د. هشام عبد الرحمن
الكوفية:مضى عام آخر على فتح، عام حمل معه العديد من الازمات والتعقيدات والمبادرات لتحقيق وحدتها وضمان عودتها لقيادة المشروع الوطني ومازالت فتح تصعد الي الهاوية رغم كل ما نراه في اللحظات المصيرية للحركة من حضور جماهيري قوي ولعل ما تابعه العالم اجمع في ذكري الانطلاقة الـ55 اكبر دليل علي ان جماهير فتح بخير على عكس قادتها الذين شتتهم الصرعات ومزقتهم الخلافات. فتح التي مرت على مدار تاريحها العريق والطويل بالعديد من النكسات والانشقاقات لكنها خرجت من كل ازمة اكثر قوة وصلابة.
مضى عام اخر لم يتحقق فيه اى انجاز فتحاوى على صعيد الحركة, فلا انتخابات للاقاليم ولا تصليب للهياكل والمواقف وانعدام تام لكل سبل الحوار الفتحاوى الفتحاوي, ولا يلوح في الافق ما يطمئن القلب, وتمر الذكري تلو الذكري ولا نرى الا مزيدا من الفرقة والمناكفات, ومزيدا من ابتلاع الارض وانتهاك المقدسات وازدياد المؤامرات التصفوية لفتح وللقضية الفلسطينية, وعلى الصعيد التنظيمي تواجه فتح معضلات التناقض بين حفاظها على طابعها كحركة تحرر أوتحولها إلى حزب للسلطة كما طرح في مؤتمرها السابع، فلكل أمر استحقاقاته ومتطلباته، ومن الصعب في حال حركة مثل فتح على هذا القدر من الانفلاش تحقيق المواءمة بين هذين الاستحقاقين، وهو ما يتطلب وقفة جادة لإيجاد معادلة تمكن الحركة من إيجاد التناسب بين كلا الاستحقاقين او مناقشة الموضوع بشكله النهائى في مؤسسات الحركة للفصل مابين فتح كتنظيم ومابين السلطة كمؤسسة حاكمة.. هده هي اكثر مشكلات فتح الحاحاً في وقتنا الحالي بحاجة للحسم التنظيمي.
وبغض النظر عن أزمة القيادة في فتح، المتمثلة بتفشي ظاهرة القيادة الفردية، والمتمحورة بشخص الرئيس (الذي هو زعيم فتح ورئيس منظمة التحرير ورئيس السلطة الوطنية) علينا أن نكون صادقين مع أنفسنا، وأن نعترف بأن حركة فتح تكون كبيرة بالكل الفتحاوي وعظيمة بعظمة قادتها ومناضيلها، لذا لازلنا نطالب بوحدة حركة فتح بعيداً عن الإقصاء والتسلط والهيمنة، حركة فتح أصبحت في وضع لا تحسد عليه أمام سياسة إنعزالية للرئيس عباس، وتقوقعا على ذاته والمجموعة الموالية له او المحيطة به، فإن أزمة فتح تتجلى، أيضا، في مجالات السياسة والبنية التنظيمية وأشكال العمل. لذا فان التجديد والاستنهاض ضرورة دائمة مرتبطة بثنائية النقد الذاتي والابداع داخل الحركة، فكلما تراخى الاعضاء او تكلست الأطر او انسدت قنوات الاتصال.. نواجه ازمة جديدة تدخلنا في متاهات جديدة نحن في غني عنها. ان ازمة فتح شمولية تتعدى ازمة القيادة والهياكل الي ازمة البرنامج والتجديد والتتدافع لكل اجيالها المتعاقبة فهي فتح المحبة والديمقراطية، فتح الثورة والجهاد والنضال بكافة أشكاله، وحركة الشيوخ والشبيبة والمرأة الحامية، وحركة الصدر الرحب المتسامح حتى مع ألد الخصوم، وحركة فتح التي لم توجه بندقيتها أبدا إلا في وجه العدو الصهيوني الذي يحتل أرضنا السليبة فلسطين.
كما ان المشكلة لا تكمن في اللجنة المركزية فحسب، وإنما في طبيعة الحركة، فهرم الحركة لا يرتكز على التنظيم (الحزب) وإنما على الأجهزة، وحتى أن التنظيم يعتبر جهازا من الأجهزة ولاشكّ بأن اللجنة المركزية، في وضع كهذا، تبقى مركز القرار ومصدر السلطات، فهي التي تتحكم بإدارة الأجهزة الحركية (القوات ـ المالية ـ الإعلام ـ التعبئة والتنظيم..الخ).
وبنظرة متفحصة للوضع الفتحاوى نجد امامنا اليوم 3 تيارات تقود حركة فتح كما يراها المراقبون وهي:
التيار الأول: هو التيار النضالي المقاوم أو تيار الحرس القديم، تيار يشمل القادة المؤسسين وقادة العمل المسلح رفاق ياسرعرفات وخليل الوزير, وداخل هدا التيار اختلافات عديدة حول توقيت وشكل العمل المسلح.. واختلاف على وسيلة المقاومة بين مسلحة، أو مسلحة ضمن اتفاق، أو مسلحة ضمن جغرافيا محددة ولزمن محدد، وما بين استمرارها شعبية سلمية ولكن بإطار الشمولية، وهذا هو التيار الأول.
أما التيار الثاني: فهو التيار النضالي السلطوي او تيار الرئيس عباس، وهو تيار نضالي مرتبط بالسلطة يسعى للبناء داخليا، ويستخدم كل العوامل الخارجية السياسية والقانونية لدعم البناء، بعيداً عن فكرة الصدام المسلح مع الاحتلال.
أما التيار الثالث: هو التيار الاصلاحي او تيار دحلان, وهو تيار قوي بالحقيقة, وتيار جديد ظهر على الساحة الفتحاوية قبل سنوات قليلة, وظهر كتيار وسط يتقرب من كلتا التيارين السابقين ليتقوي بهم حيث يمزج بين العمل السياسي والاجتماعي وله نفوذ او علاقات واضحه مع الكتائب المسلحة لفتح بقطاع غزة.
وعليه فإن تاريخ الحركة العريق ووصايا الشهداء وعذابات الاسرى وامال جماهير فتح التي ملأت شوارع غزة وذكري انطلاقة الثورة المعاصرة, تملي علينا مهمة إعادة بناء حركة (فتح)، وتحقيق المصالحة الداخلية، وتفعيل كافة الهياكل القيادية للحركة، ليأخذ الجميع دوره في الدفاع عن الحركة ودورها الريادي في قيادة الحركة الوطنية، والحفاظ على منجزاتها ومواصلة تراكمها حتى يتحقق لشعبنا إنجاز كامل أهدافه الوطنية, اخدين بالحسبان دمج كافة التيارات الموجودة على الساحة في قالب واحد يعمل من اجل الكل الفتحاوي خاصة بل والحال الفلسطيني عامة, ويتأتى ذلك من خلال الاسراع باعلان مصالحة فتحاوية فتحاوية على اسس النهوض بالحركة وتفعيل النظام والبحث في الاشكاليات انفة الذكر مصالحة من اجل فتح وليس من اجل تخطى عقبة الاستحقاق (الانتخابات) فحسب.. وانما اعادة الاعتبار لتاريخ الحركة وضمان سيرورتها في المستقبل.