد المنطقة الوسطى للجيش، إلا أنه وفقاً للتسوية المشار إليها فقد خذل ما يمكن أن يشكل حلفاً داخلياً بقيادته، ويعود هذا الخذلان في جزء منه إلى الطابع الانتقامي لأطراف المعارضة الداخلية بعدما خذلته عندما حاولت تشكيل لجنة تحقيق رسمية في قضية الغواصات، هذه المحاولة تم صدّها من قبل وزراء في حزبي العمل و"ميرتس"، وربما انتقاماً أيضاً من يائير لابيد الذي بات في مكانة رئيس الحكومة البديل بعدما كان غانتس في هذه المكانة في الحكومة السابقة، وهكذا فإنّ غانتس وكأنه يطلق النار على قدميه وذلك بالتوازي مع جهود التوصل إلى تسوية كان بالأصل يرفضها.
أكثر من ذلك، فإنّ غانتس قدّم هدية إضافية للمستوطنين في إطار هذه التسوية، فقد كان الجيش يرفض في السابق وضع قوة عسكرية في المستوطنات إلاّ لضرورات أمنية بحتة، لكن غانتس وفي سياق التسوية المشار إليها، وافق على سابقة عندما تقرر وضع قوة عسكرية في المستوطنة إلى حين استكمال فحص الحدود، ما من شأنه من الناحية العملية الإبقاء على القوة العسكرية دون دواعٍ دفاعية أو أمنية.
"حضوركم إرباك" هذا ما جاء في نهاية دعوة العريس أمين بني شمس من قرية بيتا لكي يزف على قمة جبل صبيح وذلك في سياق الإرباك الفلسطيني الدائم في هذه المنطقة المهددة بالاستيطان، وبينما الفلسطينيون ينشرون الأفراح على قمة هذا الجبل فإن المستوطنين يعيشون تحت طائلة الإرباك والإزعاج.
وكان من اللافت بيانات بعض الفصائل إلى "إخلاء المستوطنة" فإن الأمر على خلاف ذلك، فالمستوطنة ستصبح مقراً لمدرسة دينية للمستوطنين وفي كل الحالات سيتم السطو على الأرض الفلسطينية، بصرف النظر عن تفاصيل التسوية التي تمت الإشارة إليها.
الأيام