نشر بتاريخ: 2018/11/19 ( آخر تحديث: 2018/11/19 الساعة: 11:12 )
عدلي صادق

الى الإحتشاد أيها الأوفياء

نشر بتاريخ: 2018/11/19 (آخر تحديث: 2018/11/19 الساعة: 11:12)

ليس  أجدر من ذكرى الزعيم الشهيد ياسر عرفات، مفجر الثورة ورائد المقاومة، للتعبير عن موقف الجماهير الفلسطينية في هذه المرحلة التي يواجه فيها شعبنا،  شتى صنوف العدوان والبغي  من كل جانب، حتى بات المشهد شبيهاً  بذلك الذي ارتسم من حول شاعر شجاع، كالمتنبي، عندما أطلق صرخته وسؤاله: وسوى الروم خلف ظهرك رومُ.. فعلى أي جانبيك تميلُ؟!

في ذكرى الموت الملحمي لرجل أسطوري، ترتفع أسئلة الحياة والكرامة والعدالة، وتُستذكر المناقب في زمن الجَدب والشقاء. فطيف "الختيار" يشحذ الهمم ويصحح البوصلة ويتجاوز الطاريء العقيم، بمظالمه وظُلماته، ويفتح للأجيال الجديدة، آفاق العز والإحساس العالي بالكبرياء، ويؤكد على أن الشعوب المستلبة حقوقها، من كل جانب، تعي واقعها تماماً، وأنها باتت أشد إصراراً على المُضي في طريق الحرية!

من وِهاد الأرض التي حفرتها سيول الأذى، في غزة، ترتفع الجماهير في يوم الذكرى، لكي تتبدى شامخة وأعلى بكثير من قامات الطارئين الصغار المذعورين، الذين يحسبون كل صيحة عليهم!

ينكشف زَيف الإنتماء الملفق وتنحسر طوابير المخدوعين، ويتأكد المحتلون أنهم فشلوا في اختراع أنموذج الفلسطيني الراضخ المشوّه، الذي يُقدس التنسيق الأمني ويتطير من المقاومة وسلاحها، ويحتقر القانون، ويستمريء بؤس الناس، ويشبه محمود عباس الذي يرمي غزة العزة، مع المحتلين، عن قوسٍ واحدة!

اليوم هو يوم الفلسطيني الشامخ، شبيه "الختيار"، ويوم الشباب الذين يعرفون كل الذين فعلو أقصى ما يستطيعون، لسد آفاق مستقبلهم ودفعوا الكثير منهم الى الهجرة وارتياد البحر والصحاري والى الإنتحار يأساً: العدو الذي يقتل ويحاصر، والحاكم الظالم الذي يقف بعناد لكي ينفذ مشروعه لتنمية الفقر والهوان والقنوط، والقبضات الأمنية التي تسعى الى تدمير روح الناس والتمييز بينها واعتصارها وتعوديها على الرضوخ!

في يوم ياسر عرفات، يتكثّف معنى الاستعصاء الشعبي على الظالمين وظلماتهم، ويُقرع للعدو في غمرة استعلائه وعدوانه؛ جرس التذكير والتحذير بأن الجماهير الفلسطينية لم ولن تخرج من التاريخ، ولن تخرج من الجغرفيا، ولم لن تغادر معادلة الحقائق، وأن لهذه الجماهير الكثير من الحقوق، وأن الغَث القبيح، الطافي على سطح الحياة السياسية الفلسطينية الراهنة، ذاهب الى زوال، هو ومفاسده وشيخوخته. فمن مقادير الله الخالق، ومن سنن التاريخ والطبيعة، أن الشعوب تظل فتيّة، ولا تنسحب عليها أرذال أعمار البشر!

يسابق المحتلون الزمن، في محاولة رعناء للاستفادة من الوضع الإقليمي الراهن، الذي تنقطع فيه الصلة، بين الجماهير الفلسطينية وعمقها العربي، فنراهم يستَبِقون الأفول النهائي لنفوذ الولايات المتحدة، على صعيد السياسات الدولية، ويحاولون استغلال ما تبقى منه، لكي يعقدوا عروة وثقى مع الأطراف العربية!

في الساعات القليلة الأخيرة، امتشقت القِلة الذليلة على الجانب الفلسطيني، ضآلتها وافتضاحها، وسَعَتْ الى إحباط مهرجان الذكرى، وعادت الى تدوير اسطوانتها المشروخة والركيكة المفضوحة عن الوطنيين الفتحاويين الذين رفضوا الفساد والتمييز والإقصاء. لم تفطن هذه القلة الى انكشاف رصيدها وإلى رواسب فعلها اليومي الرديىء، في الوعي الفلسطيني، ولم تتذكر أنها بلا مآثر وبلا براهين على جداراتها بمناصبها. فكلما اتضحت حقيقة هذه القلة، ازدادت الجماهير بُعداً عنها، وازداد الحشد الجماهيري احتشاداً في يوم "الختيار"!

لتتدفق الناس الى ساحة السرايا. إنه يوم تطيير الرسائل البليغة لكل ظالم، ويوم التذكير بمناقب الأب الحاني، مفجّر الثورة، ببزّته العسكرية، التي تَجُبَّ ما بعدها من الأطقم الأنيقة وربطات العنق الحريرية المخصومة أثمانها من قوت الشعب.

لتحتشد جماهير غزة في ساحة السرايا، لتظهير الذكرى الحية،  حيثما لا تجرؤ عربات الإحتلال على الاقتراب. وليقرأ المعنيون، من تلك الساحة، رسائل فلسطين كلها ، ولتدوّي صرخات الناس في وجوه المحتلين الأوغاد، والظالمين الفاسدين، والمناطقيين الضالين الصغار. إن أبا عمار لا يغيب، وفتح ستظل حاضرة بكل سماتها الأولى. فالغائبون هم الذين فقدوا البوصلة وعافت الناس سحناتهم، وباتوا يموءون كالقطط. فإلى الإحتشاد أيها الأسود الأوفياء والماجدات الباسلات!