- الطيران المروحي "الأباتشي" يطلق النار باتجاه المناطق الشمالية لقطاع غزة
- صافرات الإنذار تدوي في عدة مستوطنات شمال فلسطين المحتلة
لم تكن غزة ضمن حسابات الحكومة الإسرائيلية الحالية التي تتشكل من خليط من القوميين والدينيين هدفها إعادة تجسيد نصوص دينية تفترض أن الضفة الغربية كانت مسرح أحداثها. كان بيضة قبان هذه الحكومة هو بتسلئيل سموتريتش الأشد تطرفاً رئيس حزب الصهيونية الدينية ببرنامجه القائم على ضم الضفة باعتبارها «أرض التوراة» وأن الفلسطينيين غرباء فيها.
ونتنياهو ابن المفكر اليميني بن تسيون نتنياهو الذي عمل مساعداً لجابوتنسكي مؤسس الحركة الإصلاحية اليمينية وحفيد نتان ميلكيوفسكي - قبل أن يتغير اسم العائلة - الصديق الحميم لجابوتنسكي قبل إنشاء الحركة في فلسطين وهو لم يكن بعيداً عن سموتريتش ويشاركه المعتقد بالمعنى القومي وقد عمل منذ سنوات متخذاً ما يكفي من الإجراءات لضم الضفة حتى قبل أن يلتحق سموتريتش بحكومته.
قطاع غزة كان منطقة نائمة في تقدير نتنياهو الذي حافظ على عدم إجراء أي تغيير جيوبوليتيكي، حتى أنه من صادق على إدخال أموال لحركة حماس في سبيل الحفاظ على الوضع الراهن.
فالقطاع حين ورد ذكره مرتين في النصوص التوراتية كان يرد كمنطقة مشؤومة، الأولى قصة المرأة الغزية الشجاعة دليلة وحكايتها مع شمشون الذي هدم المعبد، والمرة الأخرى عندما تلقى جيش داوود هزيمة نكراء على يد الفلسطينيين في القرارة التي تكنى «جرار» في التوراة.
ولم تمثل غزة شيئاً في المخيال الإسرائيلي سوى مشكلة أمنية تحاول إسرائيل حلها، لكنها في العقيدة لا شيء حتى أن برنامج هذه الحكومة رغم تطرفها وشهيتها الأيديولوجية المفتوحة للتوسع لم يأتِ على ذكر غزة.
لكن تحت ستار الحرب على غزة تجد إسرائيل فرصة لتسريع ضم الضفة. فالعالم مشغول مع غزة والكاميرا تفتح عدساتها هناك.
ولا يعني هذا أن حكومة اليمين في إسرائيل تحسب حساباً لهذا العالم بل إن سموتريتش ذات مرة في فرنسا ذهب حد وضع الأردن ضمن خارطة إسرائيل، لكنها تجد مناخاً يريحها من صداع الملاحظات الدولية الخفيف نتاج تحطيمها حل الدولتين وضم المنطقة إليها.
الإجراءات التي قررتها الحكومة في اجتماعها الأخير من توسيع للمستوطنات في الضفة الغربية رغم أزمتها الاقتصادية في هذه الحرب، وكذلك إضفاء الشرعية على خمس مستوطنات مصنفة غير قانونية وتطبيق القانون الإسرائيلي في مناطق تسيطر عليها السلطة إدارياً ومجموعة إجراءات عقابية ضد السلطة، لا تدع مجالاً للشك ولكنها تترك الفلسطينيين أمام مصير سياسي شديد الصعوبة في ظل واقع هو الأشد منذ نشأت قضيتهم.
فهم يتعرضون لإبادة جماعية دون أن يستطيع أحد وقفها هذا في غزة أما في الضفة فهي درة السياسة الإسرائيلية التي ينشغل بها العقل السياسي.
عادت غزة للاشتباك مع العقل الإسرائيلي تفرض نفسها بعد غياب هندسته الإسرائيلية الرسمية بانقسام بين الفلسطينيين ورعايته بالحفاظ على الوضع الذي نشأ بينهم.
وقد قدم نتنياهو اعترافاً صريحاً بذلك عندما أعلن منذ الأيام الأولى للحرب رفضه لعودة السلطة وهو التصريح الذي كان يجب أن يهز الفلسطينيين وخاصة حركة حماس التي طردت هذه السلطة من غزة، لتبدأ إسرائيل بالحديث عن مخططات لغزة بضمنها خطة الوزير يوآف غالانت بتقسيم غزة لأربع وعشرين منطقة إدارية، وفي كل منطقة يتم تدريب قوات محلية وبإشراف إماراتي مصري.
وفي هذه الخطة ما لا يختلف عن كل الخطط الهاذية السابقة التي قدمتها إسرائيل.
الشعب غاضب على الفصائل يحملها مسؤولية ما آلت إليه القضية من كوارث، وأن تلك الفصائل كلفته كثيراً لكن النتائج كانت محدودة لا تساوي رأس المال المدفوع ولكن ... لكنه لا يقبل بديلاً لهذه الفصائل وأنها هي مصدر للشرعية ولا يقبل بأي حكم أو قوات خارجها بصرف النظر عن فصيل حماس أو فتح أو غيره، وفي الخطة ما يسيء للدول العربية إذ يصورها كجهات مقاولة لدى إسرائيل في حين أن الإمارات ومصر ومعهما عديد الدول العربية التي تتدخل في هذا الملف أعلنت موقفها القاطع ألا حديث عن اليوم التالي دون ربطه بالدولة الفلسطينية، بل أبعد، أعلنت دول الخليج الممولة أنها لن تساهم بإعمار غزة على غرار المرات الماضية.
نتنياهو خبيث يترك الجيش يجرب ويفشل ليصبح أقوى. وهو يدرك أن تلك الخطط لن تمر فما يدور في عقله أبعد كثيراً منها. فمن ارتكب هذه الإبادة لا يريد حياة في هذه المنطقة، وهو الرجل الذي يراهن على الزمن وأبرز مراهناته هو نجاح دونالد ترامب الذي أصبح مضموناً خاصة بعد المناظرة التي قدم فيها بايدن ما جعل الديمقراطيين يصابون بالذعر. فتجربته مع ترامب تقول إن ذلك السياسي القادم من عالم المضاربات والصفقات والجريمة والتحرش كان مجرد ألعوبة في يد نتنياهو وكذلك تلميذه جاريد كوشنير.
لقد عمل نتنياهو على إعدام الحياة في غزة قاصداً تهجير أهلها، وما زال يمعن في تجويع شمالها بهدف استكمال الأمر رغم طلب محكمة العدل الدولية بمنع التجويع، ورغم أن مبرر الولايات المتحدة لبناء رصيفها العائم الذي وافقت عليه حركة حماس لمجرد أن الأميركان طلبوا إذنها معتبرة أن هذا يمثل إنجازاً بالاعتراف بها، كان المبرر لإدخال المساعدات للشمال أتذكرون ؟
كل ذلك فعله نتنياهو ويفعله لا لإبقاء الناس وهناك خشية كبيرة عندما يجيء ترامب الذي يمارس السياسة كمن يقود جرافة كبيرة أن يحمل هذا المشروع ويرغم دولاً عربية على الالتزام .... أتذكرون عندما قال كوشنير أن «واجهة شاطئ قطاع غزة قيمة وعلى إسرائيل نقل سكانها»؟.