اليوم الخميس 28 مارس 2024م
عاجل
  • سرايا القدس: استهدفنا آلية عسكرية للاحتلال بقذيفة "تاندوم" محيط تقاطع مجمع الشفاء
  • مراسلنا: الاحتلال ينصب حاجزا على مدخل بلدة حجة شرق قلقيلية
  • كتائب المجاهدين: قصفنا بالاشتراك مع سرايا القدس تجمعات لجنود وآليات الاحتلال محيط مجمع الشفاء
  • الخارجية الفرنسية تعلن تخصيص 30 مليون يورو لصالح "أونروا" خلال عام 2024
القناة السابعة: إعادة تأهيل 6400 مصاب جراء الحرب على غزةالكوفية معاريف: خطاب "الضيف" تم تسجيله منذ 7 من أكتوبر ويكشف خطة حماس التي "فشلت "الكوفية معاريف.. كاهانا: سياسة "بن غفير" كفيلة بإشعال حرب إقليميةالكوفية يديعوت أحرونوت: "الجيش الإسرائيلي" يستعد لشن حرب وشيكة على الجبهة الشماليةالكوفية وثيقة لـ "هليفي": حماس حققت 10 إنجازات مقابل واحد لـ"إسرائيل"الكوفية سرايا القدس: استهدفنا آلية عسكرية للاحتلال بقذيفة "تاندوم" محيط تقاطع مجمع الشفاءالكوفية مراسلنا: الاحتلال ينصب حاجزا على مدخل بلدة حجة شرق قلقيليةالكوفية كتائب المجاهدين: قصفنا بالاشتراك مع سرايا القدس تجمعات لجنود وآليات الاحتلال محيط مجمع الشفاءالكوفية الاحتلال يعتقل مواطنين شرق نابلسالكوفية بث مباشر.. تطورات اليوم الـ 174 من عدوان الاحتلال المتواصل على قطاع غزةالكوفية الخارجية الفرنسية تعلن تخصيص 30 مليون يورو لصالح "أونروا" خلال عام 2024الكوفية وزارة التجارة التركية تنفي تصدير سلاح وذخيرة إلى «إسرائيل»الكوفية القيادة المركزية الأميركية: دمرنا 4 مسيّرات أطلقها الحوثيون باليمنالكوفية بلينكن يزور فرنسا الأسبوع المقبل ويناقش مع ماكرون دعم أوكرانيا ومنع التصعيد في غزةالكوفية الأردن يعلن تنفيذ 5 إنزالات جوية للمساعدات على قطاع غزةالكوفية الصحة: ارتفاع حصيلة عدوان الاحتلال على غزة إلى 32552 شهيدا و74980 مصاباالكوفية مراسلنا: طائرات الاحتلال تقصف منزلا لعائلة ارحيم في حي الزيتون جنوب شرقي مدينة غزةالكوفية الإعلام الحكومي: جيش الاحتلال أعدم 200 نازح داخل مجمع الشفاء الطبي واعتقل 1000 آخرينالكوفية الفداع المدني: الاحتلال استهدف 65 من أفراد طاقمنا منذ بدء عدوان الاحتلالالكوفية الدفاع المدني: منطقة مجمع الشفاء فيه مئات الشهداء بسبب القصف الإسرائيليالكوفية

فيصل حوراني وداعا

18:18 - 25 مايو - 2022
عبد الغني سلامة
الكوفية:

في نهاية الثمانينيات، وفي جلسة خاصة قال لي المرحوم أبو علي شاهين: إذا أردت فهم السياسة الدولية من منطلق وطني فلسطيني، وبآفاق إنسانية اقرأ كتب فيصل حوراني، فهو أهم مفكر سياسي فلسطيني. وبالفعل، كان كتابه «الفكر السياسي الفلسطيني 1964-1974» من أهم وأثرى الكتب التي أثرت بي، وقد أخبرتُ الراحل الكبير فيصل عن ذلك في أول لقاء جمعني به في رام الله، وقد سُـرَّ بذلك.
أصدر الراحل الكبير عدداً كبيراً من الكتب والأبحاث السياسية والفكرية، وفي المجال الأدبي كانت أولى رواياته «المحاصرون» (1973)، وآخرها رواية «باولا وأنا» (2022)، ولعل أبرز وأشهر كتبه: «دروب المنفى»، الموزع على خمسة مجلدات، ويقع في نحو 1200 صفحة، وجاءت على شكل روائي تؤرخ وتوثق لتاريخ الصراع والقضية من خلال سرد مشوق لسيرته الذاتية.
وفي كتاب «نجمة كنعان»، وفي الفصل الخاص عن الجوع، يلخص الصديق الدكتور أحمد عزم فصلاً هاماً من حياة حوراني مقتبساً أجزاء من كتاب «الصعود إلى الصفر»، والذي تضمن توثيقاً مذهلاً لحالات الجوع التي مرت بها عائلة حوراني، وعموم اللاجئين الفلسطينيين في الفترة التي تلت النكبة مباشرة، وما ترافق معها من عادات وأنماط اجتماعية وآثار نفسيّة. فكتب: «عاش حوراني طفولته المبكرة يتيم الأب، وكانت عائلته قد هُجرت من قريتهم «المسمية»، ولجأت إلى دمشق، حيث كان جده يقيم هناك، وكان حينها طفلاً دخل التاسعة من عمره، أي حين وقعت النكبة».
ويتابع: في فصل الجوع، يصف فيصل حوراني صعوبة الظروف التي ألمّت بعائلته، في تلك السنوات القاسية، بما في ذلك صعوبة الحصول على الطعام، فيقول: «والحقيقة أننا في الأسرة لم نكن نفتقد الحلويات والفواكه، وحدها، بل كثيراً ما افتقدنا الطعام الضروري، وقد كانت تجربة قاسية لكن الجميع تقبّلها بصمت ومحاولة للتجاهل أو بتحاشي ذكرها، وقد صار علينا أن نقتصد في طعامنا فنتناول أقل مما يملأ المعدة، لم يعلن أحد صراحة أن التقنين قائم، لكن الطريقة التي كان يقدّم بها الطعام جعلت التقنين أمرًا واقعاً».
ويضيف حوراني: «كنا نتحلق لتناول الفطور، فيكون أمامنا طبقان صغيران: زيت وزعتر، أو مكدوس وزيتون، أو مُربى مصنوع في المنزل، أمّا الخبز، فكان جدّي يتولى توزيعه فيُقطّع الأرغفة ويضع أمام كل واحد منّا قطعة، فنفهم دون توجيه، أنّ هذه هي الحصة التي لا ينبغي أن نتجاوزها، وفي وجبتي الغداء والعشاء: تتحلّق الأسرة حول الطبق الوحيد، العدس أو الرز أو البرغل، ويتوجّب على كل واحد منّا، أن يوازن بين حاجته وحاجات الآخرين».
ويضيف: «في المدرسة كان من المتعذر أن نحصل على مصروف الجيب.. وكنا نراقب الأولاد، وهم يتلذذون بشراء الحلويات فيتضاعف إحساسنا بالعوز والحرمان. وخلال عام اللجوء الأول لم تعرف الأسرة الفاكهة في وجباتها، إلا فيما ندر».
لا تخلو رواية حوراني من مفارقات إنسانية لافتة، فرغم الجوع، هناك دائماً حاجات أخرى قد تعطى لها أولوية حتى لو بدت كماليّة، لأنها ترتبط بنظرة الإنسان لنفسه وبهويته الشخصية. ويروي حوراني أنّ جدته التي كان اسمها مدللة، والتي (رغم تداعيات النكبة ومشكلة الجوع) لم تغفر لزوجها زواجه من أخرى في دمشق، وبقيت غاضبة، ولما استقر الأمر بها في بيت «ضرتها»، كان كل اهتمامها بملابسها وزينتها، الأمر الذي تطلب مصروفاً إضافياً جرى تدبيره بصعوبة على حساب الحاجات الأساسية.
ويضيف: «وتوجّب على الجدّة التي غدت المتصرفة بشؤون المنزل أن تستخدم أقصى براعتها لتدبير أي شيء من أي شيء. كانت الجدة تقنن حتى في توزيع الخبز الجاف وأكواب الشاي علينا. أمّا القهوة فما عادت تقدّم إلا بوجود الضيوف. وكنّا ندرك الظروف ونفهم دوافع الجدّة للتقتير، فلم نعد نلّح في الطلب كي لا نثير لواعجها».
وفي مشهد فيه كوميديا سوداء، يصف حوراني كيف أصبح موضوع الطعام موضوع تحايل اجتماعي، وأصبح للجوع أدب وبروتوكول، سواء بين أفراد العائلة ذاتهم أو مع ضيوفهم، فيقول: «علّمنا الحرمان آداباً وأوجهَ سلوك تواطأنا عليها حتى دون اتفاق مسبق، فحين يمرض أحد أفراد الأسرة، ويصير بحاجة إلى تغذية ملائمة، كنّا نتعفف عن الطّعام وندّعي أننا «شبعانين»، لنوفّر للمريض لقماً إضافيّة تعينه في مرضه. وكنّا، نبالغ في ترديد عبارات الحمد للرّب على نعمائه، بعد كل وجبة، في محاولة للتظاهر بأننا شبعنا حقّا. وحين يصدف أن يصل زائر غريب أثناء تناولنا الطّعام كنّا ننهض عن المائدة متظاهرين بأننا فرغنا للتّو من الأكل، ومظهرين للزائر أنّ عندنا من الطّعام ما يكفي ويزيد. وكان يحدث أحياناً أن يحين موعد الغداء بوجود زائر لدينا، دون أن يكون في حوزتنا ما يدخل المعدة سوى الخبز الجاف. فكنّا نحتال كي لا يعرف الزائر الحقيقة: تدعونا خالتي شفيقة إلى الأكل في الحجرة المجاورة، فنلوك لقماتنا القليلة على مهل ونطيل القعود ونتبادل عبارات توهم الزائر بأننا نتعازم على أطايب الأطباق. ثم، إمعاناً في الإيهام، كنّا نتوجه الواحد تلو الآخر إلى المغسلة التي في المدخل، حيث يصبح بمقدور الزائر أن يرانا، فنغسل أيدينا بالماء الفاتر والصابون كي يقتنع زائرنا بأننا أكلنا وجبة دسمة».
لا شك أن تلك الفترة أثرت على فيصل، وبشكل إيجابي، وجعلته عزيز النفس، عفيفاً، كريماً، وجعلته دائم الإحساس بمعاناة شعبه، وبالمعاناة الإنسانية بشكل عام. فضلاً عن تحفيزها الثوري والوطني في نفسه، ليغدو فدائياً، ومفكراً وباحثاً وروائياً، وإنساناً.
بعد أن عاش كل مراحل الثورة والكفاح الوطني الفلسطيني، وتنقل بين العديد من المدن والعواصم، وآخرها جنيف رحل عن عالمنا تاركاً وراءه إرثاً خالداً، ومسيرة حافلة بالعطاء، وبصمته المحفورة في صخور «المنفى»، كما دأب على وصف غُربته.
لروحه السلام.

كن أول من يعلق
تعليق جديد
البريد الالكتروني لا يظهر بالتعليق