- جيش الاحتلال يحاصر مدرسة عوني الحرثاني على دوار الشيخ زايد شمال قطاع غزة
بمناسبة مرور ستة أشهر، أو نصف عام بالتمام والكمال، على الحرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة، نشر الجيش الإسرائيلي، تقرير عن ما نجم عن تلك الحرب من نتائج في جانبها العسكري بالطبع، وقد أورد التقرير مقتل أكثر قليلاً من ستمائة جندي، منهم عشرون بنيران صديقة، أي بالسلاح الإسرائيلي، وقال التقرير إن نحو ثلاثة آلاف ومائتي جندي أصيبوا بجروح متفاوتة، منهم نحو خمسمائة بجروح خطيرة، كما تضمن التقرير إصابة عشرة آلاف جندي إسرائيلي بأعراض ما بعد الصدمة، وأن أكثر من سبعين ألفاً من جنوده قد خضعوا لعلاج نفسي سريع.
وقد اعترف الجيش الإسرائيلي بأنه قد قام بتجنيد حوالى ثلاثمائة ألف من قوات الاحتياط لتلك الحرب، وقال إنه تم استهداف 32 ألف هدف في قطاع غزة، منها 3600 هدف عسكري فقط، ولم يتضمن تقرير الجيش عدد الضحايا الذين قام بقتلهم في القطاع، لكنه رصد إطلاق أكثر من تسعة آلاف صاروخ من قطاع غزة، وثلاثة آلاف من لبنان على مناطق مختلفة من إسرائيل، هذا واعترف بأنه قام بقتل 420 فلسطينياً في الضفة الغربية، وأنه قام باعتقال 3700 إضافة إلى اعتقال 4600 من قطاع غزة.
ولم يتطرق التقرير إلى الخسائر غير المباشرة، أي تكلفة الحرب على الجانبين، خاصة جانبه الذي يعنيه بالطبع، ولا تلك الخسائر غير البشرية، أي عدد الدبابات والطائرات المسيّرة، والعربات العسكرية التي تم تدميرها، من قبل المقاومة في قطاع غزة، ربما لأن تلك الخسائر غير البشرية تعتبرها إسرائيل تخرج من الجيب الأميركية، وليس من جيبها هي، كما لم يتطرق التقرير لتلك الخسائر البشرية التي وقعت في صفوف الإسرائيليين من المدنيين، ولا حتى الأسرى الذين وقعوا منذ اليوم الأول بيد المقاومة، من العسكريين والمدنيين، وقد جاء نشر ذلك التقرير المختصر بمناسبة مرور نصف عام على إطلاق الحرب الإسرائيلية المسعورة على قطاع غزة، مباشرة بعد تنفيذ فصائل المقاومة في قطاع غزة عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر من العام الماضي، كما أسلفنا، وفي ظل تواصل مفاوضات عقد صفقة التبادل المتعثرة منذ نحو شهرين، وعشية انسحاب معظم القوات الإسرائيلية من قطاع غزة، وبالتحديد من خان يونس، والإبقاء فقط على لواء ناحال، وانسحاب جميع الوحدات التابعة للفرقة 98 وهي وحدة المشاة الاحتياطية التابعة للقيادة المركزية للجيش الإسرائيلي.
ونشر تقرير يوحي بأن الحرب قد انتهت، أو أنها توشك على الانتهاء، لأنه من عادة الدول والقوى أن تقوم بحصر ودراسة نتائج الحرب بعد أن تنتهي فصولها، أي بعد أن تتوقف تماماً، وربما قام الجيش بنشر ذلك التقرير، ليدافع عن نفسه ضد اتهامات اليمين المتطرف السياسي، الذي هاجم بعنف خلال الأيام القليلة الماضية رئيس هيئة الأركان هيرتسي هاليفي، بسبب إقدامه على إعفاء عدد من قادة الجيش، وذلك لاحتواء رد الفعل الدولي الناجم عن قتل كوادر المطبخ الدولي السبعة، وذلك بهدف مواصلة حرب التجويع خاصة في شمال قطاع غزة، حيث واصلت إسرائيل سياسة إفراغ الشمال من المواطنين مستخدمة القتل المباشر والتجويع، والتدمير واستهداف كل مظاهر الحياة.
وقد نفى الجيش الإسرائيلي أن يكون قد انسحب من خان يونس نتيجة الضغوط الأميركية، وادعى بأنه يمكنه أن يعود لخان يونس في أية لحظة، وأنه يستعد لمواصلة العملية البرية في كل من دير البلح ورفح، اللتين لم يقم فيهما بعد، بتنفيذ العملية البرية التي يدعي بأنها تستهدف «تمشيط» «حماس» أفراداً ومقاتلين وبنية تحتية وسلطة، بل حاول أن يقنع من يستمع إليه بقوله أن انسحابه من خان يونس، يهدف إلى ترك أماكن لنزوح النازحين من رفح إلى خان يونس، حتى يتسنى له اقتحام رفح، وذلك بعد أن أغلقت كل الأبواب أمام احتمال خروج النازحين من رفح إلى خارج قطاع غزة، أي إلى سيناء أو عبر البحر للخارج، في الوقت الذي ترفض فيه حكومة الحرب الإسرائيلية عودة النازحين إلى بيوتهم في مدينة غزة وشمال القطاع التي نزحوا منها أصلاً.
المتحدث باسم البيت الأبيض، علق على انسحاب الجيش الإسرائيلي من جنوب قطاع غزة، أي من خان يونس بالقول، بأن ذلك على الأرجح_ أي أن ذلك كان تخميناً وتقديراً وليس معلومة_ قد جاء كاستراحة للجيش الإسرائيلي، وأوضح جون كيربي تقديره بالقول، بأن ذلك ما فهمته واشنطن استناداً إلى ما أعلنه الإسرائيليون، وذلك لتجديد لياقة الجيش الذي يقاتل على الأرض منذ أربعة أشهر.
يمكن الرد على كل هذا، بأنه محاولة للتخفيف من وقع ذلك الانسحاب على المفاوض الإسرائيلي في القاهرة والدوحة، وذلك لأن انسحاب الجيش الإسرائيلي من خان يونس وهي التي تجاور رفح، يجيء في الوقت الذي يواصل فيه بنيامين نتنياهو وحكومة الحرب الإسرائيلية التهديد باقتحام رفح، فهل يُعقل بمن يريد أن يواصل الحرب، بل وأن يقدم قريباً على فصل إضافي من فصولها، أن يقوم بالانسحاب بهذا الشكل، لهذا نعتقد بأن انسحاب الجيش الإسرائيلي من خان يونس له علاقة بالمفاوضات في القاهرة، خاصة وأن ذلك جاء متزامناً مع وصول وفدي «حماس» وإسرائيل للعاصمة المصرية، وبعد انقضاء شهر رمضان بالكامل، دون التوصل للاتفاق، ذلك أن انسحاب الجيش الإسرائيلي من قطاع غزة، كان أحد شروط ثلاثة رئيسية طرحتها «حماس» لمتابعة التفاوض حول الصفقة، وهكذا وكأن إسرائيل بانسحاب من خارج إطار الصفقة، تسعى إلى نزع ذلك الشرط، خاصة وأن شرطي الانسحاب وعودة النازحين إلى الشمال يحوزان على اقتناع الوسطاء التام، ما يضع إسرائيل أمام حقيقة هدفها بإعادة احتلال القطاع.
وإخراج ذلك البند من إطار التفاوض، يعني بأن إسرائيل لا تريد أن يكون منصوصاً عليه في اتفاقية مضمونة من قبل وسطاء دوليين، لتتمكن من العودة لاحقاً بالدفع بقواتها لاجتياح كل مدن القطاع، وليس خان يونس فقط، وعلى أي حال فإن مرور نصف عام على حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة، يمكنها أن تكون مناسبة حقاً، للتوقف قليلاً لإجراء جردة الحساب العسكرية والسياسية وحتى الاقتصادية ومن كل الجوانب على الجانبين، أي الفلسطيني والإسرائيلي، بحيث يمكن القول، بأن إسرائيل تلقت الضربة الأولى حيث وقعت معظم خسائرها البشرية في صفوف العسكريين والمدنيين، أولاً وفي ليلة واحدة، ومن ثم بدأت الخسائر البشرية تتلاحق أضعافاً على الجانب الفلسطيني، من خلال ارتكاب إسرائيل آلاف المجازر التي أوقعت أكثر من مائة ألف فلسطيني بين شهيد وجريح ومفقود، مقابل مصرع اقل من ألفي إسرائيلي، وبضعة آلاف من الجرحى، فيما أنه يمكن القول بأن حسابات البيدر لم تتوافق حتى اللحظة مع حسابات الحقل، وأن الحرب حتى اللحظة، تكاد تنحصر في المنطقة الوسط، ليس بمعنى لا غالب ولا مغلوب، ولكن بمعنى تحقيق كل طرف لنصف ما يسعى إليه من أهداف، فيما يظل كل منهما يمنّي النفس بتحقيق النصر الكامل، وهو الأمر الذي يبدو بأنه سيكون وهماً أكثر منه حقيقة.
إسرائيل حتى اللحظة فرضت سيطرتها على نصف قطاع غزة، وحشرت معظم السكان وحكم «حماس» وقواتها في ربع أو خمس القطاع، أي في رفح، لذا فإن ممر نتساريم هو مربط الفرس الآن وهذا يظهر في مفاوضات الصفقة، فحتى لو فشلت إسرائيل كما هو مرجح في تنفيذ العملية البرية في رفح، فإن بقاء سيطرتها على ذلك الخط يعني بأنها قد أخرجت حكم «حماس» من شمال القطاع، وإسرائيل لا يمكنها أن تدافع عن موقفها الرافض لعودة النازحين إلى الشمال، كذلك يتعرض إنجازها العسكري للتبديد عند الحديث عن بديل «حماس» في غزة، وترفض عودة السلطة الفلسطينية، تماماً مثل موقفها ضد «الأونروا» في وقت لا يوجد فيه بديل للوكالة الدولية للقيام بدور موزع مواد الإغاثة الإنسانية.
أما «حماس» فهي تكافح من أجل البقاء على قيد الحياة العسكرية والسياسية، وهي حتى لو نجحت في فرض شرطها بانسحاب إسرائيل من القطاع وعودة النازحين إلى شماله، فإن حرباً قد تتابعت فصولها وأيامها باهتمام ومتابعة العالم كله، تعني بأن العالم لن يتوقف فجأة عن الاهتمام بها، بعد لحظة توقف الحرب، لذا فإن أقل ما يمكن لـ «حماس» أن تفعله لتقبع وراء الباب وتحمي رأسها، بل وحتى تقوم بتعويض ما خسرته غزة من خسائر بشرية ومادية، هو أن تسلم غزة للسلطة، وتنهي الانقسام، وهكذا يمكن فقط في حال نجح العالم بفرض وقف الحرب وهزيمة التطرف، بتنحية نتنياهو وبن غفير وسموتريتش عن الحكم في الجانب الإسرائيلي، وإخراج «حماس» من سدة الحكم في غزة، وإنهاء الانقسام، يمكن حينها أن يكون بوابة للحل السياسي، وتحقيق حل الدولتين.