مصر في مواجهة عباس وحماس
رجب أبو سرية
مصر في مواجهة عباس وحماس
رغم أن يوم الجمعة الماضي قد مر على خير, أي دون حدوث ما هو أسوأ, بعد أن تم شد الحبل بين حماس وإسرائيل في لعبة عض الأصابع المكشوفة لكليهما, بل وحتى للمراقبين والمتابعين, إلا أن الحبل وإن كان قد ارتخى قليلا بشكل عابر, ما زال مشدودا, على رقبة قطاع غزة بالذات, الذي تحول مع مرور الوقت والزمن إلى ملعب للمبارزة بين المتحاربين والمتخاصمين, إن كان بين حماس وإسرائيل, أو بين حماس وعباس .
قبل يومين من الموعد الأسبوعي لتحريك حماس بيادقها وفق لعبة الشطرنج السياسية القائمة, على حدود قطاع غزة مع إسرائيل, أطلق صاروخان فجأة, فأصاب احدهما بيتا في النقب, فيما سقط الثاني في عسقلان, وكالعادة لم يلحق احدهما أي أذى بإسرائيل, لأن الهدف كان ببساطة التعطيل على الدور المصري, الذي ما زال يحاول المستحيل, من أجل تحقيق المصالحة الداخلية والتهدئة في وقت واحد, دون المساس بالثوابت الوطنية .
في الحقيقة فإنه مع عجز طرفي الانقسام الداخلي عن تحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام, رعت مصر منذ عشر سنوات مضت هذا الملف وبتكليف من الجامعة العربية, لكن وفي فترات محددة, حيث كانت حماس لا تثق بمصر, أجبرت الحالة الداخلية على تدخل كل من سوريا أولا, حيث كانت الأولى حليفتها من قبل, ومن ثم قطر حين صارت الثانية وما زالت حليفتها, وان باختلاف الدرجة, نظرا لتراجع النفوذ القطري وتبدد حظ الأخوان على التربع على الحكم خاصة في مصر .
لكن قطر ما زالت تلعب في ملعب غزة, بدافع تطويع حماس وتأهيلها لكسب الثقة الإسرائيلية حتى تكون مفاوضا مقبولا عليها, وبديلا صريحا عن م ت ف وعن السلطة الفلسطينية, وما يزيد من اهتمام قطر بملف غزة بالتحديد هو إضافة إلى أن احتواءها لغزة يعزز لديها الشعور بأنها دولة إقليمية, كذلك في كون ذلك يضع لها قدما على شاطيء المتوسط, لتصدير غازها الكثير لأوروبا في سنوات قادمة, هو عداؤها الذي ما زال مستمرا لمصر, بعد الإطاحة بحكم الأخوان .
لذا فان قطر تحاول دائما التخريب على الدور المصري, وان كان من وراء الكواليس أو من تحت الطاولة, لذا فان المرجح هو أن احد أجنحة حماس الداخلية المقربة من قطر, هي من أوعزت بإطلاق الصاروخين, حيث فعلا اضطر اللواء عباس كامل وزير المخابرات المصري, إلى إلغاء زيارته لغزة التي كانت مقررة في ذلك اليوم, ومن ثم تبعت ذلك الإلغاء مغادرة الوفد الأمني المصري الذي كان بغزة منذ أيام تمهيدا لزيارة رئيس الوفد .
يبدو بأن مصر بحنكتها السياسية لم يمر عليها أمر أطلاق الصاروخين, فسرعان ما تدخلت مجددا وفورا لتمنع التصادم بين إسرائيل وحماس في اليوم التالي, حيث مر يوم الجمعة مع تخفيض ملموس لمنسوب التحرك الحمساوي على السياج الحدودي .
وكان من شأن التحرك المصري أن فرض التراجع على الاتفاق الذي أبرمته قطر قبل ذلك بأيام والذي عرف باتفاق السولار, والذي استند على السماح للوقود القطري بالدخول إلى غزة لتشغيل مولدات الطاقة, ولإحباط إجراءات رام الله العقابية, وتقوية حماس على التمرد, مقابل وقف إطلاق البالونات الحارقة .
واضح بأن قطر تنجح دائما في توفير الحلول المؤقتة والعابرة التي تجعل من حماس رهينة دائمة لها, ذلك أن عينها على تطويعها, كما أسلفنا لتكون مقبولة لدى إسرائيل, وفي نفس الوقت تبعدها عن السلطة, ليس كرها بالسلطة بل تشجيعا لحماس على الانفصال بغزة, ونكاية في مصر, التي تدفع بالحالة الفلسطينية إلى أن تسير على "سكة" الإجماع الوطني ووفق الإطار الوطني ومحددات المشروع الوطني .
أي إن مصر بالعكس من قطر, تريد مصالحة على أساس الاتفاقيات السابقة, ووفق التوافق والإجماع الوطني, وتريد تهدئة متزامنة مع إنهاء الانقسام, وأمن مصر متوافق استراتيجيا مع أمن فلسطين, ومصر لا أطماع لها في غزة, ولا في أي مكان آخر من فلسطين, فشواطئها كثيرة على البحر المتوسط, ومصلحتها تكمن أولا في وجود فلسطيني قوي يصد الأطماع الإسرائيلية في أرضها وثرواتها, كذلك في وجود استقرار في غزة يقطع الطريق على الإرهاب الذي يتسرب إليها عبر سيناء .
مصر أذا كما لو كانت أما للولد الفلسطيني, تسعى إلى اجتاح المعجزة, خاصة وأن طرفي الانقسام الداخلي قد أدمنا الانقسام, وقد تكرس حكمهما الثنائي في غزة ورام الله على أساسه, في ظله, ووفق ظروفه, أي دون محاسبة أو مراقبة شعبية أو تشريعية أو حتى قضائية, ودون التزام بالاستحقاق الانتخابي حيث يحكم كلاهما دون سند شرعي من هذه الناحية .
مصر تحاول أن تفرض على حماس وعباس ما لا يرغبان به في حقيقة الأمر, ولابد هنا من أن يتحرك الشعب الفلسطيني وما تبقى لديه من فصائل أو بعض فصائل وطنية, من أجل أجبار كلا الطرفين على قبول "الشراكة" ليس الثنائية بينهما, بل الشراكة الوطنية مع الجميع, والأهم إقامة النظام الديمقراطي الذي يحقق دورية الانتخابات وتداول السلطة ويعلي من شأن القانون الأساسي, ويفصل بين السلطات الثلاث, ويحقق القدر الأعلى من الشفافية, ويضع حدا للفساد المالي والسياسي .
ومصر تحاول أن تجبر حماس على قبول فكرة, أن الممر الإجباري لكسر الحصار هو المصالحة, وان تجبر عباس على تغيير جوهري في السلطة حتى تتوافق مع حكم غزة, من مدخل القانون وليس من نفق الأمن, ومن مدخل الكفاح الوطني ضد إسرائيل وليس عبر التوافق معها وتقديم أوراق اعتماد الوزراء والمسئولين لها .