- مصابان في قصف من مسيرة إسرائيلية مجموعة من المواطنين شرق مدينة رفح جنوبي قطاع غزة
الحصار الإسرائيلى الخانق والمستمر على غزة منذ أكثر من 13 سنة والعمليات العسكرية الشرسة والمتكررة تدفع الاقتصاد الفلسطينى فى غزة إلى الانهيار. هذا كان توصيف تقرير بعنوان «التكاليف الاقتصادية التى يتكبدها الشعب الفلسطينى بسبب الاحتلال الإسرائيلى: قطاع غزة تحت الإغلاق والقيود المفروضة»، وقد أعد هذا التقرير مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) لعرضه على الجمعية العامة للأمم المتحدة وتم إصداره بأربعة أيام قبل التاسع والعشرون من نوفمبر وهو اليوم الذى خصصته الأمم المتحدة للتضامن مع الشعب الفلسطينى من كل عام.
فمنذ بداية الحصار الإسرائيلى الخانق والمستمر على غزة فى يونيو 2007، يعيش مليونا فلسطينى فى قطاع غزة، الذى تبلغ مساحته 365 كيلومترا مربعا فقط، تحت إغلاق تام. وكما لو كان هذا غير كاف، فمنذ عام 2008، عانى الشعب الفلسطينى فى غزة من فظائع ودمار ثلاث عمليات وهجمات عسكرية شرسة من البر والجو والبحر، والنتيجة أن الاقتصاد الفلسطينى فى غزة على وشك الانهيار وفى عزلة عن باقى الأرض الفلسطينية المحتلة والوطن العربى والعالم أجمع.
وتُقدر التكلفة الاقتصادية التراكمية للاحتلال الإسرائيلى، الناجمة فقط عن الحصار الخانق والمطول والعمليات العسكرية فى غزة، خلال الفترة من 2007 إلى 2018 بـما يقرب من 17 مليار دولار. وتمثل تلك التكلفة ستة أضعاف الناتج المحلى الإجمالى لغزة فى عام 2018 أو 107% مما أنتجه الشعب الفلسطينى فى الضفة الغربية وغزة فى نفس العام.
وبالطبع يؤدى هذا الحصار إلى إفقار وتجويع الشعب الفلسطينى فى غزة، حيث تشير التقديرات إلى أنه إن لم يكن هناك حصار إسرائيلى وإن لم تكن هناك عمليات وغارات عسكرية متكررة فى السنوات الماضية فكان من الممكن أن يتناقص معدل الفقر فى غزة إلى 15% فقط فى عام 2017، أى ربع المعدل الحالى البالغ 56%، وكان من الممكن لفجوة الفقر أن تكون 4,2%، أى خُمس نسبتها الحالية التى تبلغ 20%، حيث تشير هذه الفجوة إلى حدة الفقر بقياس مدى تباعد متوسط الفقراء عن خط الفقر. أى أن أكثر من نصف سكان القطاع يعيشون تحت خط الفقر، كما يفتقد الغالبية العظمى من السكان إلى المياه الصالحة للشرب والمأمونة وليس لديهم شبكة صرف صحى تحميهم من الأمراض والأوبئة ويعانون من نقص شديد وانقطاع متكرر للكهرباء حيث تصل الكهرباء فى المتوسط للأسرة المعيشية فى غزة ما بين ساعتين إلى أربع ساعات فقط فى اليوم.
وفى أحد عشر عاما، ما بين عامى 2007 و2018، نما الاقتصاد الفلسطينى فى قطاع غزة بنسبة تقل عن 5%، أى ما يقل عن نصف الواحد فى المائة فى السنة، وانخفضت مساهمة غزة فى الاقتصاد الفلسطينى (الضفة الغربية وغزة) من 31% إلى 18%، وصاحب ذلك انكماش نصيب الفرد من الناتج المحلى الإجمالى بنسبة 27% وارتفعت البطالة بنسبة 49%، حيث يشير تقرير الأونكتاد إلى أن معدل البطالة فى غزة هو من بين الأعلى فى العالم، إن لم يكن الأعلى.
ولو ظلت مساهمة قطاع غزة فى اقتصاد الأرض الفلسطينية المحتلة (الضفة الغربية وغزة) كما كانت عليه فى عام 2006، لكان الناتج المحلى الإجمالى للقطاع أكبر بنسبة 50% مما هو عليه حاليا. وتشير التقديرات إلى أنه فى الفترة ما بين 2007 و2017، ونتيجة للحصار والغارات العسكرية المتكررة، فقد قفز معدل الفقر فى قطاع غزة من 40% إلى 56%. وارتفعت فجوة الفقر من 14% إلى 20%، وتضاعفت التكلفة السنوية لانتشال الفقراء من تحت خط الفقر أربع مرات من 209 مليون دولار إلى 838 مليون دولار (بالأسعار الثابتة لعام 2015).
ويجب التأكيد على أن هذه التقديرات غير شاملة بل هى جزئية، لأنها لا تغطى سوى التكلفة الاقتصادية للاحتلال الإسرائيلى الناجمة عن الحصار الخانق والمطول والعمليات العسكرية المتلاحقة فى قطاع غزة بين عامى 2007 و2018، ولا تشمل التكاليف الأخرى للاحتلال الإسرائيلى، على سبيل المثال الآثار الاقتصادية لمنع الشعب الفلسطينى من استخدام حقول الغاز الطبيعى قبالة شواطئ غزة وعدم القدرة على التجارة مع بقية العالم وعلى استيراد مستلزمات الإنتاج اللازمة للحياة الاقتصادية وانعدام حرية التنقل والحركة المكفولة لكل نفس بشرية على وجه الكرة الأرضية إلا للشعب الفلسطيني.
ويقدم تقرير الأونكتاد للجمعية العامة للأمم المتحدة بعض التوصيات لإخراج غزة من هذا الوضع القاتل ووضعها على مسار يساعد على تحقيق التنمية المستدامة التى يستحقها الشعب الفلسطينى، حيث يوصى برفع كامل للقيود المفروضة على الوصول والتنقل إلى الضفة الغربية والوطن العربى والعالم أجمع، وكذلك يوصى التقرير بالنهوض بالإمكانات الاقتصادية لقطاع غزة من خلال الاستثمار وبناء ميناء بحرى وآخر جوى ومشاريع المياه والكهرباء والصرف الصحى والبنية التحتية.
ويشدد التقرير على ضرورة إنهاء الحصار الخانق المفروض على غزة، منذ أكثر من ثلاثة عشر عام، ويؤكد على الحاجة الملحة لاستعادة حق الفلسطينيين فى حرية التنقل لأغراض الأعمال التجارية والرعاية الطبية والتعليم والترفيه والروابط الأسرية. وبالإضافة إلى ذلك، ينبغى تمكين الحكومة الفلسطينية من تطوير موارد النفط والغاز الطبيعى قبالة شاطئ غزة، وهذا من شأنه أن يؤمن الموارد المطلوبة لإعادة تأهيل وإعادة إعمار وإنعاش الاقتصاد الفلسطينى فى غزة والضفة الغربية وكذلك يعزز الوضع المالى للحكومة الفلسطينية ويزيد من قدراتها على الصمود والتعامل مع إجراءات الاحتلال الإسرائيلى التعسفية.
ويضيف هذا التقرير إلى بحوث ودراسات الأونكتاد السابقة الخاصة بالتكلفة الاقتصادية للاحتلال الإسرائيلى، التى أُعدت استجابة لخمسة قرارات سنوية متتالية من الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ عام 2014 (قرارات رقم 69/20، 70/12، 71/20، 72/13، 73/18، 74/10)، حيث تطلب الدول الأعضاء بالأمم المتحدة من الأونكتاد تقييم وتوثيق شامل للتكلفة الاقتصادية للاحتلال الإسرائيلى التى تكبدها ويتكبدها الشعب الفلسطيني.
وتبقى فلسطين في القلب