- 3 شهداء جراء قصف الاحتلال منزلا لعائلة الدحدوح غرب مخيم النصيرات وسط القطاع
ستة شهداء وعشرات الجرحى، منهم في جنين فقط أربعة شهداء ونحو ثلاثين جريحاً، وفقط خلال أربع وعشرين ساعة.
لا ضرورة لمتابعة الإحصائيات فالقتل بالجُملة، والجرحى، والاعتقال، أيضاً، وتدمير المنازل. منذ بداية هذا العام، سقط في الأراضي المحتلة كلها أكثر من عدد أيام السنة.
المشهد دامٍ عموماً، ومتوتّر، ويُنبئُ بالانفجارات، لأن ما تمارسه قوات الاحتلال والمستوطنين، ليس مجرّد سلوكيات طارئة، أو خارجة عن السيطرة.
ثمة سمات متأصلة في سياسات الاحتلال، وما يجري من جرائم تعبير عن طبيعة الائتلاف الحكومي في النظام الاحتلالي العنصري الفاشي.
مثل هذه السياسة لا تخضع لضغوط خارجية لا تتجاوز حدود النقد والتذمُّر، والتحذير، ولا تخضع لأي تفاهمات كالتي تم التوصل إليها في «العقبة» و«شرم الشيخ».
هذه الممارسات الفاشية تندرج في سياق سياسة هادفة لتجريف الحقوق السياسية والمدنية وتجريف كرامة المواطن الفلسطيني، الذي يخضع لإجراءات تستهدف طرده من أرضه، وإحلال شراذم المستوطنين محلّه.
الممارسات الإسرائيلية الفاشية والعنصرية، تجاوزت كلّ الخطوط الحمراء التي وضعتها فصائل المقاومة، لتكون السبب في التدخُّل الواسع، والعسكري للجم الاحتلال.
الناطقون الرسميُّون باسم فصائل المقاومة ما عادوا يضعون خطوطاً صفراء أو حمراء، ويكتفون بنعي الشهداء والتأكيد على استمرار المقاومة بكافة أشكالها.
في أحسن الأحوال، تحمل البيانات والتصريحات التي تصدر عن الفصائل، نكهة من التهديدات بقرب ساعة الرد، ما يقدّم للمشكّكين في دور ونجاعة وجدية المقاومة، بعض الذخيرة.
لقد تمادت الحكومة الإسرائيلية كثيراً، في تحدي المجتمع الدولي بما في ذلك إدارة جو بايدن، التي تواصل التعبير عن غضبها من نتنياهو.
وحين وصل الأخير إلى الولايات المتحدة لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، أعلن أن إيلون ماسك هو رئيس أميركا غير الرسمي، وكأنه يستهزئ بالرئيس بايدن.
تستحق الإدارة الأميركية، هذا التطاوُل، وأكثر منه، من قبل نتنياهو وشركائه، من سموتريتش إلى بن غفير، طالما أنها لا تزال تحصر خلافاتها مع نتنياهو وبعض زملائه، بينما تواصل دعمها، والتزاماتها تجاه دولة الاحتلال والمجتمع والمصالح.
ولكن وبالرغم من تجاهل نتنياهو وحكومته للانتقادات الدولية بما في ذلك حلفاء إسرائيل التاريخيّون، فإن سمعة دولة الاحتلال على المستوى الدولي تزداد سوءاً وسلبية. ليس هذا وحسب بل إن التظاهرات التي خرج بها مئات من يهود الولايات المتحدة، يعبّرون عن احتجاجهم على نتنياهو وحكومته وسياسته، تشير إلى التصدُّع المتزايد في المجتمع الإسرائيلي، وأيضاً في المجتمع اليهودي في الخارج.
وبالرغم من كل ذلك، تواصل الحكومة الإسرائيلية سياساتها وتحثُّ الخُطى نحو تحقيق أهدافها في حسم الصراع على الأرض، لا يحول دون استمرارها الكثير من محطات الفشل العسكري والاستخباري، الذي أصبح يملكه الكثير من الكتّاب والمحللين الإسرائيليين.
فشلت الحملة العسكرية التي قامت بها إسرائيل على جنين في شهر تموز المنصرم حيث فوجئت القوات الغازية، بصلابة الصمود والمواجهة، وبامتلاك المقاومين، عتاداً لم تكن القوات الغازية قد استعدّت له.
إسرائيل حشدت جيشاً، وأدخلت إلى الميدان دبابات وآليات مدرعة ومروحيات، وطائرات مُسيَّرة، لكنها فشلت في اقتحام مخيم جنين.
لم يكن ذلك الفشل الوحيد، بل سبقته، وتبعته محطات فشل متعدّدة كان نتيجتها تطوّر وتصاعد المقاومة، وإيقاع المزيد من الخسائر البشرية في صفوف الجيش والمستوطنين.
لا سبيل لاحتواء أو إضعاف المقاومة في الضفة والقدس، طالما بقيت السياسات الإسرائيلية على حالها.
نحو ثمانين شهيداً في جنين ولا تزال المقاومة مشتعلة، تزداد جرأة وخبرة، ويعود الاحتلال يحصد المزيد من الفشل.
أول من أمس، شنّت القوات الإسرائيلية حملةً أخرى على جنين بهدف اعتقال مطلوب، كما يقولون، لكنّها خرجت دون أن تحقق الهدف، المحدّد للحملة، بالرغم من سقوط شهداء وجرحى.
المُناخ العام في فلسطين متوتر، وعلى حافّة الانفجار وأسبابه متوفرة حيث تقدم قوات الاحتلال كل يوم سبباً للانفجار، والأرجح أن الأعياد اليهودية هذه الأيام، تحمل الكثير من صواعق التفجير. المستويات العليا في الجيش والأجهزة الأمنية لا تتوقف عن إطلاق التحذيرات والتهديدات بشنّ عدوان كبير على قطاع غزة، لكن ارتفاع نبرة التهديد يشير إلى مخاوف حقيقية لدى الجيش، ولو كانت الجبهة الداخلية الإسرائيلية على غير ما هي عليه لما تردّدت في شنّ مثل هذا العدوان.
تعتقد مستويات القرار، أنها مستعدّة وقادرة على شنّ عدوان على القطاع، استطراداً لخطابها التحريضي ضد حركة حماس، لكنها، أيضاً، غير قادرة على ذلك، حتى لو أنّ مساحة العدوان اقتصر على القطاع فقط.
الحال أنّ غزة لا يمكن في أي جولةٍ قادمة، أن تكون وحدها، ولكنها وحدها قادرة على إيذاء الاحتلال وتعميق أزماته.
خطاب المقاومة وسلوكها، وعودتها لتنشيط فعاليات الإرباك على حدود القطاع، تؤكّد مضامين التحدّي بالرغم من أنّ دوافع العودة لهذا النشاط تحتمل أسباباً ودوافع أخرى لها علاقة بالمال القطري، والخلاف حوله مع السفير العمادي.
ولأنّ إسرائيل تخشى القيام بعدوان واسع على القطاع، لا يشكّل لها حلاً لأزمتها الداخلية، فإنها تلجأ لاتخاذ عقوبات عادية من سياق تشديد الحصار.
تتلاعب إسرائيل بمواضيع إغلاق «معبر بيت حانون» لستة أيام على التوالي، وبوقف العمل على رفع عدد التصاريح، وخطوات أخرى، لها علاقة بالاستيراد والتصدير. لكن ذلك لا يُغيّر خطاب التحدّي، وليس من شأنه التأثير على المقاومة في الضفة.
مثل هذه الإجراءات تشير هي الأخرى إلى خوفٍ إسرائيلي وإلى تآكل الردع وتراجع هيبة جيش الاحتلال، والثقة بدوره وقدراته.