مسامير كثيرة، بل شواريخ كثيرة دقتها إسرائيل ليس في ظهر الشعب الفلسطيني فقط، وإنما في ظهر الأمتين العربية والإسلامية وفي ظهر المجتمع الدولي والأمم المتحدة على وجه الخصوص، غير أن إقدام إسرائيل على الإعلان عن بسط سيادتها وقوانينها على ثلث مساحة الضفة يشكل القشة التي تكسر ظهر البعير.
قد تبدو مواقف العرب والاتحاد الأوروبي ودول منظمة التعاون الإسلامي جادةً وحقيقية إزاء عملية الضم التي يصر الإسرائيليون على تنفيذها قبل نهاية هذا العام، غير أن الموقفين الفلسطيني والأردني هما اللذان يشيران إلى مدى خطورة السياسة الأميركية - الإسرائيلية.
تصريح الملك عبدالله بن الحسين الذي حذر بلغة جريئة غير مسبوقة من حيث حدتها ووضوحها، حذر إسرائيل من أن إقدامها على تنفيذ قرار ضم غور الأردن وشمال البحر الميت من شأنه أن يدفع نحو صدام كبير، هذا التصريح جعل الفلسطينيين والأردنيين يقفون في مربع واحد.
تماماً كما التصريحات الأميركية - الإسرائيلية، وضعتهما في مربع واحد. كتاب ومراكز بحثية وأجهزة أمنية وحزبية في إسرائيل وجاليات يهودية حذرت من عواقب وآثار إقدام حكومة الرأسين على تنفيذ قرار الضم وترسيم الحدود الشرقية مع الأردن، لكن رأسي الحكومة قيصرية الولادة يصران على تجاهل كل المواقف وكل التحذيرات الداخلية والخارجية.
ما كان للملك الأردني أن يطلق مثل هذا التحذير الذي يعبر عن غضب مستطير لولا شعوره العميق بالمخاطر الاستراتيجية الكبرى التي تنتظر بلاده.
الأردن الذي وقع اتفاقية وادي عربة مع إسرائيل العام 1994 ويتلقى مساعدة مالية سنوية من الولايات المتحدة مقدارها مليار ونصف المليار دولار، ما كان له أن يعبر عن رفضه للقرار الأميركي - الإسرائيلي لولا أن معادلة الوطن مقابل المال لا يمكن أن تكون مقبولة بأي حال.
ألم يكن هذا هو جوهر الصفقة المطروحة على الفلسطينيين وجوهرها السلام الاقتصادي بمعنى مقايضة الحقوق والكرامة ببضعة مليارات من الدولارات؟ في الواقع فإن المخطط الأميركي الصهيوني لا يقف عند هذه الحدود، ذلك أن أبعاد هذا المخطط تنطوي في قادم السنين على سياسة ترانسفير للفلسطينيين في اتجاه الأردن، طالما أن إسرائيل تصر على إقامة الدولة اليهودية النقية، ما يوجب حتى طرد الفلسطينيين أصحاب الأرض المقيمين على أرضهم التاريخية.
المخطط الصهيوني يجب أن يقرأ من أساسه ومن بداياته وحتى نهاياته المفتوحة على التوسع في المحيط العربي والإقليمي وحتى تكون إسرائيل بلا منازع شرطي المنطقة، والأداة الرئيسة للاستعمار الدولي. استناداً للمخطط الأساسي، فإن الأردن له دور وظيفي ويبدو أن المرحلة تتطلب شطب هذا الدور بما أنه يشكل عقبة أمام التوسع الإسرائيلي.
هل علينا أن نقلب أوراق التاريخ واتفاقيات الدول الاستعمارية التي انتصرت في الحرب العالمية الأولى. إذا أراد البعض أن نتجاوز ذلك، فهل نذكر بسياسة الفصل؛ فصل غزة عن الضفة وفصل القدس وفصل كل مدينة في الضفة عن الأخرى والجنوب عن الشمال؟
هل نذكر بتصريحات شارون في ثمانينيات القرن الماضي حين أكد مراراً أن الأردن هو الوطن البديل للفلسطيينين؟ لقد أدرك الفلسطينيون مبكراً مدى خطورة وجدية السياسة الإسرائيلية، وأكدوا مراراً رفضهم لفكرة ومخطط الوطن البديل.
كل هذا يفترض أن يؤدي إلى تلاحم كامل أردني - فلسطيني لمقاومة هذا المخطط، بدءاً من اليوم ودون تأخير. الأردنيون والفلسطينيون عليهم أن يتخذوا مواقف حاسمة إزاء التخلص من اتفاقيتي أسلو ووادي عربة وإعادة تعبئة قواهم استعداداً للمواجهة المقبلة، كما أشار إلى ذلك تصريح الملك عبدالله الذي وضع الإصبع على الجرح.