استكملت كافة الترتيبات لانعقاد المجلس المركزي الفلسطيني في السادس من شباط الجاري ويأتي انعقاده هذا بعد مضي ما يزيد عن ثلاث سنوات على اجتماعه الأخير عام ٢٠١٩ بما يخالف الأنظمة والقوانين المعمول بها التي تلزم انعقاده كل ثلاث شهور.
وتحيط بانعقاد اجتماع المجلس المركزي ملابسات عديدة تصل لدرجة التشكيك في النوايا التي تقف خلف دعوته للانعقاد الأمر الذي يضعه أمام تحديات إضافية لدرء ما يشاع حول ذلك من اتهامات كبيره تبرر معظمها التجارب السابقة خاصة في ما يتعلق بعدم تنفيذ ما سبق وإن اتخذه المجلس من قرارات هامة على الصعد السياسية الأمر الذي يفتح باب التشكيك على مصراعيه بأن يكون مصير قرارات الاجتماع الحالي كما سبقها من قرارات،، كما أن انعقاده هذا يأتي في ظل تحديات ومخاطر كبيره تتهدد القضية الوطنية الفلسطينية برمتها حيث يتواصل العدوان والاستيطان واستهداف القدس واللاجئين وتشديد الحصار على قطاع غزة ومواصلة أعمال القتل والاعتقال تقوده حكومة تسعى لان تكون اكثر تطرفاً وعنصرية من سابقاتها مؤكدة في كل وقت على رفضها لأي مسار سياسي يقود لتسوية عادلة وتصر على حصر أي بحث تحت سقف ما يسمى بالتحسينات الاقتصادية والالتزامات الامنية.
وما من شك يمكن القول أن الشعب الفلسطيني واجه بشكل موحد خلال الأربع سنوات الماضية الخطة المشؤومة وتمكن من وقف تنفيذها لكن لابد من القول أنه بالرغم من رحيل الرئيس الأمريكي السابق ترامب ومعه كان من المفترض أن ترحل خطته البائسة إلا أن الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة جو بايدن ما زالت تسير على ذات النهج عبر التنفيذ الناعم لمحاور الصفقة بحيث لم تُقدم إدارة الرئيس الأمريكي الجديد على أي خطوة ذات جدوى ، وعلى المجلس المركزي أن يلحظ بوضوح أن هذه الإدارة ما زالت تطلق الوعود وتستدعي الرهانات دون أي التزام باستثناء عودة بعض فتات المساعدات المالية للسلطة ولوكالة الغوث في إطار المسعى لتكريس الحل الاقتصادي وهو جوهر خطة ترامب المشؤومة .
إن وعود إدارة بايدن التي جرى الرهان عليها كثيرًا وأدت للتراجع والارتداد المتفرد عن تنفيذ قرارات المجلس المركزي والقيادة الفلسطينية والأمناء العامون ،فيما يتعلق بوقف العمل بالاتفاقات ووقف التنسيق الأمني وسحب الاعتراف ، هذه الوعود تتجدد الآن دون أي مؤشرات للتنفيذ الأمر الذي يجعل استمرار المراهنة عليها أقرب للعبث، خاصة وانه بعد مضي ما يزيد عن عام اتضح دون عناء أنها مجرد وعود لم يتحقق منها شيء بل استبدلتها إدارة بايدن بالتلويح بورقة التحسينات الاقتصادية وما يسمى بإجراءات بناء الثقة، إن هذه المخاطر بادية وتتعمق في ظل حكومة الرباعي بينت، لابيد، غانتس، منصور عباس حيث تتواصل سياسية العدوان والاستيطان والحصار والعزف أيضًا على وتر التحسينات الاقتصادية وإجراءات بناء الثقة في الضفة وعلى انغام خطة لابيد الاقتصادية تحت مسمى التفاهمات التي ترمي لفصل قطاع غزة ووضعه على سكة طريق مختلف بما يحول دون إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.
إن هذه المسارات تتقدم بشكل حثيث لتصفية القضية الفلسطينية وتتقاطع بكل أسف مع مسار تسارع خطوات التطبيع بين العديد من الدول العربية ودولة الاحتلال، كما وتتقاطع مع تشجيع بعض الدول الإقليمية لمسعى دولة الاحتلال لفتح مسار الحلول الاقتصادية والتعامل مع شعبنا الفلسطيني كمجموعات متفرقة تغرق كل منها بهمومها الحياتية الصعبة، ومستغلة ما يعيشه شعبنا من قتل وحصار وتجويع من قبل الاحتلال بالإضافة إلى تردي الأوضاع وتزايد الانتهاكات الداخلية وانعدام الثقة وتعميق حالة الانقسام والوصول إلى حافة التشكيك بالتمثيل الفلسطيني الموحد عبر منظمة التحرير الفلسطينية، بات يخلق أرضية خصبة لطرح متنامي يفتح الطريق من محاور مختلفة تقود في النهاية لتصفية القضية الفلسطينية وتحويل شعبنا لمجموعات سكانية تفتقد لكيانها السياسي الموحد.
وإلى جانب كل ذلك فإن المجلس المركزي الفلسطيني ينعقد ومنظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد تعاني من ضعف وتهميش وتراجع ملموس لعمل دوائرها ومؤسساتها بما فيها عدم انتظام اللجنة التنفيذية التي يجب أن تجسد أرقى أشكال الشراكة السياسية وتمثل الخلية القيادية الأولى للشعب الفلسطيني، وفي ظل حالة الترهل هذه التي باتت تطال كافة مؤسساتها ودوائرها سال لعاب المتآمرين على المنظمة وفتحت شهية كل الراغبين بابتزازها واضعافها تحت وهم البحث عن بديل أو موازٍ لها الأمر الذي لن يتحقق أولاً لأن شعبنا لن يمرر ذلك وثانيًا فإن الظروف الإقليمية والدولية التي يمكن أن تساعد وتسعى لتدمير المنظمة فهي لن تساعد بالقطع على وجود منظمة تحرير قوية واكثر ثورية كما يتوهم البعض .
أمام هذا الواقع المعقد والصعب والملتبس في الكثير من جوانبه فان المسؤولية الوطنية الماثلة امام المجلس المركزي وقد أصبح انعقاده أمراً واقعاً باتت تتجاوز حدود الدعوة لمقاطعته وانتظار ما يصدر عنه من نتائج ومن ثم المطالبة بتنفيذها والالتزام بها، هذه المسؤولية تتطلب أكثر من أي وقت من المجلس المركزي تبديد المخاوف لتجاوز ما يتعرض له من تشكيك وذلك بالإصرار على اعتماد استراتيجية شاملة تتضمن مفاصل مهمة لضمان نجاحها تتناول:
- تقييم المرحلة السابقة والاتفاق على الاستراتيجية السياسية للدفاع عن المشروع الوطني الفلسطيني والاصرار على تنفيذ قرارات المجلس الوطني والمركزي والامناء العامون في ٣-٩-٢٠٢٠ و١٩-٥- فيما يتعلق (بإلغاء الاتفاقات مع الاحتلال وقف التنسيق الامني، وسحب الاعتراف بدولة الاحتلال وتفعيل المقاومة الشعبية، الدفاع عن القدس ومكانتها، ورفض التوطين والتمسك بحق العودة، تعزيز صمود المواطنين ووقف الانتهاكات وضمان الحريات.
- وقف الرهان على الوعود المتكرر التي تطلقها ادارة بايدن ورفض الانزلاق لمصيدة التحسينات الاقتصادية وما يسمى بإجراءات بناء الثقة.
- الاتفاق على أسس الشراكة السياسية وترجمتها الواضحة لتعزيز دور ومكانة منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا (اللجنة التنفيذية، المجلس الوطني، المجلس المركزي، ومؤسساتها كافة) ومراعاة الالتزام بالنظام الاساسي لمنظمة التحرير في كافة الإجراءات المنوي اتخاذها
- الاتفاق على آلية الرقابة على عمل الحكومة وكذلك على سلسلة التشريعات التي تصدر بقانون.
- فتح الباب أمام الحوار الوطني بجدية لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية بدءاً من إعادة تشكيل المجلس الوطني الفلسطيني باعتباره جبهة وطنية متحدة، عبر الانتخابات والتوافق بين مكونات الشعب الفلسطيني وانطلاقاً من كون المرحلة مرحلة تحرر وطني.
- معالجة كافة الملفات العالقة لشعبنا في قطاع غزة. بشكل واضح دون تسويف، وبسط مظلة منظمة التحرير السياسية في قطاع غزة عبر القيام بمهامها ومسئولياتها تجاه شعبنا في القطاع.
- تعزيز دور الشعب الفلسطيني في الشتات وتوفير الرعاية للاجئين الفلسطينيين ورفض التوطين والتهجير والتمسك بحق العودة والحرص على استمرار دور الأونروا.
- مواجهة مسيرة التطبيع العربي وتعزيز العلاقات مع الأحزاب والشعوب العربية لتشكيل تيار شعبي موحد لمواجهة التطبيع.
- تعزيز علاقات التضامن مع شعوب العالم ومنظمات التضامن مع شعبنا وخصاصة BDS.
إن المجلس المركزي الفلسطيني يواجه أيضاً تحديات كبيرة بالإضافة لرسم السياسيات وتحديد الخيارات ووضع الآليات فإنه مدعو أيضاً بوضع خطة شاملة لاستعادة مكانة منظمة التحرير الفلسطينية وتعزيز الشراكة السياسية في كافة مؤسساتها بحث لا يجب أن يتم الاكتفاء بالوصول للقرارات السياسية بل الاتفاق الآليات والهياكل التنفيذية التي تضمن تنفيذ الاستراتيجية السياسية بعيداً عن أي شكل من اشكال التفرد أو الاقصاء كما بعيداً عن أي شكل من أشكال الابتزاز والاهتزاز.