لعل إسرائيل من أكثر دول العالم، إن لم تكن دون غيرها، من يبحث دوما عن ضرورة وجود ما تراه "خطر قومي" يهدد وجودها، منذ قيامها اغتصابًا واحتلالًا فوق أرض فلسطين، لأن تلك أحد أهم الوسائل التي تساهم في تجنيد دعم خاص لها، لا ينضب.
البحث عن "الخطر التهديدي" مسألة لم تختف مطلقا من جدول أعمال مختلف حكومات إسرائيل، فهي جدار لتغطية كل جرائمها وما ترتكبه دوما من عدوان واحتلال، ومنها تبتز غالبية يهود العالم، ومحاولة لتطوير كل أدوات الجريمة ومنها الأسلحة المحرمة دوليا، ولذا لن تقف أبدا عن تضخيم كل ما يمكنها تضخيمه لبقاء "خطر خارجي" يهدد وجودها.
ومؤخرًا بدأت حكومة نتنياهو، وبعض القوى الإسرائيلية برفع درجة "الخطر الإيراني" و"صواريخ" حزب الله وحماس والجهاد الى درجة "الخطر الكبير" الذي يمثل تهديدا وجوديا لإسرائيل، وكأن الحرب الشاملة التدميرية باتت باب قوسين أو أدنى، مستغلين تصريحات تلك الأطراف التي تفتح كل "جبهات الأسلحة التدميرية" صوتيا، دون ان تتقدم بخطوة عملية واحدة ذات قيمة تهديدية، حتى كرد فعل عملي على ما ترتكبه من جرائم ضدهم.
فإيران تم انتهاك "شرفها الأمني" بما نشرته الموساد عن عمليات خاصة بالمفاعل النووي، الى جانب سلسلة غارات عسكرية على الوجود العسكري الإيراني في سوريا، وما أقدمت عليه من عمليات اغتيال لقيادات هامة جدا لحزب الله في سورياـ وارسالها طائرات مسيرة لقلب حارة حريك بالعاصمة بيروت حيث مقر حزب الله ورئيسه حسن نصرالله، في عملية تجسسية نوعية، ولعل الصدفة أو "غيرها" ما منع تفجيرها.
وبالطبع، ابتلع حزب الله تلك الاهانات ولجأ الى الرد "الصوتي جدا" على اهانات إسرائيل المتلاحقة له، وصلت الى اعتباره إطلاق صاروخ على طائرة إسرائيلية مسيرة فوق أرض لبنان "منجزا تاريخيا"، رغم ان فصائل قطاع غزة تقوم بمثل ذلك "المنجز" بشكل شبه يومي.
ولن نقف عند تصريحات بعض قادة فصائل قطاع غزة التهديدية لدولة الكيان، فبعضها يمكن اعتباره "فشة خلق" نتاج حصار ظالم قاتل أو رسالة ترهيب للداخل الفلسطيني، وبعضها "هدية" لمن يبحث عن منجز أي كان، لتسخيره في معاركه الخاصة مع غير إسرائيل.
ربما لدى تلك الأطراف أسلحة تلحق ضررا تدمريا بدولة الكيان وتكبدها من الخسائر ما يجبرها على المضي صوابا، ولكن ما يجب معرفته أن ذلك لن يكون يوما سوى في حالة نادرة، وقد لا يكون أيضا.
إسرائيل بحاجة جدا لوجود تلك الأطراف التي تهددها ليلا نهارا، بأنها تمتلك القدرة على مسحها من الوجود، ولو لم تكن موجودة لعملت على وجودها، والتاريخ لا يخلو من ظاهرة كتلك، التي تمثل خدمة جوهرية للدولة العدوانية.
دولة الكيان، تدرك تماما ان خاصرتها الضعيفة هي الجبهة الفلسطينية، ولم تحاصر يوما كما حوصرت عبر الانتفاضة الشعبية الكبرى من 1987 حتى 1993، انتفاضة شعبية وضعت دولة الكيان أمام حصار لم تعرفه منذ قيامها اغتصابا، انتفاضة أجبرت حكومة رابين أن تعقد اتفاقا مع منظمة التحرير بقيادة الخالد ياسر عرفات، ليكون منه تأسيس أول سلطة فلسطينية على الأرض الفلسطينية في التاريخ، اتفاق أجبر دولة الكيان على اعتبار الضفة أرض فلسطينية، ما مثل نسفا للرواية "التوراتية" حول المشروع اليهودي، ولذا كان اغتيال رابين في 4 نوفمبر 1995 مقدمة ضرورية لاغتيال اتفاق أوسلو، ثم اغتيال المؤسس ياسر عرفات، فتح الطريق للمشروع التهويدي بالمضي قدما، ومشروع تدمير الكيانية الفلسطينية الوليدة واستبدالها بهزليات كيانية مقسمة.
"الظاهرة الصوتية التهديدية"، هدايا سياسية أمنية تنتظرها إسرائيل كما ينتظر الأطفال "هدايا بابا نويل"، وإن لم تكن موجودة لعملت بكل السبل وبدعم أمريكي على ان تكون...
فحذار من "مقاومة الصوت العالي"...!
ملاحظة: منعت حماس قيام فتح (م7) الاحتفال بذكرى اغتيال الخالد أبو عمار ولم تمنع أي احتفال...الفرق سياسي وواضح...رغم أن سلوك حماس رد فعل على سلوك سلطة عباس لكنه سلوك خاطئ ومرفوض!
تنويه خاص: مفارقة ظريفة اعلان حركة فتح (م7) بأن مرشحها الوحيد للانتخابات الرئاسية سيكون محمود عباس...طيب مش بالأول تقولوا متى هي تلك الانتخابات...صحيح ليش بيان "الولاء الأعمى" تجاهل حق الآخرين!