خاص: المُحررة سعدية فتحي سعيد الصعيدي، مواليد الـ 26 من أبريل/ نيسان 1965، يافوية الأصل، استقرت عائلتها في مخيم الشاطئ للاجئين بمدينة غزة، عقب نكبة 48.
منذ طفولتها تشارك المُحررة الصعيدي، في التظاهرات الوطنية ضد الاحتلال الإسرائيلي، تعود بذاكرتها لتروي لـ«الكوفية» تفاصيل أول اعتقال، تقول، "كنت في المرحلة الإعدادية، وشاركت في تظاهرة بمناسبة ذكرى يوم الأرض عام 1979، وحدثت اشتباكات بين الطلبة وقوات الاحتلال، أدت لوقوع عدد من الإصابات".
وتابعت، "بلاغ عسكري وصل باسمها إلى منزلهم بضرورة التوجه إلى مقر الحاكم العسكري في غزة، فذهبت برفقة والدها، الذي أُجبره أحد ضباط الاحتلال على توقيع تعهد بعدم مشاركة طفلته في أي تظاهرة أو فعالية وطنية.
رغم صغر سنها، واعتقالها لعدةٍ ساعاتٍ، إلا أن تفاصيل ما شاهدته المُحررة الصعيدي، حُفرت في ذاكرتها فلا تستطيع نسيان ملامح السجن، ما زادها قوةً وصلابةً على الاستمرار في نهج الكفاح والدفاع عن الأرض.
سافرت المُحررة الصعيدي إلى جمهورية مصر العربية والمملكة الأردنية الهاشمية، وانضمت إلى حركة التحرير الوطني «فتح».
تستذكر المحررة الصعيدي، إحدى مواجهاتها المباشرة مع قوات الاحتلال، قائلة إن "قوات الاحتلال حاصرت منطقة المسجد الجنوبي في مخيم الشاطئ عام 1989، لاعتقال مجموعة من الشباب، فشاركت مع مجموعة من السيدات بالتدخل لحماية الشباب، غير أن قوات الاحتلال أطلقت النار بكثافة صوبهم، ما أدى إلى إصابتها بشكلٍ مباشر في القدم بـ 7 طلقات".
تتوقف لبرهة من الوقت، وتستكمل حديثها، "بعد إصابتي حاولت الفرار من المكان، فوقعت على الأرض، وجاء لمساعدتي أحد الجيران الشاب زياد بنات، لكن بمجرد وصوله إلي تعرض لإطلاق نار في رأسه مما أدى إلى استشهاده على الفور".
مكثت المُحررة الصعيدي 75 يومًا داخل المستشفى، بعد أن أجريت لها عدة عمليات جراحية في القدم.
بلاغ آخر، وصل لعائلة المحُررة الصعيدي بضرورة توجهها إلى سجن السرايا العسكري، لكنها قررت عدم معايشة تفاصيل الاعتقال مرة ثانية، ومغادرة منزلها، والذهاب للعيش لدى شقيقتها المتزوجة.
تضيف، أنه "بعد أشهر من انتقالها، استشهد زوج أختها منير الصعيدي بنيران الاحتلال".
معايشة المُحررة الصعيدي لتفاصيل استشهاد الشاب زياد بنات أمام عينيها، وزوج شقيقها بعد عدة أشهر، إضافة إلى اعتقالها الأول شكل لديها دوافع بضرورة تنفيذ عملية فدائية.
تقول، إنها "خرجت وبحوزتها سكين من المنزل، وعند مفترق السويدي وسط غزة، تواجهت مع مجموعة من جنود الاحتلال، فاقتربت منهم وقامت بطعن أحد الجنود بالسكين".
وتستكمل، أن محاولتها بالهرب من المكان فشلت، لأنه تم محاصرة المنطقة بشكل كامل من قوات الاحتلال، والإمساك بها.
تعرضت المُحررة الصعيدي للضرب الشديد من قبل قوات الاحتلال، وتقيدها وإغلاق عينيها، ونقلها إلى سجن أنصار، ومن ثم إلى سجن المجدل.
تسرد المُحررة الصعيدي، تفاصيل التحقيق معها، تقول "بعد عدة ساعات من التقييد والتنقل ما بين أنصار والوصول إلى سجن المجدل، بدأ التحقيق معي فورًا من عدة ضباط، الكل يطرح الأسئلة في ذات الوقت".
تتابع، أن "أحد الضباط قال لها حرفيًا، إذا أخبرتنا من أرسلك لتنفيذ العملية، سوف نخفض مدة محكوميتك، وإلا ستموتين في السجن، سنقبرك هنا".
"لم يرسلني أحد لتنفيذ العملية" إجابة المُحررة الصعيدي بهذه الكلمات على أسئلة ضباط الاحتلال لم تعجبهم، فما كان منهم إلا ضربها بقوة، ما أدى إلى كسر أنفها، وما زالت تعاني آثاره حتى اليوم.
12 يومًا مكثت المُحررة الصعيدي داخل زنزانة صغيرة، عفنة الرائحة، لا يوجد بها أدني مقومات الحياة الأساسية، تعرضت للتحقيق مرارًا، لم يهنأ لها بال.
وتشير، إلى أنها أُصيبت بضيق تنفس، وآلام شديدة في مكان إصابتها السابقة في القدم، إضافة إلى وجع كسر أنفها خلال التحقيق.
بعد تدخل الصليب الأحمر، نقلت إدارة سجون الاحتلال المُحررة الصعيدي إلى زنزانة أخرى أكبر حجمًا بقليل، مكثت فيها مدة 9 أشهر وحيدة، يدخلون لها الطعام من أسفل باب الزنزانة عبارة عن بعض الخبز الجاف والقليل من المياه.
وتتابع، أنه سُمح لها بالخروج إلى الفورة -ساحة السجن- مرة واحدة في النهار لمدة نصف ساعة فقط.
تسترجع تلك التفاصيل بمرارة، وتقول "أتذكر جيدًا عندما يأتي موعد خروجي للفورة، كان يأتي جندي يطرق على باب زنزانتي، ثم يأمرني بأن أضع يدي خلفي وأمدهما من فتحة الزنزانة، فيقيدني بالكلبشات الحديدية، ثم يفتح باب الزنزانة ويقيد قدمي بالسلاسل الحديدية ويقول لي اذهبي للفورة، وعندما تنتهي فترة الاستراحة يدخلني إلى الزنزانة ويغلق الباب ثم يأمرني بمد يدي ويفك القيد، عشت على هذه الحال مدة 12 شهرًا".
تعرضت المُحررة الصعيدي، لسوء التغذية والتعذيب النفسي وضيق التنفس والماء البارد والتعليق والشبح في الحائط، وتقييد اليدين للخلف، وتقييد قدميها والجلوس على الأرض جلسة القرفصاء ومنعها تحت تهديد السلاح من رفع رأسها لعدة ساعات.
وتضيف، أنها "نجحت بعد 5 أيام من الإضراب عن الطعام، بنقلها إلى سجن الرملة، وحصولها على بعض التحسينات"، لافتًة إلى أنها تعرضت للمحاكمة عدة مرات، وفي الجلسة الأخيرة صدر حكم بسجنها 10 سنوات.
وتستدرك، أنها "بسبب الكلبشات والتقييد، أُصيبت بتليف والتهابات في يديها، وخضعت لعملية جراحية لمدة 8 ساعات، في مستشفى تل هشومير، حيث قاموا باستئصال الالتهاب ونقل لحم من بطني إلى يدي كعملية تجميل".
تقول المُحررة الصعيدي، إنه "في تاريخ 25 يناير/ كانون الثاني 1993، الساعة 12 صباحًا، أخبرتها مديرة سجن الرملة، أن الصليب الأحمر بانتظارها خارج السجن".
استنشقت الفلسطينية سعدية الصعيدي عبق الحرية، بعد 4 سنوات من الاعتقال، وكانت ضمن 700 أسير وأسيرة من المرضى الذين تم الإفراج عنهم من سجون الاحتلال، ضمن اتفاقية أوسلو.