الصراع الدولى ينتقل من سوريا إلى فنزويلا
مصطفى السعيد
الصراع الدولى ينتقل من سوريا إلى فنزويلا
تفجرت أزمة عالمية بإعلان الرئيس الأمريكى ترامب عدم اعترافه بشرعية الرئيس الفنزويلى نيكولاس مادورو، واعترافه بزعيم المعارضة اليمينى خوان جوايدو رئيسا مؤقتا، لحين إجراء انتخابات جديدة، عقب إعلان زعيم المعارضة أنه يعتبر نفسه الرئيس الشرعى فى واقعة غريبة، حيث أجريت انتخابات الرئاسة فى فنزويلا قبل سبعة أشهر، وأعلنت لجنة الانتخابات فوز الرئيس مادورو بولاية ثانية مدتها ست سنوات تبدأ فى 19 من يناير الحالي.
انقسم العالم إلى شطرين، فريق بقيادة روسيا والصين يؤيد الرئيس مادورو وفريق بقيادة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى يؤيد زعيم المعارضة جوايدو، وكأن الصراع الدولى انتقل من سوريا إلى فنزويلا بنفس الحلفاء على الجانبين، وجاء تفجير أحداث فنزويلا متزامنا مع الإعلان عن الانسحاب الأمريكى من سوريا، وكأن ترامب يسعى إلى تعويض خسارته فى سوريا، لكن المكان مختلف هذه المرة، ويقع فى الحديقة الخلفية للولايات المتحدة، حيث قبضتها أقوى ومؤيدوها كثيرون، وقد وجهت عدة ضربات إلى الرئيس الفنزويلى مادورو قبل وبعد الانتخابات، لكنها لم تسقطه أرضا ولم تخرجه من الحلبة، وإن كانت أصابته بجراح عميقة فى الاقتصاد الفنزويلى المنهار، فالعملة تراجعت بشدة، والبترول لا يجد من يشتريه.
هاجر نحو ثلاثة ملايين فنزويلى تحت ضغط الأزمة الاقتصادية العنيفة التى تضرب البلاد جراء الحصار الأمريكي، واضطرت الحكومة إلى توزيع ملايين السلال الغذائية يوميا على السكان بعد أن توقف عدد كبير من التجار عن شراء السلع الضرورية، لتعيش فنزويلا واحدة من أسوأ موجات الأزمات منذ اعتلاء الرئيس الراحل هوجو تشافيز السلطة عام 1999 متحديا السياسات الأمريكية، داعيا إلى التكامل السياسى والاقتصادى بين دول أمريكا اللاتينية، على أساس سياسة إشتراكية ديمقراطية تتعايش فيها الاشتراكية مع الرأسمالية فى نظام تشاركي، اعتقد تشافيز أنه الشكل المناسب لدول القارة الأمريكية الجنوبية، ولم تتمكن الولايات المتحدة من احتواء تشافيز أو اقتلاعه، إلا أنه توفى متأثرا بمرض السرطان فى مارس 2013، ليترشح خليفته مادورو ويفوز فى الانتخابات، ومع قدوم ترامب زادت الضغوط الأمريكية، وأعلن ترامب عن ضرورة إسقاط مادورو.
خطورة قرار الرئيس الأمريكى تأتى من أنه منح نفسه الحق فى إقصاء أى رئيس لا تعجبه سياساته وتنصيب غيره، لينتزع الشرعية من الشعب، وهو ما يمكن أن يتكرر فى بلدان أخرى لو نجح فى إزاحة مادورو، ولهذا أثار مخاوف لدى العديد من بلدان العالم، وفى مقدمتهم روسيا، التى لم تعلن فقط رفضها لقرار الرئيس الأمريكى وعدد من البلدان الحليفة للولايات المتحدة، بل وجهت إنذارا أقرب إلى التهديد إذا حاولت الولايات المتحدة إقصاء مادورو عن الحكم، فى وقت شهدت فيه مطارات فنزويلا حركة نشطة لقاذفات وطائرات روسية حطت فى عدد من المطارات، وأشارت معلومات صحفية إلى اعتزام إيران إرسال مساعدات عسكرية، كما أعلنت الصين تأييدها للرئيس مادورو واستنكرت التدخل فى الشئون الداخلية للبلدان المستقلة، وكذلك أيدت تركيا الرئيس الفنزويلي، وبالطبع امتد الانقسام إلى داخل أمريكا اللاتينية، ووقفت الحكومات اليمينية فى البرازيل والأرجنتين وكولومبيا وباراجواى وبيرو والإكوادوروشيلى وبنما وكوستاريكا وجواتيمالا، بينما وقفت المكسيك وكوبا وبوليفيا إلى جانب مادورو، بينما صمتت باقى الدول.
من الصعب أن تشهد فنزويلا اندلاع معارك مباشرة، وأن تستمر لفترة طويلة سياسة الحصار الاقتصادى مع الحملات الإعلامية والدبلوماسية النشطة بقيادة الولايات المتحدة لنزع شرعية الرئيس مادورو، أو تنفيذ مطلب الرئيس الفرنسى ماكرون بإجراء انتخابات مبكرة، وفى المقابل يمكن أن تقدم الدول الرافضة لتنحية مادورو مساعدات اقتصادية إلى جانب الوجود العسكري، وهو ما يطيل الأزمة، ويضعف فرص نجاح الإطاحة بمادورو، ولهذا يمكن أن تشهد بعض المدن الفنزويلية عدة اشتباكات تبرر التدخل الدولي، لكن وقوف الجيش والشرطة وقطاع كبير من الشعب الفنزويلى إلى جانب مادورو قد يجعل الوضع فى مصلحته، ويظهر أنه الأكثر شعبية رغم الضغوط الاقتصادية والسياسية والحملات الإعلامية، لكن إذا جرى استغلال الأعداد الكبيرة التى هاجرت من فنزويلا إلى كولومبيا المناوئة والصديقة للولايات المتحدة يمكن أن تندلع اشتباكات بين البلدين، وعندئذ سيجرى تدويل الحرب، تتدخل فيها أطراف من داخل وخارج القارة، لكن الأخطر هو أن تنتقل النزاعات إلى داخل عدد آخر من الدول اللاتينية، المنقسمة بين يمين حليف للولايات المتحدة ويسار يرفض الهيمنة الأمريكية.
لا يمكن التنبؤ بما يمكن أن تؤدى إليه الأزمة الفنزويلية، ومدى سهولة الإنزلاق إلى حرب أهلية أو إقليمية أو دولية، فالاحتمالات مفتوحة على كل الاتجاهات، لكن المؤكد أن مع اندلاع الحرب فسيكون من الصعب السيطرة عليها، وأول ما ستقضى عليه هو التجارب الديمقراطية والصيغ التشاركية، فإما الاشتراكية الرافضة للسياسات الأمريكية وإما اليمين الموالى لها.
الأهرام المصرية