- إطلاق نار من آليات الاحتلال شمال غربي مخيم النصيرات وسط قطاع غزة
القاهرة: كشف الصحفي المصري محمد المالحي النقاب عن أوراق خاصة جدا، بالمخرج السينمائي الشهير يوسف شاهين، تتضمن مخاطبات مع «الثقافة الفرنسية».. وإنذارا على يد محضر لـ «المهن السينمائية»، بالإضافة إلى خطاب لزكي فطين عبد الوهاب، يقول فيه «رشحتك لـ فيلم المهاجر، وانتظر ردَّك».
وأوضح المالحي في تحقيق موسع نشرته مجلة «الأهرام العربي»، والتي تعد واحدة من أبرز إصدارات مؤسسة الأهرام العريقة في مصر، أن الأوراق، التي اشتمل التحقيق على صور زنكوغرافية لها عُثرَ عليها في أحد المقالب المختصة بالنفايات يطلق عليها المصريون «روبابيكيا».
تفاصيل الأوراق الخاصة جدا، تكشف سر المعركة القضائية بين شاهين والإعلامية اللبنانية منى غندور بسبب «سيناريو الرائدات».
وقال الصحفي المصري، إنه «كما تنتخب الحياة عناصرها، تنتخب «الوثائق» و«الأرشيفات» من تمنحه سحرها وأسرارها، حيث بات محترفو جمع الوثائق والأرشيفات النادرة في مصر وعالمنا العربى، في كثير من الأحيان «ذاكرة بديلة للتاريخ» فهم أشبه بصيّادي اللؤلؤ و«قنّاصة» كل ما هو ثمين ونادر، لا تراه أعيننا أو تمنحه ذاكرتنا ما يستحقّ من التكريم».
وأضاف، «من بين هؤلاء الباحث والمؤرخ، مكرم سلامة - أحد أهم جامعى الوثائق والأرشيفات فى مصر والعالم العربى - الذى يمثِّل حالة فريدة لـ «الوثائقيين» الذين لا يرون العالم، إلا من خلال «عطر الوثائق والأرشيفات» ومتعة دخول «مدن الأساطير» عبر بوّابة صفحات التاريخ».
وقال المالحي، «منذ عدة أشهر ساقت الأقدار للعم مكرم مفاجأة فريدة من نوعها، حيث عثر مصادفة لدى تاجر ورق قديم بالقاهرة، على مجموعة كبيرة من الأوراق الخاصة للمخرج العالمى الراحل، يوسف شاهين، الذى مرت فى يناير الماضى ذكرى ميلاده الـ 97 (25 يناير 1926 - 27 يوليو 2008)، والأوراق تحمل شعار شركة ولوجو أفلام شاهين الخاصة (أفلام مصر العالمية) كذلك توقيعه، على عدد منها، وتعود لمنتصف تسعينيات القرن الماضي، وبدايات القرن العشرين».
ونقل التحقيق الموسع الذي نشرته المجلة على 3 صفحات، عن المؤرح سلامة، «هالتنى المفاجأة عندما وجدت أوراق يوسف شاهين، الخاصة، لدى أحد تجار الورق القديم، فى إحدى ضواحى القاهرة، واضطررت لشرائها ضمن نصف طن ورق قديم، ومجموعة من الكتب القديمة، حتى لا ألفت نظر البائع، أو يكون مصيرها شركة من شركات صناعة الورق بعد فرمها وإعادة تدويرها».
وأضاف، الأوراق تكشف النظام الدقيق ليوسف شاهين، فى إدارة شركة الإنتاج الخاصة به، عكس ما يشاع عنه، من أنه كان فوضويا، حيث تحوى مكاتبات رسمية بينه وبين محاميه الخاص، المحامى الراحل لبيب معوض، كذلك عدد من الجهات الرسمية فى الدولة، وعدد من القضايا المتبادلة بينه وبين عدد من الجهات الحكومية في مصر، ومخاطبات بين شركته وعدد من الجهات الأجنبية، منها وزارة الثقافة الفرنسية، وعدد من الفنانين أبرزهم الفنان الراحل زكى فطين عبد الوهاب، الذى عمل مساعدا له فى عدد من أعماله وظهر بها أيضا.
وتابع، لا أدرى كيف وصلت هذه الأوراق الثمينة لدى تاجر الورق القديم، الذى أكد لى أنه أشترى غالبية الكتب القديمة والأوراق المهملة من عددا من باعة الروبابكيا، باعتبارهم المصدر الرئيسى لغالبية المهملات فى الأسواق الشعبية القديمة والورق القديم!.
وقال، «للمرة الثانية تكون الأقدار كريمة معى، بإهدائى ما يخص المخرج العالمى الراحل يوسف شاهين، فمنذ نحو ربع قرن، قام وَرَثة المنتج جبرائيل تلحمي، ببيع محتويات مكتبه الخاص في القاهرة لإحدى صالات المزادات، فقمت بشراء بعض المحتويات، وبينها «نيجاتيف» فوجئت بأنه making لأهم ثلاثة أفلام فى مسيرة شاهين، وهى: «باب الحديد، صراع فى الوادى، صراع فى الميناء» يحوى قرابة 150 صورة، يظهر فيها «شاهين» خلف الكاميرا في أثناء توجيه أبطال الفيلم، الاستراحة، مع أبطال أفلامه وقتها: عمر الشريف، وفاتن حمامة، وهند رستم، وفريد شوقى.
وأوضح، قمت بإهداء نسخة من الصور لابنة شقيقته المنتجة ماريان خوري، فى ذكرى وفاته الأولى، التى نظمتها مكتبة الإسكندرية، عام 2009، وقد سعدت بها جدّاً، لأن شاهين نفسه لم يكن يملكها فى حياته (حسب تعبيره).
وتضم الأوراق، خطابا بتاريخ 13 مايو 2000، موجها للواء مصطفى عبيد، رئيس مجلس إدارة الشركة القابضة للسينما والإسكان والسياحة، بخصوص فيلم (الناس والنيل).
جاء فيه: نما إلى علمنا بأن الشركة في إطار خطة الدولة للخصخصة تتجه إلى بيع أصول الأفلام السينمائية (النيجاتيف) المملوكة للشركة، وحيث إنه من المفترض طبقا للقوانين والأعراف الدولية، أنه عند القيام ببيع أي جزء من التراث الفنى لأى بلد، أن يكون ذلك بشكل يحفظ حق الحفاظ على أصله، أى تتم عملية البيع عن طريق عمل (إنتر نيجاتيف) للفيلم والمحافظة على وجود النيجاتيف الأصلى مملوكا للدولة، لذلك يسعدنا أن نتقدم لكم بعرض شراء أصول الفيلمين، حيث إننى لى أولوية الشراء للحفاظ عليها بالشكل العلمى اللازم، طبقا لتوقيع مصر على معاهدة جنيف الدولية، وحيث إن حال نيجاتيف الفيلمين فى حالة يرثى لها، ويحتاج إلى ترميم سريع، حتى لا يتعرضان للتلف التام، الذى يؤدى إلى اختفائهما تماما كأنهما لم يصورا من الأصل، فنرجو التكرم بالموافقة على شراء أصول الفيلمين، فى أقرب فرصة ممكنة.
وختم الخطاب قائلا: وأنبهكم أنه لا يتم بيع أصول الفيلمين لأي جهة أخرى غيرنا، وإلا اضطررنا آسفين للجوء للقضاء المصرى ولمحكمة العدل الدولية!.
من بين الأوراق أيضا، إنذار على يد محضر بتاريخ فبراير 1999، موجه من يوسف شاهين، إلى يوسف عثمان، نقيب المهن السينمائية، وقتها، بشأن حق استغلال سينما كريم 1 وكريم 2، المؤجرتين لشركة أفلام شاهين، بتاريخ 10 ديسمبر 1981 لمدة 15 عاما من بداية التشغيل والافتتاح رسميا فى 5 مايو 1984.
وأوضح، حيث ينذر شاهين نقيب المهن السينمائية، بأحقيته فى تجديد التعاقد لتشغيل السينما، بناء على العقد المبرم بينهما وحقه فى الاستمرار بالأفضلية المقررة له فى العقد، ردا على إعلان نقابة المهن السينمائية فى الصحف- وقتها- عن رغبتها فى التعاقد مع الأشخاص الطبيعيين أو الاعتباريين لإدارة واستغلال دارى سينما كريم 1 ودار سينما كريم 2، ضمن الأوراق أيضا خطاب يحمل توقيع شاهين، موجه إلى محاميه لبيب معوض، المحامي الشهير، بتاريخ 10 أكتوبر 1990، جاء فيه: نتشرف بأن نرفق لسيادتكم الإعلان الوارد لنا من نقيب المهن السينمائية- ممدوح الليثى وقتها- بخصوص الدعوى رقم 76 لسنة 107 قضائية، استئناف القاهرة، طعنا على الحكم الصادر لصالحنا أمام الدائرة 6 ق استئناف القاهرة، والمحدد لها جلسة 15 أكتوبر 1990، شملت الأوراق أيضا خطابا من مدير عام شركة شاهين، جبرائيل خورى، موجه إلى المحامي لبيب معوض، بتاريخ 2 نوفمبر 1996، بخصوص حكم الاستئناف الصادر ضد شاهين، من قبل شركة مصر للاستديوهات والإنتاج السينمائى، المالكة لاستديو جلال، بحدائق القبة، بفسخ تعاقد تأجير الأستديو لشاهين، لقيامه بتأجير الأستديو من الباطن لشركة (أوسكار فيلم) المملوكة للمنتج وائل عبد الله، ومخالفته شروط التعاقد، بحسب الحكم.
وشملت الأوراق أيضا، خطابا وإنذارا على يد محضر، للكاتبة والإعلامية اللبنانية الشهيرة منى الغندور، أثناء إقامتها في مصر، بتاريخ 30 مايو 2001 جاء فيه: أشير إلى أن العقد المعقود بينا بتاريخ 26/ 3/ 2001 فى شأن التزامك بكتابه سيناريو فيلم 2 حلقة- عن عزيزة أمير، بهيجة حافظ، فاطمة رشدى، أمينة محمد، آسيا ومارى كوينى (رائدات فى السينما المصرية).. وإلى البند الثانى من المادة الثانية، الذى وضح التزاماتك بوصفك كاتبة للسيناريو.
وتعهدك بالقيام بـ ldu الأعمال الفنية اللازمة لكتابة سيناريو الفيلم محل العقد، ومن بينها: المعالجة، النص، تتابع الأحداث، السرد والحوارات، وإزاء امتناعك وتخلفك، فإن العقد يعتبر مفسوخا من تلقاء نفسه، مع تطبيق أحكام المادة السابعة من العقد!
ضمن الأوراق أيضا التى عثر عليها مكرم سلامة، كم كبير من أوراق تعديل تأسيس شركة (أفلام مصر العالمية) المملوكة لشاهين، والتى تم إنشاؤها عام 1972 كشركة توصية بسيطة، بين المبدع الراحل، متضامنا، ومارى ستيليو خاريس، موصية برأس مال خمسة آلاف جنيه، بسجل تجارى رقم 153039 القاهرة، فبحسب العقود تم تعديل عقود الشركة أكثر من مرة، وزيادة رأس مالها، ودخول وخروج شركاء أكثر من مرة أيضا.
أما أطرف ما فى الأوراق، فهو الخطاب الموجه من شركة شاهين، للفنان الراحل زكى فطين عبد الوهاب، بتاريخ 15 أغسطس 1993 ويحمل توقيع المنتج جابى خوري، أبن شقيقة شاهين، والذى جاء به: عزيزى زكى .. حاولت الاتصال بك عدة مرات، ولم أجدك، لقد تم ترشيحك على أن تقوم بالاشتراك فى فيلم (المهاجر) ليوسف شاهين، كمدير فنى لمواقع التصوير، وذلك ابتداء من أول سبتمبر حتى انتهاء التصوير فى 15 يناير 1994، أرجو قبول هذا العرض، ومستنى منك رد بسرعة.
ووصف المالحي، الراحل يوسف شاهين، بالقول، بـ«صاحب الوجه الناشف الممصوص، كأن الدماء لا تعرف الجريان فى عروقه، ملامح شديدة الحدة يخيل إليك أنها قدت من صخور أسوان، لعل نحاتا فرعونيا، أعجبته قطعة من الجرانيت مهملة فى أحد السهول، فراح يتسلى فى تسويتها، دون أن يعرف مقدما أى شكل يريد تجسيده، فإذا بطبيعة تكوينها الذاتى، تفرض عليه هذا الشكل الإنسانى، الملطوش بضربة الفن، المرصوف بزخم الحياة.
هذا النحات الفرعونى، رسم وجه يوسف شاهين قبل ميلاده بعشرات القرون، هذا الوجه الشعبى الصرف غير المصقول، غير المتناسق، غير الوسيم، الذى نراه كل يوم بين عربات الخضار والباعة السريحة، والصنايعية، والعيال المخربشين على نواصى الحارات والأزقة، وعلى المقاهى البلدية يلعبون الكوتشينة والدومينو، بالمشاريب ويثيرون صخبا ولغطا هائلين.
وجه غنى بكل الوجوه، يخفى بين جوانحه قلب فنان عملاق حنبلى الهوى، فيما يختص بقوانين الفن، لا يقبل الترخص أو التنازل عن أى ظل يهبط بعمله عن المستويات السامقة، كما يراها ويفهمها ويتطلع إليها.
هو الفنان المصرى الوحيد الذى دخل فى خصومات لا تنتهى مع جمهوره، وصلت أحيانا إلى حد اللجوء إلى القضاء للفصل فيها، ووصلت في معظم الأحيان إلى حد البهدلة والشرشحة فى الصحف وأركانها، وأبدا لا تتوقف الخصومة ولا العلاقة أو المحبة تنقطع!».
يمثل شاهين حالة خاصة فى الفن المصرى، فقد اختلف حوله الجميع، والتف حوله الجميع فى آن واحد، وللحق أن الخصومة القائمة على الدوام بين شاهين وجمهوره هى الدليل الأوفى على عبقريته وعملقته، فهو ليس من طراز المهرج، الكسيب، النجم ذى البريق الزائف، فهو لا يقبل أن يشارك فى تضليل الوعى العام.
أفلامه محاولات مضنية لاكتشاف عوالم سينمائية جديدة، تعكس رؤية أوسع وأشمل وأعمق للحياة، للوطن، الإنسان، الفرد، الشخصية القومية، هو غير معنى بإعطائك تسلسلا منطقيا مريحا لذهنك المتبلد عدم المؤاخذة، بل هو غير معنى بإراحتك على الإطلاق، بل هو الواقع يريد أن يصدمك، يؤرقك، يوقظ مشاعرك، يبعث الحياة فى ذهنك.
(جو) هو الوحيد الذى لا يعترض عليه ممثل، بطول الدور أو قصره، أو بالبطولة الأولى أو الثانية، أو بوضع الاسم فى مكان بارز من الأفيشات، فمشهد قصير واحد فى أفلامه، ربما كان أفضل من فيلم كامل عند غيره، لذلك ظل اسمه خالدا فى تاريخ السينما المصرية (أفلام مصر العالمية ، يوسف شاهين).