هلل الكثيرون لسقوط النظام السوري الذي كان انهياره سريعاً ومفاجئاً وكأن كل شيء أعد ورتب له بمنتهى الدقة والعناية على المستويين الإقليمي والدولي.
وستظهر الأيام ما الذي حدث بالفعل وكيف انهار الجيش السوري فجأة وباتت الطريق ممهدة للعصابات المسلحة لتستولي على البلاد دون قتال يذكر، وكيف أصبح المطلوبون بتهمة الإرهاب أسياد الموقف.
والكل يرحب بهم ويحج لديهم، مع أنه حتى اللحظة لا يوجد شيء مؤكد بخصوص مستقبل سورية والنظام السياسي القادم.
المهللون والمرحبون يذكرون مثالب النظام السابق بأنه نظام دكتاتوري وقمعي ودموي، ويحاولون الاستشهاد على ذلك بالدلائل المتبقية من سجون للقتل لا تتوفر فيها شروط الحد الأدنى الإنسانية لمكوث بني البشر حتى أولئك المدانين بجرائم كبرى على اختلافها. والمقابر الجماعية المكتشفة والمستشفيات العسكرية وشهادات الشهود وغير ذلك.
ويمكن لهؤلاء الشامتين أن يسجلوا دون توقف جرائم النظام وعدم وجود عدالة أو ديمقراطية في سورية تحت حكم الأسد الأب والابن.
ويمكن فهم أن الشعب البسيط تنفس الصعداء لسقوط النظام وانهياره وتحقيق المطلب الشعبي من ثورة العام 2011. ولكن دعونا ننظر بتفحص للواقع السوري اليوم وما يمكن أن ينتج عنه.
لا خلاف حول أن النظام السوري كان قمعياً بامتياز وكان يجب تغييره بوسائل شعبية وديمقراطية. والثورة التي انطلقت في ربيع العام 2011 كانت محقة، ولكن هل يريد الشعب السوري استبدال نظام الأسد بنظام «داعش» و»جبهة النصرة» التي تحولت إلى «هيئة تحرير الشام» التي انضمت لها في فترات سابقة «جبهة فتح الشام» و»جبهة أنصار الدين» و»جيش السنة ولواء الحق» وحركة «نور الدين زنكي» وحركة «أحرار الشام» وغيرها من المجموعات السلفية، ويقودها أحمد الشرع الملقب بأبي محمد الجولاني الذي تنقل بين «داعش» و»القاعدة» وفرعها في الشام (جبهة النصرة) وأضحى القائد الأعلى لـ»هيئة تحرير الشام».
وهذه الهيئة التي تقود فصائل المعارضة السورية الأصولية والسلفية ترفض العلمانية والديمقراطية، وتطالب بإنشاء دولة إسلامية يكون فيها الحكم لعلماء الإسلام على أساس الشريعة؟ هل هذا هو البديل السوري الوطني لنظام بشار الأسد البائد؟
بالمناسبة وضعت وزارة الخارجية الأميركية «هيئة تحرير الشام» على قائمة المنظمات الإرهابية في العام 2004، ثم صنفت الجولاني كإرهابي في العام 2013. وكذلك أكدت الأمم المتحدة هي الأخرى الصلة القائمة بين الهيئة و»جبهة النصرة».
ومعظم الدول الغربية والعربية تتعامل مع «الهيئة» كمنظمة إرهابية. والسؤال هنا كيف سيصبح الرئيس الفعلي لسورية شخصاً مقبولاً أميركياً ودولياً، وهل يشفع له موقعه الحالي في التغاضي عن كل الجرائم الإرهابية التي قام بها؟
في الواقع، ما يحصل في سورية هو استكمال لمحاولات الإدارة الأميركية والقوى الغربية استبدال الأنظمة القومية العربية بأنظمة إسلامية على غرار ما حصل في تونس بعد الإطاحة بزين العابدين بن علي وفي مصر بعد إسقاط الرئيس حسني مبارك.
وكان الاتفاق الأميركي مع حركة «الإخوان المسلمين» لتكون البديل لهذه الأنظمة وقد نجحت في تولي السلطة في الانتخابات في تونس ومصر ولكنها لم تنجح في الاحتفاظ بالسلطة بسبب عدم قدرتها على تشكيل البديل الأفضل للأنظمة التي صنفت على أنها فاسدة.
ويبدو أن المخطط الأميركي لا علاقة له لا بالفساد ولا بالديمقراطية وفقط بالرغبة في خلق أنظمة عميلة تنفذ سياساتها وتغلق صفحة التفكير القومي أو الوطني العربي.
وخير من يقوم بهذا الدور هو الحركات الأصولية التي تعمل على تدمير البلدان ودفعها للتخلف قروناً.
وبعد الفشل في سورية وخاصة في ظل ضعف «الإخوان المسلمين» وعدم قدرتهم على قيادة المعارضة، عادت الولايات المتحدة بالتعاون مع تركيا وقطر للبديل الإسلامي في سورية وليس بالضرورة في المرحلة الأولى أن تكون حركة «الإخوان» هي التي تتصدر المشهد، ولا مانع من «القاعدة» بوجهها الجديد «هيئة تحرير الشام» لتتولى المهمة على أن يجري تأهيل السلطة لتكون مثيلة لحكم «الإخوان المسلمين» الذين بلا شك هم شركاء في السلطة وفي كل فصول هذه الترتيبات من خلال العرابتين تركيا وقطر.
وللتدليل على دور «الإخوان» لا ينبغي فقط مراقبة دور تركيا التي تطمح إلى عودة الامبراطورية العثمانية للعالم العربي، أو قطر التي سارعت لتقديم الدعم لنظام «القاعدة» الجديد في سورية، بل يجب النظر كذلك لموقف حركة «حماس» التي ترحب بالتغيرات وتهنئ بسقوط النظام السوري حليف الأمس.
نعم إنها مصالح «الإخوان» ودورهم التخريبي .
وليس غريباً على «حماس» أن تقف مع «جبهة النصرة» في دمشق في معركة الحجر الأسود ومخيم اليرموك ضد الجيش السوري في المراحل الأولى لثورة 2011، ثم عندما حسم النظام المعركة لصالحه أن تعود لمحاولة تحسين العلاقة معه على اعتبار أنها تنتمي لمحور «المقاومة» ثم تعود الآن وتتنكر لنظام الأسد وحليفها «حزب الله» وتدعم «القاعدة» والحركات الإرهابية الأصولية التي لم تنطق بحرف ضد احتلال إسرائيل لأراضٍ جديدة واسعة في سورية أو لقيامها بتدمير الجيش السوري وكل مقدراته ومراكزه. فهؤلاء كلهم شركاء في خريف «الأصولية» و»الإخوان» الذي يأتي على حساب الدولة القومية ويسعى لتدميرها. والخوف على سورية من القادم في ظل أعمال التنكيل بالأقليات وفي سيطرة دول على مساحات من الأراضي السورية كتركيا وإسرائيل والولايات المتحدة وفي ظل التقسيم بين إدارة الأكراد ومناطق «داعش» والمناطق المحتلة وتلك التي تحت سلطة «هيئة تحرير الشام» وشركائها في السلطة.