- مراسلنا: شهيدان بقصف إسرائيلي استهدف مجموعة من المواطنين في خانيونس جنوبي قطاع غزة
يعترف رئيس حكومة الاحتلال، بأنّه رغم مرور أكثر من خمسة أشهر، لم يحقّق أهداف الحرب بعد، وأنّ الأمر يتوقّف على إكمال حربه البشعة على رفح.
ويعترف بنيامين نتنياهو أنّه نجح سياسياً في السماح لقوّاته بالقتال بطريقةٍ غير مسبوقة وكأنّه يعترف بشراكة الولايات المتحدة، والدول «الغربية» التي حقّقت له هذا النجاح السياسي، الذي يعود ويعترف بأنّه خسر هذا الإنجاز حين تزايدت الضغوط الدولية عليه وعلى حكومته و»مجلس حربه»، ولكن ذلك لن يمنعه من مواصلة الحرب حتى تحقيق انتصار حاسم.
يُعاتب نتنياهو شريكه الرئيس الأميركي جو بايدن ويتساءل إذا ما كان قد نسي 7 أكتوبر/تشرين الأوّل المنصرم، ولذلك يطالبه بالضغط على حركة حماس بدلاً من الضغط على إسرائيل.
أمّا عن الطريقة غير المسبوقة، التي يتبجّح نتنياهو بأنّه حظي بدعمٍ سياسي «غربي» لها، فإنّها تنقلب على إسرائيل، التي أصبحت في نظر العالم كلّه ترتكب جريمة الإبادة الجماعية، وكلّ جرائم الحرب والقوانين الدولية والقانون الدولي الإنساني.
حين يعترف نتنياهو ويردّد كلّ الوقت أنّ وقف الحرب، يعني أنّ إسرائيل قد تلقّت هزيمةً قاسية، فإنّ هذا الاعتراف يُلخّص بأفضل طريقة فشل جيشه ودولته، في تحقيق أيّ من أهداف الحرب حتى الآن.
وإذا كان قد مضى أكثر من خمسة أشهر على الحرب الإجرامية الفاشلة حين كانت الولايات المتحدة وأوروبا «الغربية» إلى جانبه، فإنّ القادم من أيّام الحرب، لا يمنحه الانتصار الذي أراده وفشل في تحقيقه.
العالم، اليوم، كلّه مع تحفّظ بشأن تقييم الدور الأميركي الذي يواصل تقديم الدعم والسلاح، كلّه يطالب بوقف الحرب، ويرفض نقل الحرب إلى رفح، والكثير من الدول الداعمة لإسرائيل أخذت تُعيد النظر في مواقفها إزاء دعم نتنياهو بالسلاح، بل إنّ من يقولون في دولة الاحتلال إن عودة الرهائن تحظى بالأولوية هم، أيضاً، لم يعودوا يكترثون بأن يكون انتصار نتنياهو هو الأولوية.
يراوغ نتنياهو بالرغم من معارضة بعض أعضاء «مجلس حربه» بشأن التوصّل إلى صفقة تبادل وتهدئة، لكنّه لم يعد يجد الذرائع الكافية للّعب على عامل الوقت، فإن لم يرضخ للضغوط الدولية المتزايدة بما في ذلك الضغط الأميركي، فإنّه سيضيق الخناق أكثر حول رقبته.
ها هو يضطرّ لإدخال المعونات، والمحروقات، والطحين إلى غزّة وشمالها، ما يشكّل اختراقاً لحربه التجويعية والتدميرية بعد أن منع وصول المساعدات لأكثر من خمسة أشهر.
وبصراحة ومن خلال متابعة حثيثة لمجريات التفاوض حول الصفقة، وبعد مرور أشهر على بداية العمل من أجل إتمامها، فإنّ طريقة تعامل الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني مع مضامينها وشروطها، تُظهر أنّ الموقف الفلسطيني هو صاحب اليد العُليا.
خطاب وأداء المقاومة متماسك، وقويّ ثابت على شروطه، ويَلقى قبولاً من قبل الوسطاء بمن في ذلك الأميركي، والأمر في الأساس يستند إلى استمرار صمود وقوّة المقاومة في الميدان.
مؤسف ومؤلم، أنّ العالم كلّه تجاوز أو كاد يتجاوز ما وقع في 7 أكتوبر/ تشرين الأوّل المنصرم، أمام هول الطريقة التي يتباهى بها نتنياهو في خوض حربه الإجرامية ضدّ كلّ ما يتحرّك ولا يتحرّك في قطاع غزّة، بينما لا يزال بعض الفلسطينيين بمن في ذلك كُتّاب، ومُثقّفون وسِياسيّون، يتحدّثون عن مغامرة «حماس»، وعن مسؤولية المقاومة، عن نكبةٍ أبشع من نكبة العام 1948.
ماذا كان على الشعب الفلسطيني أن يفعل، حتى يُحقّق أهدافه في الحرّية وانتزاع حقوقه الوطنية، بعد أن أعلنت إسرائيل حربها على الوجود الفلسطيني برمّته، وفي الضفة والقدس قبل غزّة.
ماذا كان على الفلسطينيين أن يفعلوا حين شاهدوا بأعينهم خارطة نتنياهو التي رفعها في الأمم المتحدة وتشمل كلّ أرض فلسطين التاريخية؟
هل كان على الفلسطينيين أن يستمرُّوا في رفع غصن الزيتون، بعد أن ذبل وجفّت أوراقه، أم أنّ عليهم أن ينتظروا ما فشلوا في تحقيقه من خلال «اتفاقية أوسلو» التي مضى عليها ثلاثون عاماً والمُحصّلة إلى الخلف.
إن كان على الفلسطينيين أن يُواصلوا البحث عن حقوقهم من خلال المفاوضات فإنّهم بالطبع لم يكونوا يُراهنون على دورٍ للجيوش العربية، فإن كان ذلك وارداً في أوهام البعض، فلا بدّ أن يكون الفلسطيني قد أخذ بنفسه زمام المبادرة.
بالتأكيد لا يمكن تجاهل الثمن الباهظ والمؤلم الذي دفعه، ويدفعه الفلسطينيون، خصوصاً في القطاع، ولكن متى كان يمكن تحرير الأوطان بأثمانٍ زهيدة؟
هل حصل هذا في فيتنام، أم في الجزائر، أم في جنوب إفريقيا، وأميركا اللاتينية؟ وهل يمكن للشعوب والأنظمة التي نالت استقلالاً شكلياً أن تدّعي بأنّها حرّة مستقلّة، وصاحبة قرار بشأن مصالحها الوطنية؟
المثال أمام الجميع، فاقعٌ إلى حدّ الفضيحة، كما يتجلّى في سياسات الدول العربية والإسلامية التي لا تزال تخضع للهيمنة الاستعمارية، ولا تملك الحدّ الأدنى من القدرة والإرادة للتصرُّف بحقوقها ومصالحها.
لن يفنى أهل غزّة، ولن يفنى الشعب الفلسطيني، فهم باقون على أرضهم، وفوق ركام بيوتهم، يرفعون شارات الصمود والتحدّي يقهرون الجوع والمرض، وكلّ وسائل القتل والتدمير.
هل نقلت الفضائيّات، ووسائل التواصل الاجتماعي، بقدرٍ من الوضوح احتفالات الشباب والصبايا في خيام النزوح، لمناسبة حلول شهر رمضان الكريم؟
هل نقلت الفضائيّات ووسائل التواصل الاجتماعي، بقدرٍ من الوضوح كيف يتغلّب الناس على انعدام وسائل الحياة من ماء وكهرباء و»إنترنت» وطعام؟ في الوقت الذي غاب فيه المعتصم، تبدّل خطاب الضحايا في غزّة، فلم يعودوا يستصرخون غيثاً لا يصل، ولا معتصماً غير موجود في هذا الزمان، فلقد تعاملوا بواقعية مع غياب النصرة، فأصبحوا يتضرّعون إلى الله، والدعوة لانتصار الشعب الفلسطيني.
مُؤلمٌ ومُؤسف أن تتراشق القوى السياسية على نحوٍ سيئ، في الوقت الذي تفترض فيه الأحداث، توافقاً بين الجميع لمواجهة حرب تستهدف الجميع.
لقد تفاءل البعض بنتائج الاجتماع الذي احتضنته موسكو مؤخّراً وحضره كلّ الفرقاء، ولكنهم استعادوا ما كرّروه مرّات عديدة، حيث يتوافقون داخل الغرف، ثم ينفجرون في وجوه بعضهم البعض خارجها.
على كلّ حال، فإنّ هذا الواقع الفلسطيني المرير، لا يغيّر من واقع الأمر شيئاً ولا يستحدث أمراً غير متوقّع وغير معروف سلفاً بالنسبة للفلسطينيين.
يكفي الفلسطينيين وأهل غزّة، أنّهم فجّروا أوسع وأعمق انتفاضة على مستوى العالم، وأنّهم أفشلوا مخطّطات كانت تستهدف تصفية قضيتهم، ويكفيهم فخراً أنّهم وحدهم، يدفعون ثمن دورهم في تغيير النظام الدولي الفاسد، وفضح وإسقاط كلّ منظومة القيم الكاذبة، التي ظلّت سيفاً مُسلّطاً على رقاب العباد لعقود طويلة، وهم باقون.
يُلخّص يائير لابيد الوضع حين يُخاطب نتنياهو بالقول: «ندرك أنّكم ستخسرون الحرب ولن تُعيدوا المخطوفين».