نشر بتاريخ: 2018/12/29 ( آخر تحديث: 2018/12/29 الساعة: 07:49 )
عدلي صادق

فحصُ عيّنة من منطق الرجل

نشر بتاريخ: 2018/12/29 (آخر تحديث: 2018/12/29 الساعة: 07:49)

قبل أيام، وفيما هو يحاول إقناع الناس بوجاهة قرار حل المجلس التشريعي؛ قال عباس كلاماً عجيباً،  وفي ذهنه ــ أغلب الظن ــ  أنه صانع العجائب وصائد القلوب، وساحر العقول الذي يجبر حتى من يكرهون سلوكه، على الإستماع اليه، للاستزادة من المعرفة بحقائق دنياهم. فلولاه ــ كما يتوهم ــ لما أدرك أحد ن الفلسطينيين، ماذا يجري في دنياه!

قال الرجل: إن إسرائيل، أدخلت الدولارات لحماس، بهدف تمكينها من شراء السلاح، لكي تقوم بالعمليات في الضفة. وأضاف أن سلطاته الأمنية، ضبطت تسعين في المئة من ذلك التدفق للمال والسلاح. وبالطبع هو لا يحتاج الى صور وأشرطة وأحراز ومضبوطات يعرضها، لأنه  معروف بصدقه، لا سيما عندما يتحدث عن الأرقام والنِسَب.  يقول مثلاً إن عشرة بالمئة من المال والسلاح، أفلت من بين يديه أو من بين أظافر السيادة التي يتمتع بها في الضفة. وبالمجمل فإن معنى الكلام أن إسرائيل إضطرت لأن  تلف اللفة الطويلة، لكي تعطي حماس في الضفة مالاً عن طريق قرية خزاعة في غزة!

غير ذلك، كأن الحراك الشعبي وفعاليات الغضب الشبابي الفلسطيني ومنها ما  انعكس في عمليات عنف ضد جبروت الاحتلال السافل؛ كان كله يستهدف سلطته، وكأن العمليات جرت ضد رموزه الأمنية  وضد مسربي الأراضي أو ضده شخصياً. أو كأن الشاب الفلسطيني عندما يهجم على مستوطن مجرم مسلح، فإنه يهجم على ضابط أمن عباسي ولا يستهدف مجرماً صهيونياً متطفلاً على أرضنا وعلى حياتنا!

في جوهر كلام عباس، هناك منطق بخصوص نتنياهو، نعتبره من جنس الأوهام نفسها التي جعلت الرجل حتى الآن يراهن على "التنسيق الأمني" ويحقد على المقاومة ويتخبط في السياسة ويدمر مؤسسات الكيان الفلسطيني. فعندما يصل به شطط التفكير الى القول بأن رئيس حكومة العدو يتواطأ مع حماس لكي تؤجج عملياتها في الضفة، يكون هذا الرجل قد ذهب مسافة شاسعة بعيداً عن سنن الحياة والأعراف والصراع في بلادنا. كأنما هو يوّسع مهمته التي انحصرت في تثقيفنا نحن الفلسطينيين، ويتطوع لتثقيف إسرائيل كلها، بمتطرفيها ومهووسيها والتكفل بنصحهم وتعريفهم بالحقائق. فها هو يكشف خيانة نتنياهو لأمن إسرائيل. لكن الغريب والصادم، أن إسرائيل، وهي شديدة الحساسية للمخاطر على أمنها،  لم تقبض حرفاً من كلامه، رغم أنه يتعلق بصاحب المسؤولية الأولى في االدولة.  فلم يسجل أحدُ في إسرائيل، أية ردة فعل على ما يقول  الجهبذ، وكأن كلامه من نوع الخنخنة الصادرة عن خياشيم القرود، لا علاقة لها باللغة ولا بالمعلومة!

هذا الرجل، وبهذا المنطق، يحاول الإساءة بالجملة للعديد من الأطراف، أولها مؤسسته الأمنية ونظامه السياسي وحاشيته وعائلته، إذ يجعلها مجتمعة، مقصد الغضب الشعبي، ويفترض أنها العدو الحصري للمقاومين وللجماهير الغاضبة، بينما هي ليست كذلك مهما كانت مآخذنا على منهجية عمل المتنفذين فيها. وبالطبع، هو يريد أن يكرس شيئاً شائناً، قوامه أن عقيدة المؤسسة الأمنية الفلسطينية، حددت عدوها المركزي، وهو الشعب الفلسطيني والمقاومة وحماس، وهذا أمر باطل في الحقيقة، ولا يعكس حقيقة القناعات والتوجهات في جسم المؤسسة الأمنية ولا في جسم حركة فتح!

ثاني هذه الأطراف التي يحاول الإساءة اليها، هم شبابنا الشهداء والأحياء في الضفة. فالشهداء يسجلون بدمائهم  الطاهرة وثيقة بطلان وجود الإحتلال مهما طغى وتجبر وتوسع في الاستيطان. وعباس يريد أن يقول إن شهداءنا سقطوا في إطار صفقة دولارات أو صفقة خيانة لنتنياهو، أو في مغامرة حمساوية. وبهذا المنطق، يفترض هذا الضال الفاسد المتخم هو وأولاده من مال الفقراء وحقوقهم؛ أن شبابنا الشهداء والأحياء، لا سبب لديهم للغضب، ولا لأن يُنشئوا فعلاً مقاوماً بدون دولارات، مثلما فعل أسلافهم على مر تاريخ الحركة الوطنية، وإن غضبوا فإن عباس يراهم  يثيرون الفوضى، ويشوشرون أو يقعون ضحايا ألعاب بهلوانية لنتنياهو أو حماس. ولعل هذه النقطة وحدها تدل على غباء مستحكم في السياسة. فالطبيعي أن يكون الغضب الشعبي والعمليات، سبباً للإستفادة السياسية على المستوى الدولي، لكن عباس يتعمد تأثيم أي حراك شعبي، لكي لا تبقى في يده ورقة!

الطريف اللافت، أن تشعبات إساءته الأخيرة بالإعلان عن حل المجلس التشريعي، رغم أنها طالت الكثيرين، وأن العجوز الضال، تعرّق وهو يعرضها؛ لم تقترب من الحاكمين في قطر، لدواعي مراعاة مصالح العائلة. فالدولارات التي شوهد من يُدخل قسطها الأول،  بسيارته، ويتطلب تهدئة، ينسبها الى نتنياهو دون سواه، ثم يأخذ راحته في تفسير وظائفها، في حدود دائرة استهدافه لحماس. هو يراعي كرامة مرسلي الدولارات ولا يراعي كرامة من يحتاجونها، ويتجاهل أنه هو صاحب الإسهام الأخطر في البؤس الذي جلب الإغاثة المغلفة بخطط وتوجهات سياسية، من الطبيعي أن تنشأ لاستغلال كارثة الشعب الفلسطيني في غزة، والدفع بسيناريو الصفقة المزعومة!