سلوى عمار: مفاجأة مدوية فجّرها رئيس الوزراء اللبناني المُكلف سعد الحريري، أسفرت عن حالة من الهرج والمرج عمّت أرجاء لبنان، فلم يكن اعتذار الحريري عن تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة ليمر مرور الكرام، فقد خلّف هذا الإعلان أضرارا اقتصادية واحتجاجات هائلة وأعمال شغب عمّت الشوارع اللبنانية.
الحريري يعتذر عن تشكيل الحكومة
بدأت الأحداث بإعلان اعتذار الحريري عن تشكيل الحكومة، وقوله عقب لقائه الرئيس ميشال عون، في قصر بعبدا، إن الأخير طلب منه تعديلات جوهرية على الحكومة، والواضح أنه لا ثقة بالموضوع وقدم اعتذاره عن عدم تشكيل الحكومة قائلا، "والله يعين البلد".
وبعد إعلانه، ظهر الحريري في مقابلة تلفزيونية مع قناة الجديد اللبنانية، تحدث خلالها عن تفاصيل الوضع الراهن وما أدى لاعتذاره لا سيما بعد تقديمه تشكيلة الحكومة الأخيرة التي رفضها الرئيس ميشال عون، فقال إنه طلب من الرئيس عون أن يتم اتخاذ قرار سريع لأنه مضى وقت على التشكيل، لافتاً إلى أنه رشح نفسه لكي يشكل بحسب المبادرة الفرنسية أي حكومة أخصائيين، وموضحاً انه اعتذر عن حكومة ميشال عون بعدما ذهب إلى فخامة الرئيس بكلّ انفتاح وقدم تشكيلة حكومية لدراستها، وأنه تمنّى على الرئيس عون "إذا بدك 24 ساعة جديدة مستعد وهذا لا يعني أنني أفرض شروطا عليه وهني فهموها هيك"، وفق تعبيره.
وأضاف الحريري، أنه لم يفرض أي شروط على الرئيس عون، وأنه عرض فكرة تغيير عدد من مرشحي الحقائب السيادية، مشدداً على حاجة لبنان الماسة إلى حكومة لوقف حالة الانهيار الحاصلة في البلاد.
الرئاسة ترد على الحريري
من جانبها قالت الرئاسة اللبنانية، إنه بعد اعتذار الرئيس المكلف، سعد الحريري سيحدد رئيس الجمهورية موعداً للاستشارات النيابية الملزمة في أسرع وقت ممكن، موضحة أن الرئيس عون عرض على الرئيس المكلف سعد الحريري، خلال لقاء اليوم، ملاحظاته على التشكيلة المقترحة طالباً البحث في اجراء بعض التعديلات للعودة إلى الاتفاق الذي تم التوصل إليه خلال الفترة الماضية من خلال مسعى الرئيس نبيه بري.
وكان الحريري، قد تقدم بتشكيلة حكومية من 24 وزيراً، أمس الأربعاء، وقال إنه ينتظر جوابا من الرئيس اللبناني بحلول اليوم الخميس، موضحاً أنه بالنسبة له هذه الحكومة قادرة على أن تقوم بالبلد وتبدأ بالعمل على وقف الانهيار، فيما رد عون بأن التشكيلة التي قدمها الحريري تتضمن أسماء جديدة وتوزيعا جديدا للحقائب والطوائف، بشكل مختلف عما تم الاتفاق عليه سابقا.
جاء ذلك بعدما استلم عون رسالة مشتركة من وزيري خارجية الولايات المتحدة وفرنسا، بشأن الوضع اللبناني، اليوم الخميس، وذلك قبيل رده على التشكيلة الوزارية التي قدمها له رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري، وأكد عون أن محتوى الرسالة ينمّ عن اهتمام واشنطن وباريس بالوضع اللبناني، وبضرورة تشكيل حكومة جديدة.
شوارع لبنان تنتفض غضبا
وفور إعلان الاعتذار، سُجِلت بعض التحركات الاحتجاجية في عدد من المناطق وقطع للطرقات، وأفادت مصادر محلية لبنانية، بتصاعد حدة المواجهات قرب مدرسة عمر فروخ في منطقة الكولا في بيروت بين محتجين وعناصر الجيش، كما أن محتجين قطعوا طريق البربير في بيروت ايضا باتجاه منطقة سباق الخيل بالاتجاهين.
وكشفت المصادر، أن محتجين قطعوا الطريق تحت جسر "الكولا" في بيروت بحاويات النفايات، فيما قطع آخرون بالضاحية الجنوبية للعاصمة طريقا عند المفرق المؤدي إلى منطقة بئر العبد، وفي طرابلس شمالي لبنان، تحدث شهود عيان عن دعوات عبر مكبرات الصوت في المدينة للنزول إلى الشوارع عقب اعتذار الحريري.
وأفادت المصادر، بأن شبانا في مدينة صور عمدوا، عقب إعلان الحريري اعتذاره، إلى تحطيم محتويات المطاعم والمقاهي وطردوا الزبائن منها، وفي صيدا بالجنوب، أقدم عدد من المحتجين على قطع جزئي للطريق في محلة القياعة بحاويات النفايات احتجاجا على اعتذار الحريري وعلى الارتفاع الجنوني لسعر صرف الدولار أمام الليرة المحلية، بعدما تخطى عتبة العشرين ألف ليرة لأول مرة، وكذلك احتجاجاً على تأزم الوضع السياسي والمعيشي في البلاد دون إيجاد حلول للأزمة، وعلى الطريق الرابطة بين بيروت والجنوب، أعلنت غرفة التحكم المروري قطع السير على أوتوستراد الناعمة بالاتجاهين.
تداعيات اعتذار الحريري
عاد الدولار الأمريكي ليرتفع بشكل جنوني عقب اعتذار الحريري، متخطيا عتبة العشرين ألف ليرة، ولفت موقع "لبنان 24" إلى أن سعر الدولار بين مبيع وشراء، تراوح بين الـ19900 و20000 ليرة في السوق الموازية بعد اعتذار الحريري، بعدما كان سجل صباحا سعرا بحدود 19200 ليرة، مشيراً إلى أن هناك ترجيحات بارتفاع سعر الدولار أكثر في السوق الموازية.
ردود أفعال على القرار
قال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان، إن زعماء لبنان يبدون عاجزين عن إيجاد حل للأزمة التي تسببوا فيها، مؤكداً أن الإخفاق في تشكيل الحكومة اللبنانية حدث مروع، وقالت الأمم المتحدة إنها تأسف لعدم تمكن قادة لبنان من الاتفاق على تشكيل الحكومة، فيما أعرب الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، عن خيبة الأمل الكبيرة إزاء قرار رئيس الوزراء اللبناني المكلف سعد الحريري بالاعتذار عن تشكيل الحكومة اللبنانية، قائلاً إنه يعتقد أن تبعات اعتذار الحريري قد تكون خطيرة على مستقبل الوضع في لبنان.
ولفت أبو الغيط إلى أن مسؤولية الفشل والتعطيل في التوصل إلى التوافق السياسي باتت معروفة للقاصي والداني؛ وإن كان الإنصاف يقتضي أيضاً تحميل جميع السياسيين اللبنانيين مسؤولية إيصال لبنان الي هذا الوضع المتدهور الذي لا يستحقه شعب لبنان الصامد والمثابر.
وكان الحريري كُلف بتشكيل الحكومة في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي عقب استقالة حكومة حسان دياب إثر انفجار مرفأ بيروت، لكنه عجز خلال أشهر على إيجاد صيغة للتوافق على تشكيلة حكومية تبدأ مسارا إصلاحيا يطلبه المجتمع الدولي لمساعدة لبنان على الخروج من أسوأ أزمة مالية واقتصادية تعصف بالبلاد، وتتولى في الوقت الراهن حكومة حسان دياب، مهمة تصريف الأعمال إلى أن يتم تأليف حكومة جديدة، في وقت تقف البلاد على عتبة انتخابات نيابية عامة من المقرر إجراؤها في ربيع العام المقبل 2022.
ومع هذه التخبطات يبقى الحال على ما هو عليه، متأزماً، متدهوراً، ويبقى الانهيار سيد الموقف إلى حين إشعار آخر.