لا شك أن منظمة التحرير الفلسطينية كجبهة وطنية جامعة لأغلبية الفعاليات الفلسطينية، تعاني الوجع والانقسام والترهل لأسباب ذاتية يقف في طليعتها:
1- هرم قياداتها، وعدم تجديد شبابها وفقدان الحيوية والمبادرة في مفاصلها.
2- هيمنة العقلية الاستئثارية الأنانية الضيقة، غير الجبهوية، غير العرفاتية في إدارتها وقياداتها.
3- وقوع قياداتها في مطب الاستعجال وسيلان لعابهم للفوز بالسلطة والامتيازات والوظائف قبل استكمال خطوات الاستقلال الوطني، التي بدأت مظاهرها بنظام غزة وأريحا أولاً، وسلسلة الانسحابات الإسرائيلية من المدن الفلسطينية، فغرقت قياداتها في ماراثون البيروقراطية الوظيفية، والتخلي عن موقعها الكفاحي، وأُسقط وعيها باعتبارها جزءاً من حركة تحرر وطني، واندمجت في مكاسب ومتاعب السلطة ومطالبها، وغابت عنها روح المبادرة الكفاحية، بعد أن فقدت قائدها ورمزها ومفجر ثورتها، وسقطت من بعده خيارات التحالف الجبهوي والحرص على قواعد الشراكة وضرورة توسيعها، والانغماس بعقلية الاستئثار والفردية والدونية، رغم أن الاحتلال في أذار 2002 أعاد احتلال المدن الفلسطينية التي سبق وانحسر عنها، وتراجع عن خيار الانسحابات التدريجية، بعد اغتيال إسحق رابين 1995، وياسر عرفات 2004.
4- الانقسام الذي وقع بفعل انقلاب حركة حماس الدموي عام 2007، وسيطرتها المنفردة على قطاع غزة، وتشكيلها لمؤسسات جماهيرية ومهنية انقسامية بديلة للاتحادات المهنية والشعبية خارج فلسطين، وانعكاس ذلك سلبياً على الجاليات الفلسطينية وتخريب انجازاتها وتمزيق وحدتها.
هذا التمزق الذاتي جاء وانتشر وتعمق بفعل العوامل الموضوعية التي لا تقل سوءاً وانحداراً عن العامل الذاتي، وسلبياته التي أدت إلى تراجع الروافع السياسية الداعمة وغيابها عن الحدث المؤثر في دعم الشعب الفلسطيني ومنظمة التحرير متمثلة بالعوامل التالية:
1- غياب الاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي وهزيمتهم في الحرب الباردة1990.
2- غياب العراق كصمام أمان عربي في دعم نضال الشعب الفلسطيني، وهزيمته 1991-2003 وتحول من فعل عربي مؤثر ورافعة قومية مساندة، إلى حالة استنزاف تركت بصماتها المذلة، وأصبح العراق عنواناً لنجاح القوى المعادية ضد العرب دولياً وإقليمياً.
3- تعاظم قوة المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي بعد غياب الاتحاد السوفيتي وهزيمته وغياب العراق وهزيمته، وتدمير سوريا وليبيا واليمن، واستنزاف قدرات بعض الدول المالية، فغابت الروافع والغطاءات القومية والسند العربي سياسياً ومالياً وشعبياً، وغدت منظمة التحرير مكشوفة عارية ضعيفة أمام العدو المتفوق.
محاولات استنهاض منظمة التحرير وتفعيلها لم تفلح، لا في عقد المجلس الوطني، ولا في اجتماعات المجلس المركزي، ولا في أي مظهر من مظاهر التلوين والتسطيح، فبقيت حركة فتح أسيرة لواقعها المعاش بدون أن تضيف إلى رصيدها فعلاً مؤثراً، وغاب دورها في لملمة صفوفها، ولملمة صفوف حلفائها المشهود لهم بالحرص على الشراكة والوحدة يقف في طليعتهم الجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية، وفشلها في استعادة قطاع غزة إلى حضن الشرعية رغم مرور 13 عاماً على الانقسام والانقلاب، مثلما فشلت في جمع حماس والجهاد لصفوف منظمة التحرير، وفشل احباط المؤتمرات الانقسامية التي دعت لها حماس وأتباعها خارج فلسطين.
عنوان صعب يحتاج لما هو أبعد من الامنيات والرغبات!!.