كتب – علي أبو عرمانة: "لا صوت إلا الصوت الفلسطيني الذي ينادي بوحدة منظمة التحرير وشرعيتها"، كانت هذه الكلمات التي قالها الشهيد القائد صلاح خلف "أبو إياد" كفيلة بأن يصدر قادة الاحتلال قرارا باغتياله.
في يوم الجمعة الرابع عشر من يناير/كانون الثاني عام 1991، غيبّت رصاصات الغدر أحد أهم مؤسسي حركة فتح وعضو لجنتها المركزية، الشهيد القائد صلاح خلف، ورفيقيه، عضو اللجنة المركزية، الشهيد القائد هايل عبد الحميد "أبو الهول"، والشهيد القائد فخري العمري "أبو محمد" أحد المساعدين المقربين لأبو إياد في جهاز الأمن الموحد آنذاك، وذلك في تونس العاصمة، أثناء اجتماع كان يعقده الثلاثة في منزل هايل عبد الحميد في قرطاج.
وفقدت منظمة التحرير والثورة الفلسطينية وحركة فتح باغتيالهم، ثلاثة من أخلص وأمهر قادتها، وقبل اغتيال القادة الثلاثة بأسبوعين، توجه الشهد صلاح خلف إلى العاصمة الأردنية عمان لأول مرة بعد جفاء سنوات، وألقى كلمة في النادي الملكي في احتفالية لحركة فتح في مهرجان شعبي بحضور جميع اللاجئين، وفي هذا اليوم بالذات ولأول مرة، طلب أبو إياد من مرافقيه الانتباه جيداً، وكانت تلك المرة الأولى التي يطلب منهم الانتباه جيداً، وغادر بعدها إلى بغداد ثم عاد إلى تونس.
ليلة الاغتيال
قبل ساعات من اغتياله، جلس الشهيد أبو إياد في بيت فخري العمري، وكان من المفترض أن يلتحق بهم أبو مازن للسهر معهم، ولكن بعدما تأخر عن الجلسة، طلب ابو إياد من العمري التوجه لمنزل هايل عبد الحميد القريب من القصر الرئاسي التونسي، نتيجة وضعه الصحي غير المستقر.
في هذه الفترة، تصادف دوام الحارس حمزة أبو زيد، وهو من حراس منزل الشهيد أبو الهول، ودار حوار بينه وبين حارس آخر بوجود ضيوف لدى أبو الهول، وعندما عرف حمزة بأن أبو إياد يتواجد في منزل أبو الهول، وقف عند سيارته خارج المنزل، ودخل في حوار مع صديقه المسؤول عن حراسة المنزل، حول إذا ما كانت سيارة أبو إياد مصفحة أم لا، وقام حمزة حينها بسحب أجزاء سلاحه الكلاشينكوف على سبيل المزاح تجهيزاً لجريمته.
خدعة حمزة
بدأ حمزة البحث عن مبرر لدخول المنزل، خاصة أنه من المكلفين بحراسة البيت من الخارج، وغير مخول له دخول المنزل، فبدأ بالتذرع للحارس الخارجي أن هناك تماسا كهربائيا في الطابق العلوي لأن الإضاءة تعمل ثم تختفي، وطلب من الحارس إبلاغهم، فقال له لا يوجد شيء، الأمور طبيعية ولم ألحظ أي تماس أو انطفاء في الأنوار، وهنا حاول إقناعه بضرورة إبلاغهم.
بعد إصرار حمزة، وقع هنا الخطأ من الحارس الخارجي، بعدما قال له ادخل إلى البيت وأبلغهم بهذا التماس، مع العلم أنه يمنع دخول أي شخص من الحراسات الخارجية داخل المنزل.
بدأ حمزة بالطرق على باب البيت، وكان سلاحه جاهزاً لإطلاق النار، وعندما فتحت له "الخادمة" الباب، أبلغها أن هناك تماسا كهربائيا في الطابق العلوي، وبمجرد دخول حمزة المنزل، أطلق النار مباشرة على صلاح خلف المتواجد في صالة الضيافة على يمين بوابة الدخول مباشرة.
بمجرد دخول حمزة للبيت، رفض الدخول في حوار مع أبو إياد، وأطلق صوبه رصاصتين، الأولى أصابته تحت العين والثانية في القلب، وهنا حماه الشهيد العمري ووضع صدره بصدر أبو إياد، فأصيب بـ20 رصاصة وقتل على الفور، وهنا قام أبو الهول بالهجوم على حارسه حمزة، فخرجت آخر رشقة من الرصاصات أصابت الجزء السفلي لأبو الهول.
فشل الخطة
ساد التوتر في المكان، خاصة أن صوت إطلاق النار جاء من داخل المنزل، وبدأ الحراس بالتحرك، وفشلت خطة حمزة التي رسمها بأن يتم إطفاء الأنوار بعد الاغتيال والهروب من المنزل بسيارته إلى أقرب نقطة للجزائر على الحدود مع تونس.
وبعد فشل خطته، اضطر حمزة أبو زيد لاحتجاز زوجة الشهيد أبو الهول وخادمتها كرهائن، ودخل في جدال مع حارس البيت الذي سمح له بالدخول إلى المنزل، وقال له الحارس، "انت خربت بيت الشعب الفلسطيني"، ليدخل حمزة في حالة هستيريا.
حاصر الأمن التونسي المنزل بعدما احتجز حمزة الرهائن في الطابق العلوي من المنزل، ولفظ أبو الهول أنفاسه الأخيرة في السيارة قبل الوصول للمستشفى، وبدأت حالة الطوارئ في المنطقة، وهنا طلب حمزة إحضار وزير الأمن التونسي، فحضر أبو القاسم مسؤول الأمن في فرقة التدخل، فطرده حمزة وأطلق النار عليه وأصابه في إصبعه.
اعتقال فإعدام
رضح الأمن لطلب حمزة، وحضر الوزير التونسي، ليطلب حمزة منه إحضار طائرة لإخلائه من المكان، وبعد فترة من الحوار والنقاش والتفاوض، قرر تسليم نفسه ووضع سلاحه على الحائط وسلم نفسه للأمن التونسي، وتم وضعه في الكرسى الخلفي في سيارة أمنية وتم حمايته بأكثر من أربعة أشخاص خلال نقله.
خضع حمزة لتحقيق سري للغاية، وتم نقله بطائرة مقيدا بسلاسل من تونس إلى الجزائر ثم اليمن، ورافقه في هذه الرحلة ضباط أمن فلسطينيون، هم، مجيد الأغا وعبد الله الحوراني وغازي الجبالي.
صدر بحق حمزة حكم بالإعدام، وتم تنفيذه على متن سفينة في اليمن، نتيجة ضغوطات مورست على منظمة التحرير، وتم إلقاء جثته في البحر، بحضور أبناء الشهيد أبو إياد.
وأُعلن بعدها أن المنشق عن حركة فتح صبري البنا "أبو نضال" هو من يقف وراء الاغتيال خدمة للمصالح الإسرائيلية، وتم اعتقاله واستجوابه من قبل أجهزة الأمن التونسي.
ثروة فكرية ونضالية
من جهته، أحيا تيار الإصلاح الديمقراطي في حركة فتح، ذكرى استشهاد القادة الثلاثة، مدشنا حملة إلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي عبر هاشتاج #الضمير_الهول_العمري، إحياءً للذكرى الخالدة.
وقال معتمد قيادة حركة فتح - ساحة غزة، النائب ماجد أبو شمالة، "أيام قليلة تفصلنا عن تاريخ موجع للوطنين والثائرين بشكل عام، والفلسطينيين بشكل خاص لاسيما أبناء الأرض المحتلة، وهو اليوم الذي رحل فيه ثلاثة أقمار من قيادات فتح المؤسسين الذين شكلوا مركز ثقل فكري وثوري، هم القادة أبو ياد وهايل عبد الحميد وفخري العمري رحمهم الله وأسكنهم فسيح جناته، بما قدموه لأمتهم وشعبهم من قيم وتضحيات ونبل أخلاق تدرس ويحتذى بها".
وأضاف أبو شمالة، أن "صلاح خلف صاحب الرؤية والمواقف والمنطق ورجل فتح الثاني، هو واحد من القيادات الفلسطينية في التاريخ المعاصر الذي امتلك بصيرة وقدرة على التحليل وصياغة الاستراتيجيات وفن التفاوض، وهو من القلائل الذين علموا بحرب أكتوبر، وشارك غرفة العمليات بطلب من الرئيس السادات وهو من الذين آمنوا بنظرية الحل المرحلي وإقامة دولة فلسطينية ديمقراطية على أي بقعة من أرض فلسطين تكون قاعدة لتحرير باقي فلسطين".
وأشار إلى أن "صلاح خلف من أكثر المدافعين عن استقلالية القرار الفلسطيني ورفض التبعية والأكثر جرأة في رد أي عدوان لفظي أو مادي على الشعب الفلسطيني ولم يخش يوما مواقفه تجاه دولة أو قيادة"، موضحا أنه "من الذين كرسوا مفهوم أن الاختلاف قيمة على قاعدة المحبة، وكان له الكثير من المواقف التي خالف فيها الشهيد ياسر عرفات ولم يفسد ذلك ابدا علاقة الرجلين".
وأكد، أنه "على الرغم من أن صلاح خلف كان ذخرا وثروة فكرية، إلا أنه لم يقم بتوثيق أفكاره في كتب أو مخطوطات باستثناء كتاب فلسطيني بلا هوية".
واختتم أبو شمالة، مستذكرا أبرز عبارة الشهيد ابو إياد، قائلا، "من أقوال الشهيد صلاح خلف، عازمون على البقاء كشعب وسيكون لنا ذات يوم وطن، و "دوري كقائد ثوري أن أبث الأمل وأعزز بواعث شعبنا على مواصلة المعركة"، كما قال إن الشعب الفلسطيني قد ينكسر، وقد ينتصر وقد يصمد، ولكنه ينفجر وإذا انفجر فإنه يحاسب وحسابه يكون عسير وعسير جدا".