- إصابتان في استهداف طائرة مسيّرة (كواد كابتر) مواطنين بمنطقة الزنة شرقي خانيونس جنوب قطاع غزة
أجزم أن هذا الهجوم على الضفة الغربية الآن ليس سوى هروب من قبل الاحتلال نحو معركة "أسهل" عليه بكثير، ويستطيع أن يدّعي، وفي ضوء النتائج التي ينتظره فيها أنّه أعاد التركيز على هدفه الأهمّ والأكبر في التهامها، ويغطي بالكامل على إخفاقه الكبير في قطاع غزة، وعلى المهانة التي وصل إليها ببقاء "حزب الله" اللبناني على إسناده للقطاع، بل تصعيد هذا الإسناد، ثم بقاء إيران على نفس موقفها من حتمية الردّ على دولة الاحتلال، واستمرار دعمها الكامل لـ"المحور" في فلسطين، وفي لبنان، إضافة إلى استمرار هذا الدعم لـ"الحوثيين" في اليمن، وللمقاومة العراقية، أيضاً.
دولة الاحتلال تعرف وتدرك بعمق أنّها خسرت الحرب الإجرامية والدموية في القطاع، وخسرت معركة الردع في لبنان، وخسرت معركة تحييد إيران، وخسرت قبل هذا وذاك أيّ إمكانية لمنع "الحوثيين" من السيطرة على البحر الأحمر.
الأزمة الأكبر في أداء دولة الاحتلال أنّ الحرب لم تعد خياراً وارداً في المدى المباشر، ولا حتى في المدى المنظور، واستنزاف جيشه وقواته ومجتمعه كلّه، ونزف شديد في واقعه الأمني والاجتماعي والاقتصادي تحوّل إلى سيف كبير وجديد على رقبة الدولة التي أصبحت منبوذة على كلّ المستويات.
الدولة العميقة في الولايات المتحدة أدركت أنّ هزيمة دولة الاحتلال لم تعد مسألة مجرّد إمكانية أو احتمال، وإنّما مسألة واقع مكرّس سيصعّب على أميركا تخليصها من هذه الهزيمة، وقد لجأت إلى التحشيد غير المسبوق بهدف الإيحاء بأنها قادرة على حماية دولة الاحتلال من هجوم كاسح عليها من قبل "محور المقاومة"، ليتبيّن الآن بكل وضوح أنّ المسألة كلّها هي "حماية" وليس المشاركة في الحرب إن وقعت بصورة كبيرة، وواسعة، وبما يفتح الاحتمالات على حروب شاملة.
فهمت دولة الاحتلال الآن أنّ هذا هو السقف الذي تستطيع الولايات المتحدة أن تقدّمه لها بعد كلّ هذه الإخفاقات، وأنّ قرار الذهاب إلى حرب كبيرة أصبح مستحيلاً عليها، وهذا بالضبط هو الذي جعلها "تعلن" أنّها ليست معنية بالحرب، وليس لديها نيّة لمهاجمة لبنان، أو غير لبنان، وأنّها أصبحت تقبل المساندة بوتيرتها القائمة، وهي ــ دون أن تعلن ــ موافقة على استمرارها، ومستعدّة للتعايش معها.
لا يوجد دليل أبلغ من هذا الدليل على أنّ دولة الاحتلال خسرت الحرب في القطاع، وخسرتها في "ردع" "المحور"، وخسرت الحرب عندما رضخت لأن تبقي قواتها، ومجتمعها، وكلّ مقوّمات هذا المجتمع تحت حرب استنزاف ليس لها من نهاية سوى نهاية واحدة: الاعتراف بالهزيمة، أو الموافقة على إنهاء العدوان على القطاع، أو الذهاب إلى حرب ليست قادرة على خوضها الآن على الأقل.
عند هذا الاستعصاء الاستراتيجي الكبير تجد دولة الاحتلال نفسها اليوم، والآن بالذات، وهي لم يعد أمامها سوى البدء بالحرب السهلة، أو هكذا تتصوّر، وتحقيق "إنجازات" سريعة تغطي على الإخفاقات الكبيرة، وهي معركة الضفة.
المعركة على الضفة كانت قائمة وبقوة قبل "طوفان الأقصى"، وأثناء العدوان على القطاع، ولكن دولة الاحتلال كانت تراهن على انكسار القطاع لكي "تنتقل" إلى الضفة لفرض وقائع جديدة في مسار تصفية القضية الفلسطينية.
أما وأنّ هذا قد فشل فشلاً فاضحاً لم يعد أمام دولة الاحتلال سوى استعجال فتح معركة الضفة من أجل التغطية على هزائمها في كل الجبهات الأخرى، وبهدف أن تبدو أنّها "دولة قوية"، تستطيع تغيير الواقع لكي تذهب إلى مفاوضات جديدة بحيث تتحول هذه الوقائع إلى أوراق في يدها بدلاً من الأوراق الخاسرة التي لم يعد لديها سوى هذه الأوراق، ما يعني أنّها تعيد تجميع بعض الأوراق المبعثرة في زحام الحرب التي تخسرها.
ومن خلال معركة الضفة سيحافظ نتنياهو على ائتلافه متماسكاً، خصوصاً أنّ عُتاة الفاشية يعتبرون هذه المعركة بالذات هي "الأم"، أو "أمّ المعارك" بالتعابير العربية الدارجة، وهم أصحاب مشروع الضمّ، ومشروع التهجير، ومشروع إسقاط أيّ كيانية فلسطينية فيها، ومشروع وضع الفلسطينيين أمام الخيارات الثلاثة التي طرحها الفاشي سموتريتش مبكراً على هذه المعركة الحالية، وهي الخيارات التي تتراوح ما بين الرضوخ التام للمخططات الإسرائيلية أو الموت، أو الطرد والتهجير.
لن يفتح الفاشي بن غفير فمه بعد اليوم، وسينضبط بالكامل لأقوال الحكومة الفاشية وأفعالها لأن "معركته" الخاصة قد بدأت، وهو الذي سيتولّى بعض فصولها بالتعاون مع المستوطنين، وسيحاول بكل ما يمتلك من سلاح، ومن عتاد، ومن أجهزة أمن أن يسخّر كل هذه المقدرات في "خدمة" معركة الضفة.
وأمّا سموتريتش فسيوفّر كل الدعم والمساندة المالية لهذه الحرب، ولن يدّخر جهداً في سبيل "إنجاحها"، بل أكثر من ذلك فإنّ عُتاة الفاشية سيفتحون معارك جديدة في القدس، وحول المسجد الأقصى، وحول كل ما يمكن أن يؤدّي إلى إعادة تجييش سوائب المستوطنين في معركة الضفة، من تهجير داخلي في هذه المرحلة، ومن تدمير شامل للبنى في كل مخيمات الضفة، وفي كل البلدات والقرى والمدن التي تشهد تحشيدات فلسطينية للمقاومة والتصدّي لهجمات جيش الاحتلال، ولعربدات المستوطنين.
الفرق بين معركة الضفة التي تراها دولة الاحتلال ممكنة وسهلة، وفيها الكثير من إمكانيات الادعاء بالانتصار والحسم هو أنّها لن تجد عوناً مباشراً وكافياً من أميركا و"الغرب"، ولن تجد "سكوتاً" كافياً من دول الإقليم، وربما لن تجد صمتاً دولياً بما يؤهّلها للربح السهل والصافي، وقد تجد نفسها، أيضاً، أمام مقاومة شرسة بأكثر مما توقّعت، وتجد نفسها أمام انتفاضة مسلّحة لم تحسب لها الحسابات الكافية، وتجد ردّة فعل شعبية أكبر بكثير من "معلوماتها" الاستخبارية، وفي مناطق جديدة، وساحات جديدة ربما تكون قد غابت عنها.
هذه معركة فتحتها دولة الاحتلال تحت ضغط الإخفاق، وعجّلت بها في ظروف انعدام الوسائل والحيلة على جبهات أخرى، وجيشها لا يمتلك نفس الدافعية التي امتلكها ضد أهل القطاع في ضوء الدعاية الصهيونية المغرضة حول "أهوال وجرائم المقاومة" في "الغلاف"، وهي بكل تأكيد تغامر باستخدام فرقة عسكرية كاملة، وستكشف كل جبهاتها إذا ما أصبحت مجبرة على استخدام فرقة جديدة، وذلك لأنّ المقاومة في القطاع في هذه الحالة، وربما في لبنان ستكونان في حالة أفضلية جديدة ستزيد، وربما إلى حد كبير من القدرة على تعميق خساراتها بصورة أكبر بكثير مما هو الواقع الآن، وحينها لن تجد دولة الاحتلال ما تستطيع أن تفعله سوى الانزلاق نحو شنّ حرب يائسة، أو انفجار أوضاعها الداخلية بما هو أكبر وأعمق من مجرّد انقسام أو تمزّق أو هشاشة تسبق في العادة الانهيار الذي تحاول حتى الآن منعه، أو التحايل عليه.