انقسم الناس كعادتهم على اغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الايراني قاسم سليماني وأصبح ذلك واحداً من المشاهد الدائمة للحالة الفلسطينية والتي تعززت بعد اختراع وسائل التواصل الاجتماعي وأعطت للجميع أن يقول رأيه ويقاتل سواء بعلم أو بغير علم المهم أن الفلسطيني دوماً لديه ما يقوله ولأن كل واحد منا يعتقد أنه لا ينطق عن الهوى وأنه يملك جادة الصواب وأصبح النقاش على درجة من الصعوبة فلا يقتنع أحد برأي الآخر ولا أحد يغير رأيه ومواقفه المسبقة ولم يعد أحد يستمع لأهل الاختصاص كما السابق فكل يعتد بموقفه الذي لا يتغير حد العناد النرجسي الم يقل محمود درويش " ما حاجتنا للنرجس ما دمنا فلسطينيين "؟
عندما تنهار المعايير يصبح الحكم على الأشياء وفقاً لمفاهيم لا معيارية من الصعب أن تجد اجماع حولها فكيف ستقنع البشر أو حتى النقاش معهم حول مسألة ما لديهم موقفاً مذهبياً مسبقاً منها ، يبدو هنا النقاش بلا جدوى بل ويتحول الى ساحة للشتم والسب لإثبات صحة المواقف أو المذاهب المسبقة دون الأخذ بعين الاعتبار المصالح العليا حين ينطلق تقييم الموقف من مصالح صغرى مذهبية أو حزبية أو مالية فلا مجال للتغيير ومن العبث المحاولة حتى .
الارث التاريخي للمنطقة أكثر ثقلاً من تحرير وعي أفراده والأحداث الكبرى والسريعة تجعل الناس أقل قدرة على رؤية الأمور بذلك الوضوح وتشابكات المصالح وتضارب التحالفات حد الجنون يجعل من الحكم على الأشياء مسألة في غاية الغرابة والاستحالة والأبرز أن حالة الضعف العربي الى أبعد الحدود تجعل من أية محاولة للحديث عن الاصطفافات مسألة مشوبة بحذر شديد وخصوصاً أن الصراعات العربية الدائمة تنبني على مناكفات أقل كثيراً وأصغر كثيراً من أن تجعل مثقفاً حقيقياً أن يقف مع أو ضد والأهم أن الاصطفاف على الحياد أصبح تهمة في عصر الرداءة والرذالة.
لم يعد هناك غرابة من أن يقف الانسان ونقيضه في صف واحد والأغرب أن تجد من يدافع عن اصطفافه مع عدوه بنفس الهدف لأسباب قبلية أو مذهبية قديمة ولأن حسابات المصالح والمذاهب هي من أصعب المواقف غير القابلة للنقاش أصبح العقم والابتذال هو ما يطغى على كل شيء.
هل كان يمكن في الثمانينات مثلاً اقناع أي من الاسلاميين "المجاهدين العرب" في أفغانستان بأنه مجرد عميل صغير في حرب كبرى؟ فقد تم حشوه بأنه يقاتل عدو الاسلام الكافر لحماية اسلامه، وهل كان يمكن اقناع أي من الاسلاميين المجاهدين من عناصر داعش بأنهم مجرد عملاء صغار في حرب كبرى ولسوء حظ الاسلاميين أن مشغلهم في الحالتين كانت وكالة المخابرات المركزية الأميركية.
والأصعب في الحالتين هو نقاش المؤيدين المحشوين بما يقوله الفقهاء والسفهاء وسط أمة أفردت لهم مساحة في ثقافتها ووسائل اعلامها ومنابرها، أمة سلمت عقلها لما يقولونه ويدعونه ويؤلفونه أو لما تمليه مصالحهم وارتباطاتهم، ان أمة تفقد ميزانها ومعايير حكمها على الأشياء تتوه في عالم السياسة وحين تهبط تلك المعايير الى مستوى القبيلة تصبح السخرية أبرز شكل للتعبير عنها وربما كان الأكثر صدقاً هو الفنان الساخر "زياد رحباني" عندما اختصر الصراع في الاقليم وتحالفاته حين قال "الشيعة لهم روسيا والسنة لهم أميركا والشيوعيين لهم الله،" يبدو أن لا أحد لهذه الأمة سوى الله لينقذها من تيهها، لذا فلا جدوى من نقاش التداعيات والتأثيرات الكبرى فالأولى أن تنظر الى مستوى ما نتحدث به لندرك حجم مأساتنا وكفى...!!!