الرئيس ترامب ومن خلفه نتنياهو وعلى جانبه بعض الخليجيين العرب بات بإمكانهم أن ينظموا حفلات للطم إن هم أرادوا.
ترامب نفسه قال، إنه لا يريد الذهاب إلى حرب، مع انه سيحاول أن يحوّل العقوبات إلى عقوبات تخنق النظام السياسي في إيران، والى تحويل حياة الإيرانيين الى نوع من الجحيم الاقتصادي والمعيشي، والى مستحيل تنموي في كل الاتجاهات بما فيها موارد العسكرة، وموارد تطوير القدرات الدفاعية وامتلاك التكنولوجيا النووية.
وبما أن ترامب قد سلم بالأمر الواقع، نتنياهو أصبح على قناعة بأن فرصة حرب على إيران باتت صعبة، وأن أقصى ما يمكن الذهاب إليه سواء لهذه الفترة الفاصلة بين مغادرة ترامب وتسلم بايدن، أو سواء للفترة الأولى من مزاولة الرئيس المنتخب مهامه في البيت الأبيض هو توجيه «المزيد» من الضربات الاستخبارية، أو ربما بعض الغارات الخاطفة على مواقع خاصة في إيران دون أن يؤدي ذلك إلى اشتعال حرب شاملة.
لن يذهب بايدن الى المفاوضات المباشرة مع إيران قبل أن يتأكد بأن الإيرانيين على استعداد جديد لبحث مزيد من القيود على البرنامج النووي، والاستعداد لإعادة التفاوض على البرامج الصاروخية.
إيران لا يهمها سرعة المفاوضات، لأن ما يهمها هو مجرد البدء بها، وذلك لأن استمرار المفاوضات تحت ضغط العقوبات لن يقدم ولن يؤخر قيد أنملة في مسار هذه المفاوضات، بقدر ما يهمها أن يتم البدء برفع العقوبات او وضع جداول زمنية ملزمة للتخفيف منها.
هنا فقط تكون إيران قد خرجت من عنق الزجاجة، وتكون إيران قد عادت «بإغراء» كبريات الشركات العالمية وخصوصاً الأوروبية منها لتحضير نفسها لسنوات وسنوات من الأشغال العملاقة في الاقتصاد الإيراني.
إذا ما وصلت إيران الى هذه النقطة فإن علينا ان نعترف لها بنجاح «استراتيجية الصبر»، وعلينا ان نعترف لها بأنها قد استطاعت «إسقاط» الهجمة الأميركية الاسرائيلية الخليجية عليها.
من هو الرابح الحقيقي من هذه الهجمة؟
الرابح الأول إيران، والخاسر الأول بلدان الخليج، أما الولايات المتحدة فإنها ستعتبر نفسها قد فازت باتفاق جديد، وقيود جديدة، في حين أن إسرائيل ستعتبر نفسها أنها ربحت التطبيع وخسرت الرهان على كسر الإيرانيين، وان عليها أن «تتعايش» مع إيران التي تمتلك التكنولوجيا النووية، وقادرة في أي لحظة على تركيب رؤوس نووية على منظوماتها الصاروخية إذا أرادت، او إذا ما اضطرت الى ذلك.
أما المراهنة على تحجيم الدور الإقليمي لإيران فأغلب الظن أن الأمر بات مستحيلا، وان على دول الخليج أن تفهم ان ليس أمامها، الآن، إلا التفاهم مع إيران على هذا الدور، من حيث المستوى والمحتوى، وليس هناك من بديل حقيقي لهذا الواقع.
السؤال لماذا؟
الجواب واضح وبسيط، الإدارة الجديدة في البيت الأبيض لا تريد حروبا جديدة، لأن الاقتصاد الأميركي ببساطة لا يمكنه في المدى المرئي أن يتحمل مغامرات من هذا القبيل، كما ان مشكلات وأزمات كبيرة تعاني منها الولايات المتحدة، وخصوصا المنافسة الدولية، والدور القيادي، ومشكلات ذات طابع بنيوي في الاقتصاد الأميركي، إضافة الى الشرخ الكبير الذي تولّد عن سياسات ترامب العنصرية والاستعلائية والمستهترة بالقانون الدولي والعلاقات الدولية، وغير المسؤولة داخلياً.
باختصار، فإن بايدن لديه رزمة أولويات ليست نفسها هي الرزمة التي كان يعمل عليها ترامب مع نتنياهو ومع بلدان الخليج.
وهذا يعني ببساطة ان بلدان الخليج مطالبة بترتيب أمورها على هذا الأساس، وليس على أي أساس آخر، أما إذا أضفنا ان بايدن بات مطالباً ولو بصورة نسبية بمراعاة الجناح التقدمي في الحزب الديمقراطي والذي سيولي مسائل الحريات وحقوق الإنسان أهمية كبيرة في علاقات الولايات المتحدة مع العالم بما في ذلك بلدان الخليج فإن الأزمة هنا تبدو مضاعفة.
الأمور لن تقف عند بلدان الخليج لأن إسرائيل أيضاً (مع فارق معروف للجميع عن حال بلدان الخليج) باتت مطالبة بالتأقلم مع هذه المعطيات الجديدة. وهذا بالضبط ما يفسر لماذا بدأت تتعالى الأصوات في إسرائيل للذهاب الى انتخابات رابعة جديدة، بالرغم من الكلفة الباهظة، الصحية والاقتصادية والسياسية لهذه الانتخابات.
اليمين في إسرائيل الذي يسابق الريح في هجمات الاستيطان وخلق الوقائع هو أول من يدرك الواقع الجديد، وهو يعمل بكل الإمكانيات من اجل إعادة السيطرة على الحكم في إسرائيل فيما إذا أجبرت على الذهاب الى الانتخابات، وهو (أي اليمين) يدرك ان المعركة القادمة هي معركة حاسمة، بعدما اصبح واضحاً أن ترامب لم يعد قادرا على إنقاذ برنامجهم بالرغم من استماتته لعمل ذلك وبكل الوسائل، ودون كلل او ملل.
الواقع يقول، ان مهمة اليمين لم تعد سهلة، وان عودة اليمين للتحكم بالمعادلة السياسية في إسرائيل لم تعد تحل المشكلة، لأن الظهير والنصير رحل من البيت الأبيض، أما ساكنه الجديد فإنه حتى وإن كان يذوب عشقاً بإسرائيل فإنه لا يرغب برؤية اليمين العنصري في سدة الحكم طويلاً، وهو (أي الرئيس بايدن) لا يريد أن يكون رهينة لاحد في المرحلة الحاسمة الحرجة القادمة.
إيران ربحت بعد ان دفعت ثمنا باهظا، والخليج خسر كامل المعركة، والحرب معاً، بعد ان خسر كل شيء.
فقط أميركا هي الرابح، وإسرائيل لم تخسر ولم تربح سوى استعراضات تطبيعية ليس لها أي قيمة حقيقية في الميزان الاستراتيجي للصراع، مع ان التطبيع كان انتصاراً صافياً لإسرائيل دون ثمن.
بايدن قادم لاستعادة مكانة الولايات المتحدة، ومن أجل إصلاح الاقتصاد الأميركي، ومحاربة الجائحة وليس من اجل إرضاء بلدان الخليج، ولا حتى إسرائيل قبل أن تعود لتنضبط في المسار الأميركي الجديد.
"الأيام"