- إصابات بقصف الاحتلال مركبة في مدينة صور، جنوب لبنان
- جيش الاحتلال يطلق قنابل دخانية بشكل كثيف غرب مخيم النصيرات
فجأة أعلن عن تعليق الجولة التفاوضية السابعة لمحادثات فيينا؛ لعودة المتفاوضين إلى بلادهم للتشاور، وجاء ذلك بعد أن بدا أنها توشك على التوصل لاتفاق لعودة العمل بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران وفق اتفاق العام 2015، المبرم بينهما ضمن إطار الدول الخمس + واحد، وذلك بعد أن تقدمت إيران باقتراحات بناءة توازي بين رفع العقوبات التي سبق أن فرضها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، بعد أن أعلن انسحابه من الاتفاق من جانب واحد، وبين عودة المراقبين الدوليين، والتوقف عن متابعة تخصيب اليورانيوم.
هذه المرة لا يمكننا القول، إن سبب تعثر المفاوضات يعود لإسرائيل التي سعت، وبكل ما تملكه من تأثير على القرار الأميركي، لمنع إطلاق مفاوضات فيينا، أولاً، وتالياً إلى عرقلتها عبر المطالبة بتعديل اتفاق 2015 وعدم العودة له كما كان، بإضافة بنود أخرى تكبّل إيران، وتجعل قبولها بها أمراً يشبه الاستسلام لمحاولة إسرائيل تفريغ كل الشرق الأوسط من القوة الإقليمية، حتى تنفتح أمامها كل أبواب الإقليم لتمتد بنفوذها من باكستان إلى المغرب، ومن طوروس إلى كينيا!
لكننا نعتقد أن سبباً آخر قد أثر على مفاوضات فيينا، وعرقل توصلها في جولة محادثاتها الأخيرة إلى الاتفاق المنشود، والذي كان أعلن عشية إطلاق الجولة السابعة، بأن الطرفين على مقربة واضحة من الاتفاق. أما ما هو هذا السبب، وهذا السبب الآخر نعتقد أن له علاقة بما يحدث من توتر على حدود أوكرانيا بين الدولة الثانية من حيث القوة النووية والأهمية بعد روسيا بالطبع، من بين الدول التي كانت تشكل الاتحاد السوفياتي السابق، ومن بعده مجموعة الدول المستقلة.
ولأنها بهذه الأهمية، ولأنها على حدود جغرافية مع روسيا، فإن اللعب الأميركي في أوكرانيا، يعني الدخول إلى موسكو، ووضع الكرملين تحت تأثير التدخل الأميركي المباشر في الشأن الروسي الداخلي، كما لو أن موسكو قد وضعت قدمها في كوبا أو كندا، ومن الواضح أن أميركا بعد أن قامت باحتواء أوروبا الشرقية التي كانت طوقاً يحمي ظهر روسيا، والذي كان ضمن معسكرها الشرقي إبان الحرب الباردة، وضم معظم دولها، إما للناتو أو للاتحاد الأوروبي، باتت محاولتها للدخول إلى الحديقة الخلفية لروسيا يعني ليس عودة التوتر الدولي بين أعظم قوتين نوويتين في العالم، ولكن ربما عودة أجواء الحرب الباردة التي ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية، وقسمت العالم إلى معسكرين، والتي رغم أنها منعت اندلاع حرب عالمية ساخنة ثالثة، إلا أنها أدارت حروباً إقليمية عديدة في غير مكان من العالم.
وقد بدأ الأمر يأخذ منحاه الميداني؛ بعد نشر روسيا قواتها العسكرية على الحدود مع الجار المناكف الذي يقيم تحالفاً استراتيجيا مع الغرب، ويغلق أبواب الجيرة الحسنة مع روسيا، وذلك بالتزامن مع الحديث عن ضم أوكرانيا إلى حلف الناتو، وهذا يعتبر عند موسكو بمثابة إعلان الحرب عليها، وصحيح أن هناك مشاكل بين روسيا وأوكرانيا بحاجة إلى حل، بدءاً من الخلاف حول جزيرة القرم، وليس انتهاء بالتداخل بين مواطني البلدين، حين كانا ضمن دولة واحدة لمدة تقرب من 70 عاماً، حيث هناك ملايين البشر الأوكرانيين يتحدثون الروسية، كما أن هناك تزاوجاً وتداخلاً في كل المستويات الاجتماعية بين المجتمعَين لا يمكن لحكومة أوكرانية أن تتجاهلها فتحدِث التوتر ثم تحتمي بالغرب الذي يتطلع، وخاصة الولايات المتحدة، إلى تحجيم روسيا وإعادتها إلى عهد بوريس يلتسين، حين كانت بلا حول ولا قوة سياسية دولية.
وعكس ترامب، الذي بدأ عهده بتحديد جبهة الخصوم، بكل من كوريا الشمالية وإيران، جاء جو بايدن ليحدد أن أول الخصوم هي روسيا، ثم الصين، وهذا يعني أن واشنطن تسعى بكل قوة إلى فتح حرب سياسية على روسيا، قد لا تنتهي بمجرد فرض العقوبات الاقتصادية عليها.
وحتى تنجح واشنطن في مسعاها، فإنه لا بد لها أن تتفرغ للمهمة تماماً، لذا أغلقت ملف أفغانستان، وهي تسابق الزمن من أجل إغلاق الملف الإيراني، وهي خرجت من مسار ترامب تجاه الصين، الذي بلغ ذروته حين اتهمها بإطلاق فيروس كورونا، لكن واشنطن أعلنت على لسان رئيسها والمسؤولين الآخرين، بمن فيهم وزيرا الخارجية والدفاع، عن التزام أميركا بالدفاع عن أوكرانيا ضد أي هجوم، وليس فقط منع الاعتداء على الدولة الحليفة، وذلك بالتزامن مع الرد الأميركي السلبي على مطالبة روسيا بتوفير الضمانات الأمنية التي تريدها؛ لتبديد مخاوفها من تدخل أوكرانيا في شؤونها برعاية معارضين روس.
ولم تكتف واشنطن بإرسال المعدات العسكرية وتقديم الدعم السياسي والمالي إلى كييف، بل أعلنت عن إرسال جنود أميركيين إلى أوروبا الشرقية، ليكونوا على مقربة من جغرافيا التوتر على حدود أوكرانيا، أو لبثّ رسالة لموسكو مفادها بأن احتواءها لأوكرانيا، وإغلاق الطريق أمام التوغل الغربي على حدودها، سيقابل بتعزيز الوجود العسكري الغربي في أوروبا الشرقية، بما لا يعني إغلاق الطريق أمام عودة ممكنة للنفوذ الروسي في منطقة كانت حليفتها سابقاً وحسب، بل يعني أيضاً تفعيل الناتو، وعودة السطوة الأميركية على أوروبا الغربية، والتي كان عنوانها الناتو إبان الحرب الباردة، حين كان خوف أوروبا الرأسمالية من الشيوعية السوفياتية سبباً يدفعها للارتماء في أحضان الولايات المتحدة.
هذا يعني بكل وضوح أن الولايات المتحدة، التي أعلنت منذ دخول بايدن البيت الأبيض عن أنها لن تخرج من العالم لتنكفئ داخل حدودها، بل على العكس ستعود من أجل قيادة العالم، ومدخلها إلى ذلك بالطبع البوابة الأوروبية، حليفها الإستراتيجي السابق، وكان أن أزال بايدن كل الشقوق التي أحدثها ترامب بفرض الضرائب على البضائع الأوروبية، والخروج من اتفاقيات المناخ وغيرها، وبقي على واشنطن أن تعزز هذا المنحى الذي كان عنوانه دائماً هو الناتو، بتوتير الأجواء مع روسيا لتحقيق هذا المأرب!
لذا أغلب الظن أن حاجة واشنطن للتفرغ لمقارعة روسيا لاحتواء أوروبا وتعزيز نفوذها حتى الشرق الأدنى، كانت تدفعها إلى التعجيل بإغلاق الملف الإيراني، الأمر الذي فطنت له كل من طهران وموسكو، ولتحقيق مكاسب إضافية تباطأت الاستجابة الإيرانية مقابل الاندفاعة الأميركية نحو إغلاق الملف بينهما في فيينا.