منذ أن توقفت "معركة مايو" الأخيرة، كان متوقعا جدا، ألا تمر مرورا عابرا على دولة الكيان، ليس لأنها سجلت نصرا "تاريخيا"، كما يدعي بعض الساذجين، وليس لأنها كسرت ظهر العدو القومي، فتلك حساباتها مختلفة جدا، ولكن لأن" معركة مايو" أعادت الضوء ثانية الى حضور القضية الفلسطينية، وأربكت جدول أعمال الكيان، ومعه الولايات المتحدة.
إسرائيل، التي صنعت الانقسام بمساعدة أطراف إقليمية، تدرك يقينا معنى نهايته ومخاطره الحقيقية على مشروعها التهويدي، والذي تراه حقق أغلب أركانه في الضفة وبعض القدس، وهو لا غيره كان النفق الذي أدى بالقضية الفلسطينية الى حاله تيه طويل، وأجل طويلا إعلان دولة فلسطين، التي باتت حقيقة قانونية – سياسية عالميا، ولكنها الغائب الأبرز كيانا قائما فوق أرض فلسطين، بقرار ذاتي وليس بغيره.
ولأن أبرز ملامح "معركة مايو" الأخيرة، ليس سقوط صاروخ هنا أو هناك، ولكن تلك الوحدة الشعبية الفلسطينية التي تجسدت حيث يوجد فلسطيني، وحدة بلا قرار ولا مرسوم ولا لقاء الرفاهية الفصائلي، جاءت نتاج لحظة فخر وطني ردا على تطاول عدو، وتلك كانت السلاح الخطر الذي أصاب دولة الكيان بهوس سياسي، أطلقت كل خبرتها لمحاصرة تلك الانطلاقة الشعبية، التي كان لها أن تعيد رسم قاطرة التحرر الوطني في سياق جديد.
أدركت إسرائيل، وأجهزتها، أن النصر الأبرز في "معركة مايو" لا يجب أن يستمر أي كان ثمنه، فبدأت بفتح كل جبهات الفرقة والتفريق، مستغلة "ثغرات الذات"، المرض المزمن فصائليا، فمن ترهيب فتح (م7) من القادم لها بعد ما حققته حماس من "مكاسب" وخطتها للإطاحة بها ودورها التاريخي، الى النفخ في سور قيادة حماس، بأن الوقت بات وقتها، ولا يجب أن تنتظر كي لا تضيع فرصتها في فتح معركة "البديل – الوريث".
وكأن الأمر أصابه مس من "السحر الغريب"، عندما وقعت الحركتان في مصيدة خطيرة جدا، أن الخطر من هذا ضد ذاك وليس من العدو القومي، وبدأت كل منهما صياغة رؤيتها وفقا لما بدأ وكأنه "جدول أعمال جديد"، اولويته من ينتصر في معركة "البديل – الوريث".
الفلسطيني المتابع لبعض من وسائل إعلام الحركتين، والى سلوك وتصريحات بعض من مسؤوليها، يدرك أن الأمر لم يحتاج لا جهدا ولا وقتا، لينكشف أن المسألة جزء من "المخزون الذاتي"، ولكنه كان ينتظر لحظة ما.
ورغم بروز ملامح كفاحية في بعض مناطق الضفة، خاصة في القدس وجنين وجبل صبيح، وبروز وجه المقاومة الشعبية التي غابت كثيرا عن الضفة والقدس، وكذا بعض ملامح حضور عمليات مقاومة ضد جيش الاحتلال وأداته الإرهابية (المستوطنين)، لكنه تم حصار تلك الملامح سريعا، ليس من جيش العدو فقط، بل من خلال عملية "استبدال المعركة" من - الى...
ودون بحث تفاصيل في عناوين ما حدث في بقايا الوطن، وعناوين نقل المواجهة من إرباك عدو ترنح بعد زمن من الغياب خلال "معركة مايو"، الى ترنح فلسطيني بشكل مثير للاشمئزاز الوطني، وبما لا يمنح الإنسان أملا بقادم جديد قريب، غير مواصلة الظلام الانقسامي، وفرض صفقة لـ "حل ممكن"، جوهرها تهويد البراق وبعض القدس، مع مناطق في الضفة وحرمان السيادة من أن تكون لأهلها.
نعم، نجح العدو في منع نقل معركة الارباك الشعبي التي بدأت تنطلق في الضفة والقدس لتكون هي الخيار لحصاره وطرده...وواصل هيمنته في فرض خيار الانقسام ولكن بشكل سوداوي أكثر!
هل من خيار ممكن...نعم ولكن ينتظر غضب شعبي حقيقي ربما بات أولوية ليتمكن من حماية "بقايا بقايا الوطن"!