بعد اتفاق حزبي الليكود وأزرق_ ابيض وتكليف نتانياهو بتشكيل الحكومة الاسرائيلية وما يتضمنه برنامج الحكومة المشتركة من توافق غالبية الأحزاب الاسرائيلية على ضم الكتل الاستيطانية في الضفة الغربية وغور الإردن، والضوء الأمريكي الأخضر بالضم حتى أن سفيرها في اسرائيل يحث حكومة الاحتلال على الاسراع في ذلك أكثر مما يفعله قادة المستوطنين، فالواضح أن الحكومة الاسرائيلية القادمة ستبدأ فور تشكيلها بتنفيذ سياسة الضم تدريجياً غير آبهة برفض غالبية دول العالم لذلك، وضاربة بعرض الحائط للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، وغير مكترثة بالتهديدات التي أطلقتها السلطة الفلسطينية بإلغاء كل الاتفاقيات معها في حال أقدمت حكومة الاحتلال على الضم، ومستفيدة بإنشغال العالم بجائحة كورونا وتداعياتها.
الرئيس الفلسطيني قال " لن نقف مكتوفي الأيدي في حال نفذت اسرائيل عملية الضم وسنعتبر كل الاتفاقيات مع اسرائيل وأمريكا لاغية"، والحقيقة أنه ما كان علينا أن نقف مكتوفي الأيدي خلال السنوات الماضية التي تنصلت فيها اسرائيل من اي استحقاق لمسيرة السلام، وكان علينا أن نتبنى استراتيجية عمل واضحة بالانفكاك عن اوسلو منذ اليوم الذي أطلقت فيه حكومة الاحتلال رصاصة الرحمة على مسيرة السلام التي دخلت موتاً إكلينيكياً منذ إغتيال رابين، لكن على أي حال ما الذي علينا فعله اذا ما أقدمت حكومة الاحتلال على الضم؟، لا أعتقد أن الإجابة على السؤال تتوقف عند مدى الجدية في تنفيذ التهديدات بل أن تذهب إلى ما بعد ذلك بخطة عمل واضحة بعيداً عن الاجتهادات وردات الفعل، إن إلغاء الاتفاقيات مع الجانب الاسرائيلي يجعلنا أمام خيارين:
الأول أن يأخذ طابع الإلغاء تنصل السلطة من الالتزامات التي يفرضها عليها اتفاق اوسلو، وأن تشرع في تقليص العلاقة الاقتصادية والأمنية مع دولة الاحتلال دون الوصول إلى مستوى القطيعة الكاملة، وهذا يعني الإبقاء على السلطة الفلسطينية حتى وإن جرى بعض التعديلات في وظيفتها املاً في متغير دولي وإقليمي يعيد الحياة إلى مسيرة السلام، وهذا الخيار يفضي بالنهاية إلى إبقاء الوضع إلى حد كبير على ما هو عليه حتى وإن ارتدى عباءة إلغاء الاتفاقيات.
الثاني أن يرافق الغاء الاتفاقيات حل السلطة الفلسطينية والعودة بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي إلى ما قبل اوسلو، على إعتبار أن السلطة الفلسطينية هي نتاج اتفاق اوسلو وإلغاء الاتفاق يلغي كل ما ترتب عليه، وأن تستعيد منظمة التحرير الفلسطينية دورها في قيادة النضال الفلسطيني بما يتطلبه ذلك من إعادة بناء مؤسساتها على أن تضم الكل الفلسطيني، ولا شك أن هذا الخيار فيه من المجازفة الشيء الكثير.
هل إلغاء الاتفاقيات هو الملاذ الأخير لدينا؟، اسرائيل لم تعلن عن الغاء الاتفاقيات الموقعة مع منظمة التحرير أو السلطة الفلسطينية رغم أنها أفرغتها من كل مضمونها ولم تبق منها إلا ما يخدم مصالحها، لماذا لا نبني استراتيجية عملنا في المرحلة القادمة دون الحاجة للإعلان عن إلغاء الاتفاقيات، سيما وأن اتفاق اوسلو كان لمرحلة انتقالية انتهت ونتمسك فقط بما يخدم مصالح شعبنا وقضيته فقط ونوقف العمل بكل ما تضمنتها تلك الاتفاقيات من بنود تخدم الاحتلال بشكل كامل وفي مقدمتها التنسيق الأمني، ونستند في عملنا على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بإعتبار فلسطين دولة غير عضو في الأمم المتحدة، أي أن نذهب بإتجاه الدولة تحت الاحتلال بكل ما يتطلبه ذلك من إجراءات، وفي مقدمتها تشكيل جمعية تأسيسية تكون مهمتها إعداد دستور دولة فلسطين يعرض على الشعب الفلسطيني عبر استفتاء، ومن ثم نذهب لإنتخابات على قاعدة الدولة وليس السلطة الوطنية، وأن نشرع بتغيير وظيفة السلطة عبر اضفاء مفهوم الدولة على كل المؤسسات في بنيتها وعملها، ونكون بذلك قد وضعنا اتفاق اوسلو وما تبعه من اتفاقيات خلف ظهورنا وبات ما يحكمنا فقط مفهوم الدولة بخطة عمل واضحة المعالم وتحظى بإجماع الكل الفلسطيني، بأي حال من الأحوال اذا ما أقدمت حكومة الاحتلال على الضم فإن ما بعده لن يكون بأي حال من الأحوال كما قبله، لكن المهم ألا ندخل في سياق رد الفعل دون أن يكون لدينا استيراتيجية واضحة تحظى بالاجماع الفلسطيني وبالتأكيد ذلك يتطلب أولاً وقبل كل شيء انهاء حالة الشيزوفرينيا في النظام السياسي الفلسطيني.