- شهيدان ومصابون جراء قصف تل الزعتر بمخيم جباليا شمالي قطاع غزة
يستمر القتل، غير مبالية دولة الاحتلال بالعالم كله، لا بالأرض ولا بالسماء؛ فأي استهانة بالبشر، والقانون، وإجماع العالم، وكيف لها أ تتنمر على الكون؟ ومن الذي "يقوي عينها"، غير حكومات تفرّق بين دم ودم!
لم يترك المثل الشعبي الفلسطيني مجال لقول مثل إلا وقال، وهنا "ما أتيس من واحد هدّ ع بلد، ولا بلد هدّت ع واحد"، فماذا نسمي استمرار الجريمة، و"التياسة" أهون من جريمة الحرب التي ما زالت تبذ بثا مباشرا؟
إذن عمليا، لم تعد إسرائيل، تنتمي الى هذا العالم، ولن تعد بالتالي مكانا يصلح للحياة، أليس كذلك إيها العالم!
يصدر قرار مجلس الأمن القاضي يوم الاثنين بوقف إطلاق النار، فينسحب الوفد الإسرائيلي من الولايات المتحدة التي لم تستخدم حق النقض-الفيتو، فتستمر في الحرب البشعة على البشر، فتقصف في اليوم الثاني مناطق مختلفة في مدينة رفح، بلا أدنى حياء، فلا يبدو أنها تحسب حسابا للمؤسسة الأمية الممثلة لشعوب الأرض.
على الأرض والبحر، تجري مأساة هرولة البشر وراء الطحين والمساعدات، فمن لم يمت قتلا وتجويعا يمت غرقا أو تدافعا للحصول على المساعدات الملقاة جوا. 18 مواطنا يموتون خلال إنزال المساعدات، التي يبدو أنها إما تلقى في البحر أو أن الرياح تدفع المظلات الى الماء، فماذا يعني ان 12 مواطنا يغرقون في البحر وهم يطاردون الغذاء بين الأمواج؟
والسؤال هل هذه أول مرة يتم فيها إنزال مساعدات؟
أليس هناك طريقا أكثر أمانا؟
تأخر مفاوضات وقف إطلاق النار، وإتمام صفقة تبادل الأسرى، عنى المزيد من المجازر والتدمير والمآسي، وتدمير ما تبقى ل (إسرائيل) من وجود في الرأي العالمي الدولي شعبيا ورسميا.
ومهما كانت مطلب حركة حماس، فقد كان على الوسطاء بذل جهد أكثر للوصول الى تسوية، إلا إذا صار هدف إسرائيل المعلن هو إنهاء قطاع غزة كمكان للحياة، وإلا كيف نفسّر حرب المستشفيات؟ وهل هناك أي منطق لها؟
لا منطق لهذه الحرب المنفلتة من أي حدود، ولا منطق لهذه الصمت العالمي، فلم تتجاوز المواقف حتى الآن الصمت، كونها مواقف دبلوماسية.
حتى يكون لقرار مجلس الأمن الدولي معنى، كان لا بد من وضع آليات تنفيذ تجبر إسرائيل على الوقف الفوري لإطلاق النار؛ لأنه منذ متى تحترم إسرائيل القرارات الدولية؟
سيحمل شعبنا في غزة وفلسطين، وفي الشتات، حملا ثقيلا من المشاعر تجاه ما نفذته إسرائيل من بطش تجاوز كل حد، فلم يشفع أي شيء عادي مسالم، حتى لو كانت ضحكة طفل هناك لوقف القصف الجبان.
ستحمل شعوبنا العربية هنا، خاصة شعوب دول الطوق، الخوف من قادم الأيام، حيث لا ضمان ألا يحدث لهم ما حدث لغزة الذبيحة.
وستحمل شعوب العالم ذكريات قاسية شاهدتها، لن يكون من السهل نسيانها، ما يعني أن المنظومات الشعبية ستؤثر على نتائج الانتخابات، ولن يكون من السهل على الشعوب تحمل رؤية شعوب أخرى تذبح بدعم أموال الضرائب التي يدفعونها.
أمر واحد سيخلصنا جميعا من المأساة، نحن الشعب الفلسطيني، ومن عار الاحتلال البشع، ألا وهو التقدم للأمام بما تبقى من إنسانية وعقل.
ليس تفاؤلا رومانسيا بل هي حقيقة واقعية، فقد أصبح لا بدّ من حل القضية الفلسطينية حلا عادلا، لأن عدم ذلك سيجعل الأيادي ممسكة بالزناد، وليست حياة تلك التي ينام الإنسان في غرفة محصنة من الرصاص.
فحتى لو توقف الحرب، فستنشأ حروب أخرى داخل واحد فينا: الفلسطيني والعربي والعالمي، كل بما يرى قاسمهم الكبير هو الخوف من الغد.
في كل ليلة وكل نهار، نجلس لنقرأ ونشاهد، وسؤال واحد في فمنا: وصلوا لاتفاق؟ لنصفع بفشل المفاوضات؛ فلم يمت أهلنا في غزة فقط، بل متنا نحن وآخرون، فليس الموت موت الأجساد، بل الأرواح، والنفوس والرغبات والحياة.
مرّ رمضان، ولم يتم التوصل لهدنة، أفلا كان يمكن التوقف رحمة بالشعب وبالناس المدنيين؟ أليست هناك قلوب في هذا العالم؟ ألا توجد بضع آثار قلوب داخل الغزاة؟
حتى لو توقفت الحرب، وتم استئناف الحياة، وعادت الحياة اليومية فإن شيئا ما كبير كسر في حياتنا جميعا، فكيف يمكن جبره؟
كثر الكلام وسيكثر، وسيصفع العالم بعد وقف الحرب بتفاصيل آثار الحرب على المدنيين، وسيتعمق السؤال حول مبرر المجزرة الكبرى.
ستتعمق حاجتنا لحق تقرير مصيرنا كشعب، سيبحث عن طريقه، وهنا سيجد الشعب الوقت للتأمل بالقيادة السياسية غدا، حيث ان الاستحقاق الديمقراطي قادم، وعلى أكتاف القادة الجدد السير بنا نحو التحرر والاستقلال.
سيتعمق السؤال في الدول العربية الشقيقة القريبة والبعيدة، في الدول التي أقامت علاقات مع إسرائيل أو تلك التي لم تقم بعد: هل هذه الدولة فعلا تستحق إقامة علاقات معها؟ هل نحن بحاجة لها؟ ما جدوى العلاقات مهما كانت مع قتلة يصرون على القتل والتنكر لحقوق الشعب الفلسطيني؟
سيتعمق السؤال الإسلامي، بغض النظر عن اهتمامات الحكومات، فما زالت فلسطين بالقدس والمقدسات جزءا من العقيدة للمليار ونصف المليار.
وسيتعمق السؤال العالم حول إنهاء الاحتلال، كآخر احتلال في القرن الواحد والعشرين.
أما إسرائيليا، فستتعمق التحولات بأنواعها، فلم تعد إسرائيل صالحة للعيش، وليس فقط قطاع غزة.
يستقيل الوزير الإسرائيلي جدعون ساعر، من حكومة الطوارئ، فاتحا الطريق وراء تخبطات أخرى يمكن أن تصيب حكومة اليمين، وما تمت إضافته لها ضمن ما يسمى بحكومة الطوارئ، فتتكشف التناقضات الإسرائيلية، التي تجمع فقط على قتل شعبنا.
أمريكيا وغربيا، كل يوم يتعمق وجود إسرائيل كعبء أخلاقي؛ ما يعني أن هناك تحولات قادمة لدى الشباب هناك، حيث سيصعب، رغم التحالف وحماية المصالح، قبول سلوك دولة الاحتلال التي تقدم على ارتكاب جرائم حرب علنية.
حتى لو توقف الحرب، فإن شيئا آخر في طريقه للإنهاء: الاحتلال، وإلى غير رجعة؛ فلن يحسم السلاح مقاومة شعب نحو الحرية والاستقلال والكرامة.
ستكون الأمة العربية والعالم الجديد حاضنا لتمسك شعبنا بحقوقه المشروعة وعلى رأسها حق تقرير المصير، فلا احتلال يطول ولا عنصرية ستعمر طويلا، وسيقع الغازي في شراك خطواته الشريرة.
لا يعني توقف الحر استسلام شعبنا أبدا، لكنه استمرار في طريق التحرر، وعليه فإن سلوكنا السياسي مقرونا بحكومة التكنوقراط القادمة، هدفه تقوية بقائنا على أرضنا المحتلة، وإعادة موضعتنا بما ينسجم مع ما كان ويكون، باتجاه العقلانية والوحدة، وتفويت الفرصة على حكومات الاحتلال المتعاقبة من إعاقة نمونا.
هنا تبدأ أهم حرب، وهي حرب النفوس، لعلنا نخرج منها أكثر حكمة، لحرمان إسرائيل من أي سلوك عنيف ومدمر وقاتل تجاهنا، فيما يمضي شعبنا في طريقه نحو البناء والحرية، حتى ولو غرقت عيوننا وقلوبنا بالدموع، لأن ابتسامة طفل الخيام وحدها كفيلة بأن نصرّ على البقاء، فليس أمامنا إلا إبداع القاء وفاء لدماء الشهداء والجرحى.