اليوم الجمعة 29 نوفمبر 2024م
بث مباشر || تطورات اليوم الـ 420 من عدوان الاحتلال المتواصل على قطاع غزةالكوفية 50 ألف مصلٍ أدوا صلاة الجمعة في المسجد الأقصىالكوفية الصحة بغزة: 33 شهيدا و 137 إصابة خلال الـ24 ساعة الماضيةالكوفية إصابة 9 إسرائيلية في عملية إطلاق نار قرب مستوطنة أرئيل بالقرب من قلقيليةالكوفية الصحة العالمية: شمال غزة يواجه كارثة إنسانية وسط نقص المساعداتالكوفية الإسعاف الإسرائيلي: 9 مصابين بإطلاق نار على حافلة قرب أرئيل حالة 3 منهم خطيرة وقتل منفذ العمليةالكوفية حين يتوقف الحزب عن القتال!الكوفية الشرق الأوسط بين وقف النار ووقف الحربالكوفية مراسلنا: استشهاد رئيس قسم العناية المركزة في مستشفى كمال عدوان في قصف إسرائيلي شمالي قطاع غزةالكوفية الدوري المصري: الأهلي لحل العقدة... والزمالك لتجاوز أزمة الإصاباتالكوفية لامبارد مدرب كوفنتري الجديد: سأثبت خطأ المشككينالكوفية فصائل من المعارضة السورية تقصف حلبالكوفية ميركل تدعو للتفكير بحلول دبلوماسية موازية لإنهاء الحرب في أوكرانياالكوفية وزير الدفاع الروسي: العلاقات العسكرية مع كوريا الشمالية تتوسع بسرعةالكوفية الخارجية الإسبانية: أونروا لا بديل عنها وهي عامل استقرار لتقديم المساعدات الإنسانية لمليونين من سكان غزةالكوفية لليوم الـ 38 تواليا.. الاحتلال يعطل عمل الدفاع المدني في شمال قطاع غزةالكوفية مراسلنا: إصابتان بنيران مسيرة إسرائيلية في منطقة المواصي الساحلية غربي مدينة رفح جنوبي قطاع غزةالكوفية الخارجية الإسبانية: لا نبيع الأسلحة لإسرائيل وغير مسموح بمرور السفن التي تحملهاالكوفية 60 نائبا بريطانياً يطالبون بفرض عقوباتٍ شاملةٍ على دولة الاحتلالالكوفية الأونروا: غزة تشهد أشد قصف استهدف مدنيين منذ الحرب العالمية الثانيةالكوفية

نابلس وكلّ هذه العراقة

09:09 - 05 أغسطس - 2023
تحسين يقين
الكوفية:

الكوفية: الصابون النابلسي، والكنافة النابلسية، وإبراهيم وفدوى طوقان، وقصور عبد الهادي وطور سينين، تلك بعض مفاتيح المدينة الأقدم في العالم، والتي لم تسبقها في المعمورة إلا أريحا.

ما إن تطل داخل البلدة القديمة، حتى تلقاك نسائم باردة، مهما كان الجو حاراً في الخارج، ليبدأ تساؤلك الأول، حول تبريد البلدة القديمة التي نلوذ بها الآن في هذا اليوم الحار.

تبدأ البلدة القديمة بالترحيب بك: «تفضل، أهلاً وسهلاً» على لسان تجار المدينة، في واحدة من أجمل تقاليد نابلس في الترحيب بالزوار والمتسوقين.

تفتح نابلس القديمة شهية الناس هنا، بما تقدمه من مأكولات متقنة الصنع، فلا يقف الأمر عند الكنافة، فهنا تجد أجمل طعوم منتوجات اللبن والجبنة والعسل، والمخللات، والطحينية والحلاوة.

تفتح لك المدينة أبوابها الحسية، تداعب الحواس الخمس، ثم لتطل عليك أبواب المساجد الجميلة داخل السوق، ليكتمل الجمال، فتجد نفسك أسيرها بحب واختيار. تأخذنا خطواتنا إلى كل مكان، في هذا الفضاء الواسع، الذي يكاد لا ينتهي، حيث تتفرع الأسواق والزواريب. تدخل من طريق تقودك إلى طرق، ولا تشعر أبداً بقلق حول مكانك، فيكفي أن تسأل أي نابلسي هنا، ليقدم لك خارطة شفوية، لتتساءل: كيف أتقن معرفة كل هذه الطرق المتشابكة؟

والنابلسي وحده صاحب السرّ، أو لعلها المدينة التي لا تسلّم أسرارها إلا لعشاقها، لكن الجميل في هذا كله الشعور بالأريحية والحميمية، لما يبادلك به أهلها من احترام وكرم ضيافة.

ويصعب على المتجول في هذا الفضاء المديني القديم، المرور مسرعاً، حيث يجد نفسه أمام إغراءات الطعوم، والشم، والتأمل في الجوانب المعمارية، للمحلات والبيوت، فتكاد تشعر بسحر التاريخ فعلاً، حين تعرف أن الكثير من دكاكين السوق لم تتوقف عن ممارسة التجارة عبر ثمانية قرون، إن لم يكن أكثر من ذلك، حيث إن هوية المعمار هنا هو ما بين الأيوبي والمملوكي، والعثماني (التركي).

أقف هنا أنظر متخيلاً كم من الناس مروا هنا؟ وكم من الأزياء والأذواق والألوان والأطعمة والأشربة؟ لقد بقي المكان هنا عامراً، كأبهى ما يكون، وهو ما أكسب المكان وأهله تلك العراقة العميقة.

«تفضل أهلاً وسهلاً»، عبارة موسيقية تتكرر هنا، فتشعر الزائر بمدى الترحيب من جهة، ومدى عراقة البائع النابلسي، الذي شرب لغة التواصل أباً عن جد، لربما تلبي فتفطر عند «عجعج»، صاحب عجة البيض المشهورة، والتي تؤكل بوجود شراب الرايب. وهنا في المدينة الأكثر عراقة، تستطيع تناول ثلاث وجبات مشبعات بأقل المال، بل و»التحلاية» بالكنافة الأكثر جودة، هنا عاصمة الكنافة في العالم. ولن يثقلك مالياً الجلوس على المقهى وطلب نارجيلة تمباك أو معسّل. إنها مدينة الفقير كما توصف، ففيها تستطيع العيش بأقل دخل.

في المقهى أقرأ بالصحيفة عن تجربة اللجنة العامة لرعاية شؤون العرب النازحين في فلسطين، والتي انطلقت من مدينة نابلس، من خلال خبر عن محاضرة للمؤرخ إيلان بابيه، ضمن ندوة «مفاهيم الصمود في رحلة النزوح/ اللجوء الفلسطيني»، والذي اعتمد على أرشيف مكتبة بلدية نابلس، بالإضافة إلى روايات شفوية، استقبال اللاجئين إلى نابلس وجنين وطولكرم وقلقيلية على مدار عام ونصف العام منذ ربيع العام 1948 حتى تأسيس وكالة الغوث 1951، من خلال مبادرة رئيس بلدية نابلس سليمان طوقان، الذي أنشأ مع السيد موسى ناصر لجنة لتقديم الموارد الغذائية والدواء والمال لمجتمع «ما كان ليبقى على قيد الحياة لولا ذلك».

حين أخبرت السيد سعيد كنعان أحد شخصيات نابلس - رحمه الله - عن هذه المبادرة، ذكر أنه ما زال يتذكرها حيث كان طفلاً، وحدثني عن إفطار العائلة الرمضاني الذي وهبه والده لأسر اللاجئين في أحد المساءات.

أمرّ بطرف حارة الياسمينة، فأتذكر المسلسل الرمضاني الجديد، وحين أسال «النابلسية» هنا، يذكرون لي أنه تم تصوير المشاهد في أكثر من مكان، بالبلدة القديمة وخارجها.

أعلم أن نابلس كانت إحدى حواضر النهضة، بما فيها من مدارس عليا ومعاهد، ومكتبات، وعلماء، لكن لم أكن أعرف أن المدينة عرفت السينما في مرحلة مبكرة من القرن العشرين، حيث كان مقرها مكتبة بلدية نابلس.

هنا برج الساعة الذي بني بمناسبة اليوبيل الفضي للسلطان عبد الحميد، والذي تم ترميمه من خلال مؤسسة التعاون التركي (تيكا). نقرأ أبيات الشعر الأربعة مدحاً للسلطان. لقد تم نحتها على حجر التاريخ، أتأمل جمالية البرج وأكتشف أنه ذو بلكونَين بديعَين.

نمر أمام المصابن، ونتذكر تاريخاً قديماً، لكن نابلس الوطنية، دفعت ثمن موقفها، فكانت هدفاً للاحتلال، حيث طال محاصرتها، فدفعت ثمن البطولة من الثلاثينيات وليس من الآن فقط، فقد عقدت فيها المؤتمرات المناهضة للاستعمار منذ العشرينيات قبل قرن.

في التجوال داخل سوق البلدة القديمة، يلفت نظرنا محدودية أعداد المتسوقين، ويبدو أن مطاردة الاحتلال لشبان «عرين الأسود»، قد أثّر على الحركة التجارية هنا. ومعروف أن سلطات الاحتلال حاصرت نابلس في الاجتياحات التي تكررت في الانتفاضة الثانية، ولم تسلم المباني التاريخية من قصف الطائرات الإسرائيلية.

أقف أمام مصبنة دار طوقان، فأتخيل الشاعر إبراهيم طوقان يردد:

كَفْكِفْ دموعَكَ ليس ينفعك البكاء ولا العويل

وانهضْ ولا تشكُ الزمانَ فما شكا إلّا الكسول

واسلكُ بهمَّتِكَ السَّبيلَ ولا تقلْ كيف السَّبيلُ

ويبد أن هذا هو لسان حال هؤلاء الباعة والتجار، الذين أخبروني بأنهم يكتفون اليوم بما يكفي لسد حاجات بيوتهم.

ونحن نودع المدينة شرقاً، قبل منطقة حوّارة المنكوبة بجرائم المستوطنين، نتفقد مبنى المقاطعة القديم، الذي تم بناؤه منذ العهد التركي في أواخر القرن التاسع عشر، حيث موّل أهل المدينة هذا البناء، لتشجيع خروج العسكر من وسط الـمدينة. لقد توسعت المدينة حتى أصبح المبنى جزءاً من المدينة، حيث تشجعت الأسر بالبناء خارج البلدة القديمة.

لم يكن يتخيل «النابلسية» الأجداد، أن المكان سيصير سجناً لأحفادهم بعد هزيمة العام 1967، مدى أكثر من 35 عاماً، بحيث لـم يبق أي معتقل خلال هذه الفترة إلا ومرّ به. لقد تسلمته السلطة الوطنية لست سنوات فقط، لتمسح معظمه طائرات الاحتلال في أيار 2001، ثم لتزيل ما تبقى منه جرافات الاحتلال العام 2006.

يظل إبراهيم طوقان متأملاً يقول:

ما ضَلَّ ذو أملٍ سَعى يوماً وحكمتهُ الدَّليلُ

كلاَّ ولا خاب امرؤٌ يوماً ومقصْدهُ نبيلُ

لقد اختار عشاق الحرية دروبهم، كيف لا وهم ينتسبون لكل هذه العراقة، التي يصعب على الطائرات والجرافات اقتلاعها.

كن أول من يعلق
تعليق جديد
البريد الالكتروني لا يظهر بالتعليق